غربي كوردستان ومدخول النفط - 2
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 7149 - #30-01-2022# - 09:37
المحور: القضية الكردية
2- قطاع النفط في مرحلة داعش:
من يحصل على حفنة من الأموال بدون شرعية يعرف بالسارق، وهم أشخاص أو شريحة أضرارهم ثانوية. والذين يعبثون بحركة الأسواق ويعرضونها إلى التدمير لأرباحهم يوصفون بتجار الحروب، شرورهم كارثية للاقتصاد ولمعيشة الطبقة الفقيرة والمتوسطة في مراحل زمنية معينة. أما عندما تنفتح أبواب الفساد في إدارات الدولة، وينهب الدخل الوطني، علينا أن ندرك أن النظام الحاكم؛ شمولي استبدادي، يدمر الأوطان ويهدم الثقافات، ويمهد الدروب لظهور المنظمات الغارقة في الشر، كالنظام السوري، الذين نهب قطاع النفط على مدى أربعة عقود من الزمن، وساعد على ظهور داعش والنصرة، ومعظم ما تسمى اليوم بالمعارضة التكفيرية والسياسية القابعة في أحضان تركيا وقطر، وبعضها في حماية إيران.
فداعش نتيجة حتمية لما بلغته كوارث أنظمة المنطقة، سلبياتها كمنظمة تكفيرية، أعمق مما يمكن اجتثاثه كما يتم عادة مع تجار الحروب، فتدميرها للاقتصاد لا تقارن بما زرعته من الأوبئة الفكرية والمفاهيم الشريرة في البيئة الهشة؛ التي كانت قد هيئتها الأنظمة المنوهة إليها، وهنا لن نقف على ما خلفته من الدمار في ثقافة المناطق العربية السنية، في سوريا والعراق، خلال ثلاث سنوات من سيطرتها، فهي تحتاج إلى الكثير، بل سنختصر على ما فعلته بالقطاع النفطي، حصراً في غربي كوردستان؛ شرقي الفرات.
صدرت بعض الدراسات على أنه بعد قدوم داعش عام 2014 وسيطرتها على معظم حقول النفط شرقي سوريا، بما في ذلك حقل العمَر في دير الزور، والذي يُعدّ الأضخم في البلاد، ناهزت مبيعاتها 40 مليون دولار شهريا عام 2015، بحسب وزارة الدفاع الأمريكية، علما أنها كانت تبيعه لتركيا وسلطة بشار الأسد بأسعار متدنية مقارنة بالأسعار العالمية.
قبل صدور التحذير من مجلس الأمن الدولي عام 2014 (لكل جهة يتم ضبطها بالتعامل في النفط مع الجماعات الإرهابية، والتي لم تستمع إليها لا الحكومة السورية ولا تركيا في البداية، إلا بعدما قصفت روسيا قوافل الصهاريج المتجهة إلى تركيا، العملية التي بينت للعالم مدى دعم تركيا وسلطة بشار الأسد، للمنظمة الإرهابية ليس فقط عسكريا، بل اقتصاديا) كان قطاع النفط السوري تحديدا أحد ركائز البنية التحتية الاقتصادية لمنظمة داعش.
ولتبيان هذه، علينا أن نعود إلى (مارس 2015) (عندما برز اسم جورج حسواني لأول مرة، وعُرف كوسيط بين داعش وحكومة الأسد، حسواني المسيحي السوري، يحمل الجنسية الروسية، ويملك شركة مقاولات تدعى هيسكو، يدير مكتبها في موسكو شقيق زوجته) الوقت الذي كانت الحكومة السورية تتكبد الخسائر المادية الفادحة والتي فاقت 200 مليار دولار بحسب المركز السوري لبحوث السياسات، ولولا الدعم الإيراني الذي كان وفق التقديرات أيضاً يتراوح بين 6 و14 مليار سنوياً لما استطاعت الحكومة السورية الصمود، الأموال التي ساهمت على ديمومة الأربعين مليون دولار شهرياً كرقم كان يجنيه داعش من حكومة الأسد مقابل النفط.
(انكشفت هذه المعلومات من وثائق تمكنت القوات الأمريكية الخاصة من الحصول عليها عام 2020 في واحدة من أكبر العمليات الاستخبارية التي قامت بها، حيث تبين أن المسؤول عن النفط لدى داعش كان يُدعى أبو سياف، قاد الصفقات التي تم بموجبها بيع النفط للحكومة ولتركيا وتلقى أموالاً ضخمة نتيجة لذلك.)
كانت الصهاريج تتزود بالنفط من حقل العمر الواقع في دير الزور، مقابل مبلغ مالي كان يدفع لمكتب أبو حمزة المصري، (ألف ليرة سوري) للبرميل الواحد. ليتوجه رتل من الصهاريج إلى مناطق الحكومة السورية وبمرافقة من عناصر داعش كحماية، إلى أول حاجز للنظام في منطقة ريف حلب الجنوبي الشرقي، والرتل الأخر إلى الحدود السورية التركية وعن طريق بوابة مدينة الباب.
وعند دخولها مناطق الحكومة السورية، كانت تتحول مليكتها لشركة القاطرجي فينقل النفط إلى مصفاة حمص (شركة القاطرجي صنعتها سلطة بشار الأسد كواجهة للتغطية على تعاملها مع تنظيم إرهابي أمام الرأي العالمي، خاصة بعد تحذير مجلس الأم).
من بين الوثائق الداعشية المستولية عليها القوات الأمريكية، كانت أحداها تحمل الرقم (156) ويعود تاريخها إلى 11 فبراير 2015 وهي مرسلة من وزارة الخزانة يذكر فيه أن التنظيم يطلب من مكتب أبو سياف المسؤول عن النفط، تأسيس علاقات استثمارية مع رجال أعمال مرتبطين بتركيا وبنظام بشار الأسد.
ومن الغرابة رغم أنها صنفت كأحد أخطر المنظمات الإرهابية في العالم، لم تضع عليها أية دولة إقليمية حصارا اقتصاديا، ولولا الأمريكيين والأوربيين، لبلغت دخلها الاقتصادي المليارات من الدولارات، بعكس ما يجري اليوم من الحصار الاقتصادي والمخططات السياسية-العسكرية، ضد الإدارة الذاتية، والمنطقة الكوردية حصراً، رغم الفارق السياسي والثقافي بين الطرفين.
حصلت الإدارة الذاتية على نصف ما كانت بيد داعش، مع ذلك تواجه مخططات عنصرية خبيثة، وهذه تدل على أن بيئة المناطق التي سيطرت عليها داعش كانت تلائم انتشارها، وهي لا تزال تحتضن الكثير من خلاياها النائمة، ومنها تحصل المنظمة على كميات ضخمة من الأموال، إلى جانب مساعدات الدول الإقليمية، وخاصة المعادية للكورد.
يتبع...
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
[1]