إشكاليات التاريخ كردياً - الجزء السابع
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 6315 - #09-08-2019# - 13:14
المحور: القضية الكردية
ما من تاريخ أو أدب أو ثقافة فوق النقد، ولا توجد حصانة مطلقة لأرث أمة أو قبيلة أو عائلة أو شخص، وفي أية مرحلة زمنية، جميعها يجب أن تعرض للتدقيق العلمي، والمراجعة، والتحليل المنطقي، والنقد الصارم، بل والطعن في السلبيات والتحريفات والاختلاقات الكيدية ( استثني هنا في البعد الداخلي النقد المغرض المفاقم في الخلافات والصراعات الذاتية، أو المؤدي إلى النتائج العكسية للوحدة الوطنية، أو أيقاظ الفتنة الداخلية) وبمقدار ما يتم إبراز حدث ثانوي على حساب تاريخ الأمة، أو تسليط الأضواء على شخصية مختلقة، يتوسع حظوظ المتربصين بأمتنا للطعن في تاريخنا، فلهذا يتوجب الحرص عند التنقيب وغربلة الحقائق من التزوير، وتقييم المصادر والإسنادات ومدى مصداقيتها، فمعظم صفحات التاريخ كتبت بيد أقلام مأجورة، أو كلف بها كتاب البلاط، وهناك من لفقها أو حرفها أو خلقها ونفخ فيها لمنافع ذاتية، والمكتوب بمصداقية أقلها من أقلهم، وأغلب الأخير مطمور، بعكس التاريخ المكتوب بحرفية النفاق. فكم من الانتهازيين في التاريخ برزوا ووصفوا كمناضلين، وكم من الطغاة أصبحوا عظماء، وكم من الشعوب أعدمت صفحات من تاريخها المنير، أو حرفت أو شوهت، وحل مكانها الملوث والمطعون فيه، ومعظم تاريخ الكرد والأمازيغ والقبط المكتوب بيد أعداءنا أو سذجنا حتى الأن خير مثال.
أليست عدم درايتنا هي التي تدفع بنا أن نختزل الوطن في الحزب، والأمة في العشيرة، والعشيرة في العائلة، والعائلة في شخص؟ فكم من الأشخاص طوطمناه؟ بهذه الجهالة في البحث وكتابة التاريخ ابتذلنا الكل بدأ من ذاتنا إلى الأمة، ونحن الأن ليس فقط نعاني الويلات في تصحيح ما تم تحريفه، بل أحيانا وفي مسيرة أعادة ما كتب نضيف تشويها على تحريف الأخرين لماضينا، ونشتكي.
أليست الجهالة هي التي تجعلنا جميعا نفكر أننا الأصوب في الرؤية واختيار الدروب النضالية، وهي التي تجعلنا نظن أننا مفكرون وخبراء سياسيون في الحلقات الدبلوماسية، في الواقع لا نزال ضمن جدران مكاتبنا وحلقات أحزابنا مستعمرون فكريا، ولا شعوريا نقف في حضور ديوان من دواوين الأعداء وهو يخلق لنا طوطم عائلي أو حزبي؟
أليس نحن من ندفع بذاتنا إلى الجهالة؟ فرغم ما نملك من الإمكانيات المعرفية والتي كثيرا ما لا تقل عن إمكانيات أرقى المجتمعات، نقتلها بالحسد والأنانية.
وتبقى أسباب هذه النزعات، حكاية فيها الكثير من الألم، والأبشع فيها هي البيئة الثقافية المفروضة علينا، وإشكاليات تعمية الحراك الكردي لبصيرة مجتمعه، والتي لا نزال نلكها ونكرسها، بنهفة هنا وتكرار خطأ هناك، كما تريدها الأنظمة المقتسمة لكردستان، مستخدمين المفاهيم والطرق ذاتها التي نعتمد عليها في تركيبة تحليلاتنا للواقع السياسي، وتأويلاتنا لتاريخنا المحرف والمشوه، وكتابتها بنفس الأساليب التي تم فيها طمسه، أو نخلق ما يريده الأعداء أو ما يبثه فينا من مفاهيم، وبالتالي تظهر النتائج كارثية.
أليست الجهالة هي التي تشتت قدراتنا، وتقزمنا في وجه الأنظمة المقتسمة لجغرافيتنا، وهي التي سهلت للأعداء تحريف تاريخنا وطمسه، وأصبحنا رهينة ركام كتبهم الصفراء والحديثة الخبيثة، التي شوهت فيها ماضينا الكردي وحاضرنا الكردستاني، ومن على عتبة سذاجتنا تمكنوا من إتلاف أو نهب ماضينا الثقافي والحضاري، وغابر أصولنا، وقدراتنا الفكرية والأدبية، إلى أن أصبحنا كأمة بدون حضارة وماض مشكوك فيه، وطعنوا بإسهاماتنا في بناء الحضارات الأخرى، بل ونهبوا حضاراتنا، ونسبوها إلى أمم لا وجود لها، كالأمة الإسلامية، أو التي لها أنظمة، كالفارسية والعربية والتركية.
استخدم أعداؤنا كل الطرق الممكنة لبلوغ غاياتهم، وفي كل مرحلة زمنية وحسب الظروف والتراكم المعرفي، ومجريات الأحداث، قدموا على تمرير خططهم بخباثة، ودراية بحيث لا ينتبه إليها العديد من الكتاب الكرد ولا حتى البعض من أصدقاؤنا المثقفين، وبينهم عدد من المؤرخين الذين كانوا يبحثون عن الحقيقة في المساحات الأركيولوجية، وقد نجح أعداؤنا في كثيره، وخاصة في المراحل التي كانت فيها الأمية متفشية بيننا، ولا زالوا مستمرين فيها مستغلين عدم إدراكنا كحراك أو لنقل بساطتنا الكردية، وإلا فما هو السبب على ما يقال عنا كأمة وعن تاريخنا، ولماذا هكذا يكتب؟
لا شك أن البنية الهشة لتحليلاتنا المعرفية، وضبابية الرؤية المستقبلية والاستنتاجات العليلة، التي نستند عليها كحراك ثقافي قبل السياسي، هي التي تؤدي بنا إلى أن نسهو أو نتناسى أننا نقوم باستنساخ ما كتب عن تاريخنا سابقا، ونقدمه لمجتمعنا وقرائنا بأساليب فيها الكثير من السذاجة، بل وفي بعضه نضيف عليه صفحات ملوثة لا تقل تشويها عما قدموه، كالجارية الأن على الساحة الكردستانية، من كتابة التاريخ وإشكاليات التقارب أو حل الخلافات السياسية الداخلية.
ومن المؤسف أن العديد من الإخوة الكتاب أو الذين يحملون التاريخ الكردستاني ببساطة، وينتجون نصوصا ضحلة وخطيرة، يستنطقون الأعداء في قول ما لم يجرؤوا في قوله قبل ذلك، أو كانوا يحسبون لنتائجها، قبل ترسيخنا، وبسطحية، لاحاديث شفهية قيلت في أزقة القرى الكردية، وهي بقدر ما كانت تعكس براءة الماضي الكردي تظهر جهالة حاضرنا، أو ضحالة المعرفة المفروضة على مجتمعنا، ونحن الأن نكرر ما أنتجوه وينتجونه من الوباء للتاريخ الكردي، ونحن نيابة عنهم ننشرها على المواقع ووسائل التواصل الاجتماعي دون أن تسبقها حوار ثقافي متزن، أو معالجة أكاديمية للبحث التاريخي المقال، مقابل الحس العدائي المرهف وخباثة المتربصين بما ننشره.
لا بد من الانتباه أن القراءة الاعتباطية للتاريخ، وبغياب المساءلة والمراجعة النقدية، يضعنا والتاريخ الكردي أمام إشكاليات مصيرية، ويخلق بون شاسع بين محاولات تصحيح المحرف وإحياء المخفي منه. وهنا يحضرني شعارا عجيبا غريبا كان مكتوبا على جدار كبير وعريض في مدينة دمشق قبل كلية الآداب على طريق المزة، وكأن الجدار كان مبنيا لكتابة الشعار الممتد على مسافة نصف كيلومتر تقريبا العظماء يتجسدون في التاريخ والتاريخ يتجسد في حافظ الأسد ومن المؤسف فإن البعض من كتبة التاريخ الكردي في هذه المرحلة الحساسة من مسيرتنا النضالية، ينسخون هذه الثقافة في مجتمعنا لغايات خبيثة، يتلقفها البعض من سياسيينا ومثقفينا وتبث بين المجتمع بدون إدراك لنتائجها.[1]