فلسفة توحيد الأحزاب الكوردية -الجزء الأول
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 6900 - #16-05-2021# - 12:45
المحور: القضية الكردية
عرت الحوارات التي جرت بين أحزاب المجلس الوطني الكوردي، وأحزاب الوحدة الوطنية الكوردية، أحدى أضحل الجدليات الساذجة في سوق السياسة الكوردية، وبينت عن مدى جهالتنا وعلى مدى العقود الطويلة الماضية، وحنكة الأحزاب في خدعنا والشارع الكوردي.
نحن الذين طالبنا بتوحيد الأحزاب، المنشقة عن بعضها على خلفيات متنوعة لسنا بصددها، مثلما تكالبنا خلال السنة الماضية على دفع الطرفين لتشكيل لجان أو الأفظع مرجعية كوردية! علما أن معظمنا على دراية بأسبابها، والتي لم تكن للبعد الفكري أو المواقف السياسية أي دور فيها، على عكس ما حاول البعض ترويجها وتسخير مفاهيم مستقاة على علاتها، للتغطية على منابع ومحركي الانشقاقات. نعم لم نكن ندرك أن العوامل التي أدت إلى تشتتها هي ذاتها المهيمنة والتي كانت تدفعها للتحاور، مثلما يجري الأن خلف الكواليس، غايتها توسيع الشرخ وخلق خلافات حديثة تتلاءم والظروف، وليست كما كنا نأمل ونظن أنها من أجل تشكيل قوة كوردستانية تكون على سوية الحوار مع القوى الخارجية وقادرة على حمل القضية القومية، وتبين الأن كما في الماضي أن الهدف هو إضعاف الأطراف التي كانت تنمو بشكل سليم، واليوم هي للطعن في المكتسبات التي حصل عليها الكورد، وبالتالي إعادتنا إلى مربع الأنظمة الشمولية.
والأغرب أن معظم من كتب عن الإشكالية إما:
1- تناسى الحقائق وركض خلف الثانويات، بينهم من كتب مذكراته مع غياب الشفافية في الزوايا المهمة لتاريخ الحراك الكوردي، وهي ناتجة من عدم الجرأة على قول الصراحة.
2- أو جاؤوا على ذكرها من وجهة نظر أحادية الجانب، وهو ما يجري الأن على الساحة الإعلامية بين شخصيات حزبية اعتبارية لها مكانتها وتاريخها النضالي الوطني، كل طرف يأتي بأسباب وعلل لتبرير الذات من المساهمة في التمزيق.
3- والذين تناولوها بشكل منطقي كانوا قلة وكتاباتهم لم تأخذ مداها لسببين: إما لأنها كانت أعلى من سوية الإدراك العام، أو أن القوى التي لها مصلحة في تشتيت الحراك، عتمت عليها وبالتالي حصرتها ضمن شريحة ضيقة من المجتمع، وبالتالي لم تأخذ المطالب والنداءات الوطنية مداها، وظلت تأثيراتها على وعي المجتمع ضعيفا، فلم تحد من الشرور التي خلفتها الأحزاب الهزيلة بتشتتها؛ بشكل غير مباشر.
تطرقنا مثل العديد من الأخوة الكتاب، إلى هذه القضية عدة مرات، لكننا مثلهم لم نتمكن من تغيير الواقع، وأخر محاولة لنا كانت بشكل مختصر في بوست على الفيس بوك، تناولها الكاتب (عباس عباس) بتوضيحات مهمة من خلال مقال مثير، عرضه بأسلوب ليس من السهل تجاوزه، خاصة بعدما نقل الفكرة من العرض إلى السؤال للشريحة الثقافية، وهو ما كنا بصدده.
حاولنا في الماضي القريب، ترميم المكسور في الحراك الكوردي لغرب كوردستان، في مؤتمر بروكسل عام 2006م والتي ختمت يومها الأخير ضمن البرلمان الأوروبي، والتي جاء على ذكره الكاتب عباس عباس في مقاله، سبقوها مؤتمرين عقدتا ضمن قاعة الكونغرس الأمريكي، شارك فيهم إلى جانب الأحزاب، شخصيات من السياسيين المستقلين وشريحة من الحركة الثقافية، وذلك بقيادة الأخ شيركو عباس ومساهمة أخرين من آل عباس، تشكلت حينها المجلس الوطني الكوردستاني-سوريا، وأنتخب شيركو عباس رئيسا للمجلس، أي قبل المجلس الوطني الكوردي بسبع سنوات، شارك فيها جميع الأحزاب الكوردية في غرب كوردستان وممثلي الأقسام الأربعة ووفود دولية، باستثناء الحزب الديمقراطي وعلى خلفية أوامر خارجية إلى جانب مسألة شخصية فضلوها على القضية الوطنية، عوضوا عن غيابهم ببرقية تهنئة وتأييد، وتم كتابة النظام الداخلي والبيان الختامي، لم نكن ندرك أننا مقدمين على مسيرة عمل شبه مستحيلة، عمليا فشلت عملية الترميم، ولخلفيات عدة، لكننا من جهة أخرى نجحنا في عدة مجالات، منها خلقنا دبلوماسية كوردية على مستويات دولية، كما وتمكنا من فرض مبدأ الفيدرالية والسلطة اللامركزية على الإستراتيجية الأمريكية بالنسبة لسوريا والمنطقة الكوردية، وتمكنا وبعد أعوام الثورة السورية من أقناع أمريكا في تسريع التدخل، إلى جانب قضايا أخرى ذات أهمية وطنية ودولية لسنا بصددها الأن، ومعها أصبحنا على دراية أن المنطق يتحتم علينا ألا نبحث عن الأوهام ومن بينها توحيد الأحزاب المنشقة عن بعضها، أو تشكيل مرجعية كوردية شاملة، ليسود الأنجح أو الأكثر حنكة.
كما ولم ننتبه إلى جانب مهم جدا، وهي أننا أقدمنا على المحاولة، مع تكرار الخطأ الدارج المؤدي إلى فشل محاولات التوحيد، والمؤدي إلى تفتيت المشتت، وهو ما نراه اليوم، عدة مجالس كوردية، ومرجعيات، وتكاثر الأحزاب.
كحركة ثقافية نادرا ما درسنا وعالجنا الموجات الثقافية العربية -الإسلامية التي سادت مجتمعنا خلال القرون الطويلة الماضية ونافست ثقافة أمتنا، بشكل منطقي دون تعصب أو رهبة من الدين السائد. كما ولم نعالج تأثير القوى التي كانت لا تزال مهيمنة على حراكنا السياسي، علما أن دراسات عدة تخطت السطحية في التحليل. والأغرب أننا تناسينا الظروف التي عشناها تحت ظل الأنظمة المحتلة والتي رسخت منطق السيادة والموالي كمبدأ إسلامي وقومي، ونشرتها كفروض إلهية وبفتاوي ترفض الدحض. وفيما بعد تبين لنا ان هذه العوامل هي ما كانت تفرض ذاتها على الأحزاب لتقبل التشتت على الإتحاد، وهي ذاتها التي تمنع الطرفين من التقارب والاتفاق على بعض نقاط التقاطع. وهي ذاتها ما دفع بنا كشعب وحراك، وعلى مدى العقود الطويلة الماضية النضال تحت منطق المظلومية، كالعبد الذي يطالب بتحريره من سيده، وليس على مبدأ صاحب الحق ويجب محاكمة المجرم.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]