مستقبل جنوب غرب كردستان - 2
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 6467 - #17-01-2020# - 22:07
المحور: القضية الكردية
4- منطق معروف، وهي أن حضور القضية الكردية تُآلف بين الدول المحتلة لكردستان، مهما كانت خلافاتهم متفاقمة، وتركيا اليوم وعلى مسارات جغرافية جنوب غرب كردستان، وحيث التغيير الديمغرافي الكردي، تتناسى مواقفها من سلطة بشار الأسد، وتحاول إزالة الجمود بينهما، فما فعلته في غرب الفرات، ومنطقة عفرين، وتخطط له في شرق الفرات، ترضي السلطة، وتخدم العروبة. فقضية محاولات بناء المستوطنات لثلاثة ملايين من المهجرين السوريين، في بعدها العام لا تختلف عن مسيرة إقامة سلطة البعث القرى النموذجية لأكثر من 4000 عائلة غمريه، والاستيلاء على أراض أكثر من 300 قرية كردية ما بين درباسيه وديركا حمكو، فالهدف واحد، والغاية هي ذاتها، ولهذا فالسلطة لن تعترض، في الواقع العملي، على الاحتلال التركي، وما يظهر على الإعلام ليس سوى نفاق سياسي، المخطط يرضي الأطراف الثلاثية، تركيا والسلطة والمعارضة العروبية. فتعريب المنطقة الكردية من المهمات الرئيسة، إن كانت ستضمها تركيا لأراضيها، أو ستعيدها لسوريا فيما بعد، ففي النهاية يكونا قد كسبا الجغرافية الكردستانية. وهنا علينا أن ندرك أن مصالح معظم الدول الكبرى وخاصة المعنية بالقضية السورية تقتضي السكوت على المخطط العنصري هذا، وتحت ذرائع متنوعة، وعفرين والمناطق الأخرى خير مثال، فتركيا تنجح حتى الآن في الكثير مما خططت له حول جنوب غرب كردستان، ونحن كحراك كردي نحمل الكثير من الذنب في فشلنا ونجاح تركيا.
5- نأمل من اللجنة التي ستمثل الشعب وستحاور الجهات المعنية أن تكون سقف مطالبها؛ النظام الفيدرالي؛ كما درجت في الماضي، مع شروط متممة تعكس الأبعاد الوطنية، ويجب أن يتضمنه الدستور القادم، وإلا فالتغيير الديمغرافي الجاري سينجح بكل أبعاده، وسنصبح أقلية ضمن المكون العربي على جغرافيتنا. وفي كل الحالات، فالقضية الكردية ستدرس من قبل الدول الكبرى المعنية بالقضية السورية، وبالتالي سيكون من المهم جداً أن تظل مطالبنا على سوية قوانين وقرارات الهيئات الدولية العالمية، والمطالبة بحقوق الشعوب، والتي تقرها هيئة الأمم، ومجلس الأمن، وغيرهما.
6- أن تكون روسيا عراب المباحثات مع سلطة دمشق، وتحت وصايتها، وإن كان للأمريكيين حضور مباشر أو غير مباشر فستؤكد من عامل النجاح، ولا نفضل القيام بأية خطوة دون الموافقة الأمريكية أو التشاور معهم. أي أن يتم الحوار مع النظام بعد التباحث مع روسيا وموافقتها، على مسودة المطالب الكردية، وكما نعلم فسلطة بشار الأسد ليست سوى الواجهة الروسية في معظم الحوارات، ومنها الحوار مع الكرد وعلى قضيتهم، فإذا قبلت روسيا بشروطنا فالسلطة ستقبلها، دونها الحوار سيكون فاشلا مع النظام، ويجب إعادة النظر بالمسودة، أو طلب المشورة من روسيا. وفي حال تم تشكيل لجنة كردية موحدة على الأغلب سيتحاور معهم الروس، وسيقبلون معظم شروطهم، ولا نستبعد حتى الإقرار بالنظام الفيدرالي للمنطقة الكردية.
7- ومن الأهم، تقبل المطلب أو الدعوة أو الوصية الروسية، والدعاية لها وبقوة، على أننا جاهزون للحوار، ولمبدأ التحاور مع السلطة والمعارضة النزيهة ذاتها، فتركيا تقترب منها يوم بعد أخر، ووجود السلطة السورية بيدها، لكن لا بد من تمرير عامل الزمن، والانتظار إلى أن تحين الفرصة المناسبة، ومن الأهمية وعلى خلفية وجود ثقل كردي اليوم على الساحتين السياسية والعسكرية، في سوريا أو في شرق الفرات، من المنطق أن يطلب فتح باب الحوار، كخطوة أولى، في الدار الكردية، حيث الوجود الأمريكي والروسي.
ويبقى السؤال المؤلم: الدائم الحضور في الشارع الكردي، حتى قبل أطراف الحراك الواعي لمجريات الأحداث، والمبعدة عن المسرح السياسي، بأيادي مغرضة مدعومة خارجيا، معادية للقضية وللأمة الكردستانية:
1- متى ستعي الحركة السياسية الكردية جدلية عدميتها وهي على واقع الخلاف، ومنطق إلغاء الأخر؟ (سنظل مهمشين إقليميا ودوليا ونحن على خلاف، ولن يصل أي طرف منا إلى ما يبتغيه بمفرده) أو متى ستجد الدرب المؤدي إلى التوقف على نقاط التقاطع؟ أو متى ستعمل على التحرر من الإملاءات الخارجية المباشرة وغير المباشرة؟ أو متى ستتمكن من التمييز بين الصح والخطأ في مواقفها من بعضها (ولتجاوز منطق التخوين وخلق بيئة ملائمة للتحاور، يتطلب من الأحزاب الكردية، كخطوة من خطوات عديدة، عزل القيادات الحالية الغارقة في مستنقع الخلافات والصراع).
2- متى سيتمكن حراكنا من نقل القناعة النظرية، إلى الواقع العملي، وهي أن القوة تكمن في التآلف؛ أولا، ضمن البيت الكردي قبل أن تكون مع القوى الإقليمية، والتآلف سيزيد من الوعي الكردي، فبدون الوعي التام لإشكاليات قضيتنا، وطرق التعامل مع العدو والقوى الدولية، فلن يكون هناك نجاح حتى ولو توحدت جميع الأطراف، وتشكل حركة واحدة كردستانية. لا شك الكل يدرك هذه الحقيقة، والجميع يرددها، ولكن المصداقية ليست في إدراكها بل في تطبيقها، والتطبيق يأتي على خلفية القناعة المترسخة في اللاشعور، وليس في الأحاديث العابرة المستخدمة لبيع الوطنيات.
3- التآلف لا يأتي بمؤتمر قومي أو طني شامل، بل تبدأ بتوسيع مداركنا، وتوعية ذاتنا والمجتمع، ومن ثم البدء بأبسط الاجتماعات، ومن ثم استمرارية المحادثات، والحوارات الداخلية على الخلافات والتوافقات، ولا يهم أن انتهت بدون نتيجة، فالجلوس معا بحد ذاته بداية الانتصار على كسر الجمود المحاط بنا منذ عقود إن لم تكن قرون.
4- الاقتناع على أن كل الأطراف الكردية، الحزبية وغير الحزبية، السياسية والثقافية، وحتى المنظمات الاجتماعية وحقوق الإنسان، معنية بفتح أقنية للحوار بين بعضها، إن كانت في داخل الوطن أو خارجه، شرط أن تسبقها المصداقية والشفافية مع المجتمع، والطلب ليس موجها فقط للأطراف التي برزت على خلفية ظروف معينة.
5- وعلى الحراك الثقافي أن تركز جهودها، في كتبها، ومقالاتها، ودراساتها النقدية، أو التاريخية، وغيرها، على تنوير ذاتها والمجتمع، فنحن في مرحلة التحرر وليس في أطوار بناء الحضارة أو تطوير الدولة، وعليها أن تحرص على عدم الانجرار للخلافات السياسية الحزبية، ولا نقصد هنا الخلافات الفكرية المؤدية إلى توعية الذات والمجتمع، بل من مهماتها تصحيح مسارات الحراك السياسي، بقدر ماهي من مهماتها توعيتها والمجتمع، وأخص منهم القيادات الحزبية.
6- بدون التخلي عن التخوين والاتهامات التي يستفيد منها أعداؤنا، سنظل نخسر المكاسب بنفس الدروب التي ربحناها. وتاريخنا الكردي مليء بالتجارب المماثلة، فجنوب غربي كردستان أمام مرحلة مصيرية تعتبر بداية النهاية، ستتناولها القوى الإقليمية المحتلة لكردستان والدولية المعنية بقادم سوريا، فعلينا أن نكون على سوية المرحلة.
لننتظر مَنْ مِنَ حراكنا الكردي والكردستاني، سيحمل راية الريادة في التقارب، ويبدأ مرحلة الحوار وعقد الاجتماعات، على المواضيع التي تهم أمتنا، والمنطقة وقضيتنا، وهي ليست بتلك الصعوبة التي تروجها الأعداء، نحتاج فقط إلى شريحة، تملك الإمكانيات المادية والفكرية، تحمل المبادرة بشفافية وصدق نية ودون إملاءات خارجية معادية. وقد كان لنا والأخوة الذين شاركونا تجربة مثالية في هذا المجال عام 2006م، من خلال المؤتمرات الثلاث المتتالية ما بين واشنطن وبلجيكا والتي تمخضت عن تشكيل المجلس الوطني الكردستاني-سوريا، ورغم ما تخللها من مطبات، وخلافات، وتآلفات، وتكتلات، وتدخلات خارجية غير مباشرة، إلا أنها كانت تجربة تكاد أن تكون فريدة، وبالإمكان الاستفادة منها، وسيكون من السهل حينها إقناع الدول الكبرى، وبالضبط روسيا وأمريكا والدول الأوروبية، لدعم قضيتنا في المحافل الدولية. ولا شك التجمع الذي تم في عام 2012م في الهلالية بين قادة الأحزاب الكردية الرئيسة حينها، رغم قصرها الزمني، وخلفية من كان عرابها، وماذا كانت الغاية، إلا أنها تبقى تجربة تثبت على أننا بذاتنا نستطيع أن نبني ما نطالب به ونكرره بين بعضنا نظرياً.
[1]