هل فشل الحراك الثقافي الكوردي؟
محمود عباس
الحوار المتمدن-العدد: 7754 - #04-10-2023# - 20:20
المحور: القضية الكردية
كثيرا ما يتم التداول بين المجتمع على أن الحراك الثقافي لم يقدم ما يتطلب منه، لتوعية الحراك الحزبي- السياسي، مما أدى إلى هذا التآكل الداخلي المرعب، في مرحلة تعد من أنسب المراحل التاريخية للقضية وقادم الأمة. وغير قادر على توعية المجتمع، وهو ما أدى بالشارع الكوردي، في السنوات الأخيرة، إلى تراكم اليأس والإحباط، ففضل الهجرة الكارثية من الوطن كملاذ لإنقاذ النفس والعائلة، وهجرة من الذات الكوردية، دون القدرة على قطع الجذور عن الوطن إن كان في المهجر أو عن القضية إن كان في الوطن، وهو رد فعل سلبي للتغطية على ما يعانيه من خلفيات فشل أو سلبيات الحراك السياسي.
ربما لا يدركون، مثلما لا يدرك الحراك الحزبي-السياسي أهمية الحراك الثقافي، أن ضعف إمكانيات الحراك الثقافي وبطئه في نشر الوعي والمفاهيم الصحية، وعدم قدرته على التأثير على الحراك الحزبي، ناتج من اصطدامها بالجدران العازلة التي خلقتها الأنظمة العنصرية، والثقافة الكارثية التي نشرتها بين الشعب طوال القرون الماضية، والتي ظهرت من لدنها الأحزاب الكوردية وقادتها، وهو ما أدت إلى ظهور نسبة مرعبة من الأدمغة الجامدة في مجتمعنا، والمؤثرة بشكل ما على الحراك، وهو ما يؤدي إلى بطء تأثير مفاهيم الحراك الثقافي على المجتمع بشكل عام وعلى الحراك الحزبي بشكل خاص.
لكن تظل جدلية النجاح قائمة، فحتى ولو أن المفاهيم التنويرية لا تخترق الأدمغة المسطحة الجامدة، وتحتاج إلى فترة زمنية، لتصبح ثورة في البنية الثقافية، وتغير من البيئة الفكرية السياسية، لكنها عند الصدمة تتناثر وتنتشر في الأطراف، تضيء الأجواء من حولها، فتؤثر على محيطها والذي سيكون لها تأثير على تليينها، وإنقاذ المجتمع من الأوبئة الثقافية ومن ثم إنقاذ تلك الأدمغة من الجهالة التي أغرق ليس فقط الشعب الكوردي بهم بل وشعوب المنطقة، وهكذا فالحركة التنويرية الكوردية وإن كانت لا تزال عاجزة على التأثير، أو أن نتائج مفاهيمها لا زالت مغيبة، وكثيرا ما تتلكأ لتأثرها بالخلافات الداخلية، لكن الأمل قوي بنجاحها وظهور تأثير مفاهيمها الصحية على الساحة في مراحل قريبة قادمة، وتمكنها من إنقاذ الحراك الحزبي-السياسي، والمجتمع، بل وهدم جدران العتمة من حولهم، وتنقيتهم من الأدمغة الجامدة والأوبئة الثقافية.
نتحدث عن دور الحركة التنويرية والتي ركيزتها المثقف الواعي المتواضع، المعطاءً كالنهر، المتدفق كالنبع، الذي يشبه البحيرة التي تتغذى من المنابع الدائمة العطاء، قد يتغير مستويات عطاءه مع الفصول؛ لكنه لا ينضب. وليس الذي تراكمت فيه المعلومات، وأصبح يقدم ذاته كصاحب الفكر والمعرفة، لكنه في الواقع العملي كحوض ماء راكد، يغرف منه، وإن ألقيت فيه الأوساخ لا يمكن أن ينقي ذاته بذاته، وقد يتحول مع الزمن إما إلى مستنقع آسن، أو ينضب رغم فصول العطاء، ويموت معه الخضار من حوله.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
[1]