إشكاليات التاريخ كردياً - الجزء الرابع
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 6304 -#28-07-2019# - 09:41
المحور: القضية الكردية
فسوريا الحالية المسماة بالعربية، لم تكن تشمل الثلث الكردي، ديمغرافية، وجغرافية، المسماة الأن بشرقي وغربي الفرات. فالدولة المتكونة بناء على معاهدتي أنقرة 1 و2 ولوزان الثانية عام 1923م، كانت أقل من نصف مساحة ما هي عليها الأن، وخريطتها كانت مرسومة بدون كردستان، أي الجزيرة من ديركا حمكو إلى الطرف الغربي من منطقة عفرين، قبيل إسقاط الإمبراطورية العثمانية المنهارة في معاهدة سان ريمو في #25-04-1920#م بناء على أغلبية الديمغرافية العربية أو المستعربة، من السوريين الأصلاء بحكم اللغة.
كانت سوريا هي المنطقة الممتدة ما بين نهر الفرات والبادية السورية شرقا والبحر الأبيض المتوسط غربا، والممتدة إلى حوران جنوبا، وحلب شمالا، وكانت مساحتها بحدود 60 ألف كم مربع فقط، وقدر عدد سكانها ب 3 مليون نسمة مع لبنان الحالية، وسميت حينها بسوريا الكبرى، المقسمة إلى أربع كيانات: حكومة حلب من غربي الفرات إلى البحر الأبيض المتوسط. ولبنان من طرابلس إلى فلسطين. دمشق وحماة وحمص وحوران، ودولة جبل الدروز. وقد ثبتت هذه الجغرافية ككيان لسوريا الكبرى ثانية بعد عدة أشهر في 10 آب من نفس العام، ضمن معاهدة سيفر المجتمعة فيها 27 دولة في المدينة الفرنسية سيفر شمال مدينة ليون بمعمل لصنع الخزفيات.
وما نرى الأن سوريا كوطن، تشمل عدة قوميات، تضم إلى جانب الجغرافية الأساسية، الجزء الجنوبي الغربي من كردستان بقسميها، منطقة عفرين في غربي الفرات، وشمال حكومة حلب المذكورة في معاهدة سان ريمو، وشرقي نهر الفرات الفاصل من جهة الوسط والجنوب بين كردستان والولايات العربية التابعة للدولة العثمانية. ففي الفترة التي حاول العثمانيون فيها تحضير البدو في منطقة دير الزور لسهولة جمع الضرائب منهم، بعكس قبائل الرحل وفشلوا فيها، لم يدرجوا معهم شمال نهر الفرات المنطقة التي لم تبلغها القبائل العربية (باستثناء سنوات الجفاف) إلا بعد الاحتلال الفرنسي، وبالتالي، وتحت هيمنة السلطات العروبية، مهدت لهم تجاوز النهر والتمدد في كردستان الجنوبية، وتم تعريب مدن ومناطق عدة، وقلصت الديمغرافية الكردية في الجزيرة والمناطق المحيطة بعفرين، كالباب وجرابلس ومنبج، وغيرها، تحت عمليات استيطان القبائل العربية الرحل القادمة من حائل، وتحضيرهم. وعن طريق مخططات التعريب، والتهجير القسري، والحصار الاقتصادي للهجرة من مناطقهم، وإخلاءها للعرب القادمون الجدد إلى المناطق الكردية.
هذه الإشكالية التاريخية تغيب عن مدارك معظم كتابنا الكرد أو يتجاهلونها عند حضور غاية حزبية أو شخصية، وهي تتلاءم ومفاهيم المتربصين للتعتيم على الحقوق القومية الكردية، أو عرضها مثلما يطيب لهم أن تكون، والأبعد من هذه وتلك، أنهم يتناسون الماضي الذي تم فيها طمس حقوقنا، وعمليات التعريب، والتهجير القسري، ومحاولات القضاء على لغتنا، والحد من العلاقات الكردستانية، وغيرها.
ومن الأخطاء الفادحة التي يقع فيها العديد من كتابنا وباحثينا، نشرهم للعريضة المقدمة من قبل البعض من رؤساء العشائر الكردية، إلى إدارة المستعمر الفرنسي في الثلاثينات من القرن الماضي، عام (1937م) وعلى رأسهم الأمير جلادت بدرخان، طالبوا فيها بإدارة ذاتية، وبناء مدرسة باللغة الكردية في الحسكة، وبعض المطالب الأخرى البسيطة والتي لم تتغير على مدى قرن كامل، فهي ذاتها تدرج اليوم ضمن مناهج معظم أطراف الحراك الكردي.
فمن حينها إلى اليوم، مطالبنا تتلاءم وطموحات أقلية تعيش في ضيافة دولة تحاول الحفاظ على وجودها، ومن الخطأ التباهي بها، والترويج لها، خاصة في هذه المرحلة. فما وردت في تلك العريضة، تلقفها البعض من الباحثين العرب السوريين ليظهروا على أن الكرد لم يكن لهم طموحات ولا ركائز القومية في سوريا، وجغرافية الجزيرة التي يطالبون أن تكون لهم فيها حقوق ثقافية، وإدارة ذاتية، تؤكد أنها ليست جغرافيتهم، ولذلك تشدق أمثال محمد جمال باروت، وعزمي بشارة، والبعض من شخصيات المعارضة السورية، بالقول إن الكرد قدموا إلى الجزيرة في العشرينات من القرن الماضي كشريحة مهاجرة وأرادت فيما بعد البقاء ضمن سوريا!
استخلصوا هذه الجدلية من كتابات كتابنا الكرد، ومن مجموعة ساذجة أرادت تفخيم الذات على حساب تاريخ الأمة، متناسين أن ما تم كان لها خلفيات وكان ورائها غايات غيبت فيها مصالح أمتنا، مثلما فعلها البريطانيون في العراق، والزعماء الكرد أمثال جلادت بدرخان، وغيره من المثقفين الذين كان لهم دراية بالعلاقات الدولية، كان عليهم أن يطالبوا المستعمر الفرنسي بالاستقلال وليست بإدارة ذاتية، وعلى حراكنا الثقافي في الوقت الحاضر أن يدركوا أن هذا المطلب دفعهم إليها الفرنسيين وبخباثة، لإعلاء شأن الأقلية المسيحية، ومساواتها بالكرد ضمن الدولة السورية، وعلى أثرها دعمت فرنسا البعض من الكرد حينها ماديا ومعنويا، وهمشت الأكثرية لإضعافهم، وخاصة الشخصيات الثقافية الواعية، ليصبح سهلا لها فرض شروطها، وعلى أثرها أدعت السلطات العروبية بأن الكرد دخلاء على جغرافية جنوب غربي كردستان، وهي ذاتها التي تروج لها اليوم شريحة من الكتاب العروبيين في المرحلة التي لم يعد يتمكنون فيها من التعتيم على الكرد كشعب صاحب قضية.
ومن المؤسف هذه الخدع التاريخية، والمفاهيم الموبوءة لا ينتبه إليها أغلبية باحثينا الكرد، ولا يعلم معظم المطلعين على أن تاريخ المنطقة مليئة بالمعارك الجانبية، رغم ما كان عليه القبائل الكردية من حسن الضيافة والاستقبال للقبائل العربية الهاربة من بطش أل السعود، والجنوح إلى حل الإشكاليات بالطرق السلمية، مع ذلك أجبروا على خوض معارك مع القبائل العربية، بدءا من التي جرت في منطقة عفرين بين العشائر الكردية وحركة المريدين من جهة وبينهم وبين العشائر العربية المتمددة نحو الشمال كالعبيدات وفروعها، كانت خلفيتها الدفاع عن جغرافيتهم وممتلكاتهم بالضبط مثلما يتم الأن في عفرين ضد مرتزقة أردوغان الذين يستولون على الممتلكات بكل الوسائل الخسيسة، فحينها كانت تقتطع أراضيهم سنة بعد سنة وبدعم من السلطات العروبية مثلما تفعلها سلطة أردوغان اليوم وتساند مرتزقتها من المنظمات العروبية التكفيرية...
يتبع...
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]