الكورد ليسوا جبناء يا تجمع الملاحظين
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 6732 - #14-11-2020# - 13:07
المحور: القضية الكردية
تابعنا ما يخطه الأخوة الكورد في (تجمع المحافظين) وحاولنا أن نستقي ما يودون طرحه على الساحة الكوردية الثقافية، متوقعين وآملين نوع من التنوير، وتوعية الشارع الكوردي قدر الإمكان، وهو ما يتطلبه مجتمعنا، إلى جانب العديد من القضايا الأخرى المفروضة على الحراك الثقافي التركيز عليها. تابعناهم باهتمام، من بدايات ظهورهم؛ ونوهنا إلى أخطائهم بمقالين، حذرناهم من المنهجية السلبية التي أتبعوها، واحتمالات الانجراف إلى مستنقع فكري لا يحمد عقباه. فتبين وبعد التمعن فيما نشروه لاحقا، إلى ما تم في هذا الشهر، أن الغاية المدعية، تتعارض والأجندات الظاهرة، وبإمكان أي قارئ لمنشوراتهم ملاحظة الخلط بين منطق التوعية، وتوسيع الصراع الكوردي-الكوردي، إلى جانب تفضيل الأخر، أي العدو القوي على الحراك الكوردي السياسي، وكأن القوة كافية ليكون هو الأفضل، أو الرضوخ والإذلال له تحت منطق المجاملة الدبلوماسية أو سياسة التعامل مع السلطة الشمولية.
ما نود تبيانه هنا، على أن هذا التجمع أصحاب خبرة، ويدركون ما يرمون إليه، ولربما غاياتهم قومية ووطنية، وعليه، نأمل ألا يهدروا هذه المدارك ولا يبددوا طاقاتهم الفكرية في الخطط الخيالية والمفاهيم غير المنطقية. فما يقدمونه حتى اللحظة ترسخ الشكوك على أن قوى إقليمية متربصة؛ بالتقارب الكوردي، والمفاوضات الجارية، تقف وراء هذا التوجه، أما بشكل مباشر أو غير مباشر، أو حتى ولو كانت على قناعة بهذا الخط، فهو منطق مطعون فيه، وطنيا وقوميا؛ وتهدم البعد التنويري المأمول منهم، ومنهجيتهم السلبية تتبين من خلال حصر مسيرة التوعية في قضية التركيز على هدم الإدارة الذاتية، بدون عرض البديل المناسب، حتى ولو كانت غايتهم قومية أو وطنية، إلا أنها تضمحل أمام الخطاب الموجه للطعن في المفاوضات الكوردية-الكوردية، ومن المؤسف أن هذا المنطق يتبناه البعض من كتابنا، ليس حفاظا على الحراك الكوردي، ومستقبل شعبنا في المطقة، بقدر ما هو كره بقيادة الإدارة الذاتية وحزب ال ب ي د، رغم إدراكهم ما ستؤول إليه واقع المنطقة، ومستقبلها، في حال عدمها دون حل البديل.
فتفضيل العدو على الكوردي، تحت منطق جهالة الحراك الحزبي، والمتجلية من خلال مقالاتهم المكثفة المختصرة، وهو ما لا نتعارض عليه دون التفضيل المذكور، وبشكل خاص الأخيرتين المنشورتين على موقع ولاتي ما، وبإمكان القارئ العودة إليهما، والتي سآتي على جزئية منه في نهاية القول، وهو مقطع من مقالهم المنشور في تاريخ #12-11-2020# م تحت عنوان (جبن الضعيف استجداء ومجاملة) وهو عنوان منطقي، وشبه حكمة فيما لو تم التمسك به ضمن المتن، لكن تبين من خلال النص المتلاعب به، أنه معروض لجلب الانتباه أو ربما لتمرير المطعون ضمن ثناياه بإحدى خصوصيات الشخصية الكوردية، ففيها يفضلون المعارضة التكفيرية العربية السورية، التي خانت الوطن تحت حجة الحصول على المساعدات، وقدمت ثلث جغرافية سوريا لتركيا، على الكورد. علما أن معظم قادة هذه المعارضة لا يختلفون عن المجرم بشار الأسد، الذي قدم نصف سوريا بشعبها ومواردها لإيران وميلشياتها.
مع ذلك يتباهى تجمعنا بهذه المعارضة، ويعرضونهم كأمثلة عن الكرامة، وبالمقابل يدرجون الكورد كجبناء بدونها، وكأن الكرامة انحصرت في محاربة سلطة بشار الأسد دون غيرها من أعداء الأمة الكوردية، في الوقت الذي أثبت فيه شبابنا للبشرية عظمة الدفاع عن الوطن والمنطقة رغم الإمكانيات الهزيلة إلى أن ظهرت أمريكا على الخط لمصالحها، ونحن هنا لا نتحدث عن أصحاب الإيديولوجيات وأخطائهم، وقد كتبنا فيها وفيهم الكثير.
كان الأجدى المقارنة بين الحراك الحزبي الكوردي وحركات الشباب من أبناء الثورة السورية من حيث المواقف السياسية، وبينهم تنسيقيات الشباب الكورد، لا مقارنة الحراك الحزبي الكوردي، أو كما يتبين من خلال النص، الشعب الكوردي بالشعب العربي السوري، والذين قادتهم أثبتوا لهم وللعالم خيانتهم، وتتأكد يوم بعد أخر أن استمرارية معظمهم تتكللها الارتزاق والنصب، وما يتم في منطقة عفرين أكثر من جلي، والشعب السوري ليس له خيار ما بين السلطة وهذه المنظمات التكفيرية، أي ما قدمه من تضحيات لم يكن خياره، فقط أصبح حطب الصراع بينهم وبين النظام الإجرامي، بعدما تحولت قضية إسقاط النظام إلى الحوارات على السلطة، وبالتالي لنكن واقعيين، فهجرة الملايين، وموت الألاف لم تكن جلها دفاعا عن الكرامة، بقدر ما كان نتيجة صراعات أطراف غرقت في خيانة الشعب والأرض لمصالحها، والخيانة أقذر خاصية يمكن أن يبتلي بها الإنسان.
من المؤلم أن يتم الطعن في الصفات الكوردية الحميدة لبلوغ الغاية، والانتقاص من شهامة أمة؛ عرفت في التاريخ بخصالها الإنسانية، شهد عليها معظم المؤرخين والسياسيين الذين تناولوا الكورد وتاريخهم، حتى ولو كانت هذه الخصال مغطاة بنوع من البدائية، وضحالة الوعي السياسي، أو حتى الجهالة.
علو الوعي والإدراك ستكون كارثية فيما لو سخرت للطعن، واستخدمت للأبداع في التهجم، بل ركيزة متينة لبناء النقد البناء، والنقد من أجل توعية المجتمع أو تصحيح مسار الحراك السياسي تعتبر من أحد أهم مهمات الحراك الثقافي، فنقد الأحزاب الكوردية أو محاولة خلق بديلهم؛ وهذا هو الأهم، يجب أن تكون بأساليب حضارية، وألا تسخر كمادة يستخدمها الأعداء للطعن بالكورد ومكتسباتهم؛ أو اتهامهم بالانفصاليين أو أنهم عنصريين؛ قاموا بعمليات تهجير المكون العربي من المنطقة الكوردية، وغيرها من الادعاءات الباطلة التي بدأت مجموعات واسعة من المعارضة العربية مع السلطة تروجها على الإعلام. فما بين الكورد والمعارضة التكفيرية العروبية مسافات واسعة في الأبعاد الوطنية، صفقاتهم التجارية مع سلطة بشار الأسد عن طريق تركيا على مصير الشعب السوري لم يعد سراُ، القوى الدولية والإقليمية والشعب السوري يعلمون كيف تم بيع الغوطة الشرقية، وحلب الشرقية، والزبداني بشعبها المناضل الذي هلك جوعا، وغيرهم من أبناء المناطق الذين يخر لذكرى نضالاتهم القامات، بينهم أبناء كوباني وعفرين وغيرها من المناطق السورية.
لا شك أن الخيانة صفة أقذر من الجبن، حتى ولو كنا نحن الكورد نتهم بعضنا البعض بها، علما أنها تظهر عند الكورد كصفة نابعة من الجهالة في طرق الدفاع عن القضية القومية والوطنية الكوردستانية، لكن ما فعلته أغلبية قادة المعارضة العربية السورية، وسلطة بشار الأسد، مقارنة بما قدمه الحراك الكوردي في سوريا من خدمات للشعب السوري، حيث الحماية، والأمان، ليس فقط خيانة عن قصد بالوطن بل جبن أمام المجتمع السوري، في مواجهة الحقائق التي قدمها الشعب الكوردي للشعب العربي.
هنا أرفق مقطع مما تم نشره من قبل تجمع المحافظين، وعلى القارئ الحكم، على ما تم من عرض الشعب السوري العربي كمقاوم يأبى الذل، والكوردي كمتخاذل جبان، متناسيا أن الشعبين لا حول لهم ولا قوة، ولو تركوا لهم الخيار، وبعد هذا الدمار المستمر من اجل مصالح دول إقليمية ودولية لقبلوا بأبشع السلطات على أمل العيش بسلام، فهم حطب حروب المصالح، السوري العربي يحرق والكوردي الصامد على أرضه يتهم، ولا نعلم لماذا هذا التوصيف الشاذ، والمقارنة الساذجة؟ بين شعب يريد الحصول على اعتراف بها كقومية صاحب قضية، وأخر كان يطمح في إسقاط النظام، والطرفين انعدمت بهم السبل، فما هي غاية تجمع الملاحظين؟ عندما يقولون التالي:
يعاني الشعب السوري من بطش النظام، لكنه لا يأبه به، بل يثبت للعالم أجمع إن دماءه إن هدرت كالأنهار فهي عن كرامة شجاع، وعن نفس أبية لا ترضى الذل والهوان مفضلا جميع الكوارث والموت على الذل والمهانة، والمجاملة المهينة. هجر أكثر من نصف سكانه، وضحى بأكثر من مليون شهيد كيلا يقول عنه التاريخ إنه كان جبانا متقاعسا. يتحمل بطش راكبي ثورته، ومختطفيها، مع ذلك يأبى أن يقال عنه أنه جبان أو يحتج ب«الاقتتال الأخوي». فيشهد له العدو قبل الصديق ذلك، ويتحدث عن إباء نفسه وعزتها وكرامتها كل العالم... هذا كاف أن يفتخر به أجياله القادمة؛ مثلما يفتخر أجيال الفيتناميين اليوم بإباء أجدادهم، ويحظون بإعجاب الشعوب بتضحياتهم دفاعا عن كرامتهم، ولم يشك أحد إن الفيتناميون أخطأوا عندما قاتلوا أخوة لهم قبلوا أن يكونوا أداة للغازي الغاصب.
سيخفض أحفادنا رؤوسهم أمام التاريخ غدا بسبب حجتنا عن هذا ال«اقتتال الأخوي»، وسيكون مثال فيتنام عصا تهوي عليهم لتخاذل أجدادهم جبنا بمبرر لم يحتج به أحد سوى الجبان المتسذج. نحن عار عليهم، وعلى من سبقونا في مواقع البطولة والإباء والشجاعة من أجدادنا...
نحن هنا أمام مقارنات مؤلمة، وخلط للمفاهيم وتلاعب بمنطق التاريخ، وللتخفي على سلبيات المقال، يتم عرض الأجداد، وفي الواقع يدركون أن الكوردي الحالي لم يبخل بدمائه لأجل وطنه، ولا يقل إخلاصه لقوميته عن الأجيال السابقة، ولكن ما يجمعنا وأجدادنا، ربما هي السذاجة في السياسية، وضحالة الحيلة الدبلوماسية، إلى جانب عبقرية القدرة على خلق الحجج لديمومة الشقاق، والصراع الداخلي.
ففي كل مرحلة من مراحل التاريخ أوجد أجدادنا، مثلما يفعلها تجمع الملاحظين؛ ومعهم شريحة من الحراكين، الحجج المقنعة لتقسيم المجتمع ومعاداة بعضنا البعض، وما يشعلونه من نار الكراهية بين الأطراف الكوردية، تثبت على ما نقوله، إلى درجة أصبح المثقف أو السياسي المطالب بالتقارب الكوردي-الكوردي، خيانة، يتهمونهم بالجبن وأحيانا بالخيانة. والأطراف التي تشتت الشارع الكوردي، وتثير توسع الصراع الداخلي، المؤدية لأن تكون أحزابنا أدوات سهلة بيد القوى الإقليمية، يقيمونهم أصاحب مواقف قومية، متناسين أن هذه المنهجية تثمن ويكون مركز افتخار، عندما يكون الصراع بين الداخل والخارج، بين الكوردي ومحتلي كوردستان، وليس بين الكوردي-الكوردي، وبالتالي فنحن وأجدادنا في كفتي ميزان متعادلتين، لكننا مع ذلك لا نقل وطنية وكرامة عن أي مكون من المجتمع السوري، إن لم نكن أفضل منهم تسامحا وقبولا للأبعاد الوطنية، ولربما هي نتيجة عميق تأثير ثقافة الكراهية المبثوثة من الأحزاب العروبية الشمولية كحزب البعث، وسلطتي الأسد، والأن المنظمات التكفيرية العروبية. مع ذلك، دونها جهالة وجريمة، المقارنة بين الشعوب، وتفضيل الخصال بينهم.
الولايات المتحدة الأمريكية
Mamokurda@gmail.com
[1]