الأحزاب الكوردية لا تمارس السياسية
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 7811 - #03-11-2023# - 20:44
المحور: القضية الكردية
الحراك الكوردي الحزبي في غرب كوردستان، منذ تأسيسه، وحتى مرحلة بلوغه قرابة المئة حزب وتنظيم، بجميع أحزابه لم يمارسوا السياسة في الواقع العملي، رغم العقود الطويلة من العمل والنشاطات الحزبية، وما كتب الكثير منه لم يخرج عن المجال النظري، بل هيمنت عليهم منهجية العمل الحزبي والتعامل بين بعضهم على أسسه.
فما نراه اليوم ورغم ما يجري خلف الكواليس الدبلوماسية من المؤامرات ضد الشعب ومكتسباته وقضيته، والحروب الدينية والقومية في المنطقة بشكل عام، لا زالت الأحزاب الكوردية تخون بعضها، وتنشر التهم، وتصدر التصريحات الساذجة ضد بعضها البعض، ومنها ما تتحول إلى تغطية غير مباشرة على جرائم المرتزقة التركية العابثين في منطقة جيايي كورمينج، ومدنها، أو التي لا تزال تطمح إلى السيادة الحزبية وتتناسى السياسة. والتي كنا نأمل من لا يتمكن ولظروف ما تجريم المنظمات المحتلة لعفرين والمناطق الأخرى من غرب كوردستان ألا يمدحهم أو يجد المبررات لأفعالهم على الأقل. ومن لا يتمكن من تحسين معيشة الشعب والحد من الهجرة ألا يضاعف من ظروف تفاقمها.
كانت ولا تزال نشاطاتهم في الواقع العملي محصورة ضمن الصراعات الحزبية، إلى درجة سخروا ولا زالوا يسخرون نضالهم ضد المحتلين لخدمة الحزب قبل القضية، يتفاخرون بها لرفع مكانة التنظيم، ومثلما استخدموها ويستخدمونها أسلحة ضد بعضهم، وعلى أثرها ظلت سوية مطالبهم القومية، ضمن جغرافية خلافاتهم، تحت غطاء مهترئ أضفوا عليها أسم السياسة، وجل هدفهم احتلال الشارع الكوردي، وإلغاء الأخر، قبل الاحتلال الخارجي.
هذه الإشكالية المرعبة، كانت ولا تزال من إحدى أهم أسباب عدم التوافق على القضايا الوطنية والقومية، والتراجع عن الفيدرالية كمطلب قومي ووطني تحت مصطلحات لغوية تلاءمت ورغبة المعارضة العربية، هذا التراجع وإشكالية غياب السياسة ساعدت على توسيع شرخ الخلافات، وشبه عدمية التوافق، فحتى الأحزاب التي تحالفت أحيانا لم تتمكن من تجاوز هذه المعضلة وخلق القوة التي بإمكانها التحدث باسم الشعب.
الواقع الذي أجبرت أحزاب غرب كوردستان الاحتماء بالقوى الكوردستانية خارج جغرافيتهم، والذي أدى إلى تضخم العائق الأول في عدم تمكن ال ب ي د وتابعيها من الاتفاق مع أحزاب المجلس الوطني الكوردي وبالعكس.
من السهل للقوى التي تمارس السياسة تناسي خلافاتها مع ألد أعداءها، وتعويم المصلحة الوطنية والقومية على منهجية أو إيديولوجية الحزب، كما وأن دروب التحالف مع الأخر الذي ربما كان معاديا له قبل فترة تظل مفتوحة حتى في أصعب الظروف كالتي تمر بها غرب كوردستان اليوم.
الجدلية التي لا تتمكن الأحزاب الكوردية قيادة وأعضاء من إدراكها أو حتى تقبلها والحوار حولها، جلهم يفضلون العداء على التحالف على المنهجية السياسية لتحقيق الغاية الوطنية والقومية.
من الصعب على من تشرب التحزب طوال عقود طويلة، ومارسها بحنكة غريبة في المؤتمرات والنضال الحزبي، أن يعيد تركيبة مفاهيمه، ويخلق قدرة استيعاب الحقيقة وهي أنه يمارس التحزب وليست السياسة التي يتطلب منهم كقوى شعبهم يعاني من الويلات، ومن ثم تجاوز خلافاتهم الداخلية وإبراز الذات كأحزاب على ممارسة السياسية، حيث التنازل عن بعض مصالحهم والتخلي عن تحالفات خارجية أضرت بهم وبقادم شعبهم أكثر مما أفادتهم كأحزاب.
ولمواجهة قادم قد يكون مرعبا، وحيث احتمالات تغييرات جيوسياسية في المنطقة، يتوجب على قادة الأحزاب المهيمنة، الذين لم يتغيروا منذ قرابة العقدين وأكثر، إعادة النظر في ماضيهم، ودراسة الحاضر، وكتابة القادم بمدارك عصرية تتلاءم والظروف السياسية والصراعات الجارية في المنطقة، وما يتطلبه واقع الشعب الكوردي، رغم أن المطلوب ليس سهلا لشرائح تخرجت من مدارس التحزب، وخرجت أجيال على المنهجية المطعونة فيها، لكنها ليست مستحيلة فيما إذا كانت هناك قناعة على أن المسيرة التي أوصلتهم والشعب إلى هذا الواقع المزري، التراجع عنها، وإعادة تركيبة مفاهيمهم، وتعديل أو تغيير منهجيتهم، والاقتناع على أن خلافاتهم التي بلغت إلى حد التشهير ونشر خطابات التخوين لن تنقذهم من مستنقع الصراعات الحزبية والمؤدية إلى أن يتقبلوا الإملاءات الخارجية والعمل كأدوات تنفذ ما تفرض عليهم.
عليهم إعادة تركيبة الذهنية الحزبية والسياسية، ومتى يجب استخدامهما، والتي تختلف ما بين ظروف وجود دولة ومؤسسات، أو حراك لا يزال في أطوار التحرر القومي. فتجارب الحركات التحررية الوطنية والقومية العالمية والكوردستانية بشكل خاص، تعتبر مدارس غنية للتعلم وأخذ العبر منها، علها تزيد من آمال النجاح للحراك الكوردستاني ولقادم الأمة.[1]