نحن الكورد انفصاليون - 2
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 7932 - #30-03-2024# - 10:14
المحور: القضية الكردية
رغم كل نشاطات الحراك الكوردي الوطنية والمنافية للانفصال، بشكل قطعي؛ ظلت تهمة الانفصال أحد أهم أدوات التهجم عليه، كان يخمد تارة ويشتدّ تارة أخرى؛ وذلك حسب الظروف. ومن المسلم أن الشعوب تزدهر في البيئات الملائمة، والديمقراطية هي من أركان الازدهار، ولها أهميتها الكبيرة في عصرنا الراهن، لذا نراها نحن الكورد كأنجع حل لقضيتنا، لكن الأنظمة المهيمنة في شرق أوسطنا لا تناسبها الديمقراطية، فهي ماضية في وسيلتها المعروفة لإرضاخ شعوبها.
وبعد هبوب رياح ربيع الحرية عقب انهيار الاتحاد السوفيتي طرأ تغيير على بعض دول منطقتنا؛ أما بالنسبة لقضيتنا الكوردية؛ حيث زادت وتيرة التهجم عليها من قبل الشرائح القومية، وفي مقدمتها تهمة الانفصال! فكوردستان ملحقة بدول عدة، ومهضومة الحقوق، وعليه وصمنا بأكبر تهمة (الانفصال) يُراد منها تصفيتنا قوميا.
يبدو أن تفتت الاتحاد السوفيتي أتاح لجزء من شعوب شرق الأوسط القيام بالانتفاضة في وجه طغاتها، وفي قيامها هذا عرّت ليست فقط سلطاتها الحاكمة، بل الشرائح الانتهازية والعنصريين المختفين تحت عباءة الدين والوطنية، وأبانت غاياتهم؛ حيث: خلقُ البلبلة بين شعوب المنطقة من خلال إثارة شتى أنواع التهم، وبخصوص الكورد فالتهمة الوحيدة هي الانفصال وبأساليب مبتكرة، والتي له أهميته البالغة بالنسبة لوحدة الوطن، وعلى وجه الخصوص بعدما تحقق للشعب الكردي بعض المكتسبات القومية جراء ربيع الحرية، وما تثيره هؤلاء الآن من هذه التهجمات سوى دليل بارز على دفع الحراك الكوردي نحو الانفصال، كحجة لمحو القضية من الوجود؛ إلا إن حراكنا الكوردي السوري متمسك بوحدة تراب الوطن، ويشارك مع معارضتها في النضال من أجل استعادة حريتها.
فعلى مر تاريخنا المشترك عشنا كلنا مسالمين متساوين، جمعتنا جميعا وحدة متماسكة، إلى أن تأثر ثلة من ضعاف النفوس بالفكر القومي الغربي، مسهّلة به دخول المستعمر الأوربي إلى أراضينا، فكان ذلك أول نشوء لدول هذه المنطقة التي اعتمدت الجانب القومي في تكوينها بمساعدة مباشرة من المستعمر القادم من الغرب.
بما أن حراكنا الكوردي يعكس سمات شعبنا، لم تجرّه مقاصد أولئك، ورأى رأي العين مخططاتهم القاضية بتصفية الكورد قوميا فكوّن شعبنا حراكا هدفه دفع الظلم المطبّق عليه، فسار على الخط الوطني ولم يحد عنه، إلا إن العنصريين من الحكام والشرائح القومية أصرّوا على اتهامه بالانفصال، وما زالوا متمسكين بنهجهم هذا حيال شعبنا إلى هذا اليوم.
كما نعلم جميعا، أن ما يُبديه الاتحاد الأوروبي اليوم، وبعد قرون من الصراع المدمر، من تعاضد بشري رائع، جدير أن يحتذى به. فرغم اختلاف المذاهب والقوميات واللغات وغيرها، جمعهم اتحاد يقوّيهم ويشدّ ظهرهم، ويدرّ عليهم الخير والمصالح النافعة. الذين سعوا إلى هذا الاتحاد كانت عقولهم متفتحة وبصيرتهم نيّرة، استخلصوا العبر المفيدة من ماضيهم المتحارب فاختاروا التآلف والتعاضد فيما بينهم.
لكن في شرقنا تستلهم سلطاتهُ نمط إدارتها من زمن أكل الدهر عليه وشرب، متمسكة بالقومية من جانبها السيء. فتفرخ صيصانا تزقزق على أنغامها، وتشدو بما يعود على الشعب بالوباء مستقبلا. فالقوانين الجائرة التي أصدرتها وتصدرها هذه الأنظمة لصهر نسيجها الوطني في بوتقتها القومية، مسترشدة بما نبذته أوروبا منذ زمن، بعد أن عانت منها قرونا، وقدمت ضحايا لا مبرر لها إلا تلبية لنزعتها القومية؛ حين جسدتها على أرض الواقع في حربين عالميتين، وقتها أبانت لها مستخرجاتها بشكل قاطع أنها كانت وباء كارثيا جلبتها لنفسها، فراحت ضحيتها ما يقارب مائة مليون من أبنائها، ناهيكم عن الخراب والدمار التي جنتها من تلك النزعة. ما يدمي القلب أن حكامنا ماضون في الاسترشاد بهذه التجربة الكارثية.
نعود ونطرح السؤال التالي: هل هناك من استفاد من التَجْرِبَةَ المُجَرّبةِ ضررها؟
وفي حالتنا الكردية السورية، لا تكلّ الأنظمة المتعاقبة على إدارة البلاد من ممارسة الضّغط بأنواعه المختلفة علينا مستخدمة شتى الوسائل، وفي مقدّمتها زجّ مطالبي حقوقنا في أقبيتها الأمنية، تزامنا مع سلب أرضنا، وطردنا منها. وكونها تفرّخ صيصانها، ليس في عقر دارها فحسب، بل تتجاوز حدودها إلى دول أخرى متأثرة بأفكارها القومية البالية، فتخصص لها مراكز دراسية وبحوثية، وفضائيات تروّج لهذه المنطلقات المثبت أضرارها الوخيمة.
فالكوردي المضغوط من قبل هذه الأنواع القديمة والمبتكرة، يجاهد بأقصى إمكانياته درْأها، وكذلك يحاول بطاقاته المنهكة جرّاء المطبّق عليه إفهام المزقزقين من صيصانه إن ما يشدون به غير حقيقي. وهذه الزقزقة والشدو تثير الغرائز السيئة لدى الناس، وعليه سيزداد عدد المنضوين تحت لوائهم مع مرور الزمن، وبالتالي سيؤدي إلى التنازع بين النسيج الوطني المتماسك، آنئذٍ سيحصل تصدع في تلاحمه الذي يعود تاريخه إلى ألف وأربعمائة عام، والشعب الكوردي من بين أكثر الشعوب التي حافظت عليه وعلى تلاحمه رغم كل جرائم الأنظمة بحقه في الدول الملحقة بها أرضه.
نتساءل من جديد: ما القصد من هذه التهمة ومن المستفيد منها؟
يتبع...
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
[1]