كيف تنهب المحاصيل المتبقية في غربي كردستان؟ 1/2
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 6289 - #13-07-2019# - 10:02
المحور: القضية الكردية
جنوب غربي كردستان مستهدفة من عدة جهات، حقيقة لا جادل فيها، وتستخدم كل الأساليب، الاقتصادية والسياسية والعسكرية وحتى الاجتماعية : من تدمير عفرين، إلى عمليات تسعير القمح ما بين السلطة والإدارة الذاتية، وقبلها ولا تزال عمليات الحرق الواسعة حتى لمخلفات المزارع بعد الحصاد، لخلق عجز في أعلاف الحيوانات لموسم الشتاء، وتلويث بيئة المنطقة أكثر مما هي من جراء الحراقات النفطية، إلى إثارة الخلافات بين الحراك الثقافي والفني تحت حجج مؤثرة على الشارع الكردي العام، ومحاولة تشويه سمعة المثقفين والفنانين الكرد، إلى ما يجري الأن وحيث حصر عمليات الشراء للمحاصيل التي لم تطالها مخططات الحرق في مركزين فقط، لكل منطقة قامشلو، والتي تأتيها قوافل قاطرات تجار الحروب من الرقة ودير الزور والطبقة وأحيانا من المناطق الأخرى لخلق فائض على قدرة الاستيعاب، والمركزين هما:
1- مركز قرية جرمز للسلطة، بعدما أغلقت مركز الصوامع في قامشلو بعد أيام من فتحها.
2- ومحطة تربه سبيه للإدارة الذاتية.
ومن المؤسف، أن كل ما خططوا له من أجل تدمير البنية التحتية والمجتمع الكردي معاً، يمر وبسهولة ودون المواجهة، أو مواجهة لا ترقى إلى سويات الأحداث، فتفجيرات عفرين والحسكة وقامشلو الإجرامية اليوم، وما تم في السابق، تضعنا أمام تساؤلات عديدة مصيرية، لماذا يتقاعس حراكنا الكردي عن خلق قوة مواجهة مشتركة، وخاصة الإدارة الذاتية:
1- هل هي عدم وعي؟
2- أم هناك أيادي خارجية تحدد مسيرتنا ومصيرنا؟
3- وهل بإمكاننا أن نعيد تركيبة حراكنا الكردي؟
4- ولماذا التناقض ما بين الانتماء إلى الدولة السورية من جهة، والادعاء باستقلالية تسيير المنطقة وتحت منهجية ذاتية خاصة مستقلة، ونشر منطق نصف المواجهة ونصف القبول؟
لا شك ظروف الحرب، ومؤامرات القوى المترصدة بالكرد، يفرض علينا لحد معين، السكوت على العديد من التجاوزات، والأخطاء، والفساد المستشري، وعدم الالتفات إلى جرائم تجار الحروب وسماسرتهم، والعلاقات المريبة بين القوى الكردية والمعادية كبعد تكتيكي، بل ويتطلب منا المساعدة قدر الإمكان لتثبيت ما كسبناه حتى الأن، أملين أن تزداد وتتوسع مستقبلا، وتقل الأخطاء.
ولكن بعض القضايا أصبحت مصيرية ولا بد من تنبيه الإخوة في الأطراف الأخرى من الحراك الكردي، وخاصة الإدارة الذاتية على ما يجري، ومطالبتهم القيام بعمل ما، فيما إذا كانوا على مقدرة منه، وإلا فعليهم تقوية العامل الذاتي، والطرق عديدة، وأولها إعادة بناء التركيبة الذاتية، وحل الخلافات الداخلية مع الأطراف الكردية الأخرى ولا نعني هنا فقط مع المجلس الوطني الكردي والذي يحتاج بدوره إلى نقلة مشابهة، فمضار مسيرته الحالية أكثر من إيجابياته. لا يكفي الانتصار العسكري على التنظيم الإرهابي، فالمعركة الأصعب هي في أساليب الإدارة وخدمة المجتمع وتنقية الشارع، واجتثاث الفساد والبيروقراطية والحد من تجار الحروب والانتهازيين، وتصفية الخلايا النائمة للتنظيمات المشابهة لها، فهناك من يعمق وجود هذه الأوبئة، لتهجير البقية الباقية من شعبنا الكردي.
فمخططات تهجير الكرد من جغرافية غربي كردستان ستستمر مع ديمومة صراعاتنا، ولها تشعبات، وتطبق بأساليب متنوعة، تطبق على نفس طويل، لتكون النتائج ناجحة وكارثية، وهي من ضمن بنود المؤامرة التي كنا قد نوهنا إليها عام 2014، والمشتركة فيها القوى والسلطات المتربصة بأمتنا، والمؤلم هنا، فرغم وضوح ما يجري على الساحة العملية، لم تحاول القوى الكردية السياسية، وخاصة التي تحكمت بإدارة المنطقة، الوقوف بوجهها بشكل فعال، ولا يستثنى الأخرين، وغاب عنا جميعا الوعي لما ستؤول إليه منطقتنا، وتؤكد هذه الحقيقة عدم إدراكنا لما كان يجري في أروقة الأعداء، والتي كانت قد أصبحت أكثر من واضحة.
ومن الجرائم التي تجري بحق شعبنا الأن، هي تجويع البقية الباقية من الفلاحين الكرد في منطقتي الجزيرة وعفرين، لتهجيرهم، ونحن هنا لا نتحدث عن حرقهم للألاف من الهكتارات الزراعية وأشجار الزيتون، ولا عن خسارة الكميات الهائلة من المحاصيل، بل عن أساليب تصعيد موجات الفساد والرشاوي ليضطر الفلاح الكردي بيع محاصيله المتبقية والتي لم تطالها أيادي المجرمين، ونشر شريحة من تجار الحروب لشرائها من مزارعي الجزيرة بأرخص الأثمان، مثلما فعلوها بموسم الزيتون في منطقة عفرين، والتلاعب بمصير المزارعين، ومستقبل الزراعة في المنطقة، والأبشع المؤامرة التي يشترك فيها البعض من موظفين الإدارة الذاتية ومافيات دوائر السلطة، للحصول إنتاج الفلاحين، وبأقل الأسعار وبيعها بالأسعار المحددة من قبل السلطة وهي كما نعلم 180 ليرة للكغ الواحد من القمح النوع الممتاز، والتلاعب بسعر الليرة السورية مقابل العملة الصعبة ما قبل بيع المحاصيل وبعدها، إلى درجة يصبح فيها سعر كغ القمح قرابة 100 ليرة سورية فقط، حسب تداول العملة، وتضخم أسعار المواد، وهذا ما حصل في موسم عام 2013م، والتي خسر فيها الفلاحين قرابة ربع سعر محاصيلهم خلال أقل من شهرين، عندما رفع سعر اليورو بنسبة الضعف إلى الليرة السورية، وعاد إلى سعره الحقيقي ثانية بعد انتهاء موسم البيع، وهذا التلاعب كان داخليا ولم يكن له علاقة بالأسعار العالمية لليرة السورية.
وبسبب بشاعة ما يجري في مراكز الشراء، أصبح الفلاح يفضل تخزين محصوله في أماكن قد لا يتوفق فيها خلال فصل الشتاء، أو قبول أسعار السماسرة الجشعين، والتجار الذين يعملون لحساب محافظ الحسكة، أو ل (قاطرجي) تاجر الحرب المعروف دوليا والمنسق التجاري ما بين السلطة ومنظمة داعش ويشاع على أن له علاقة مع مسؤولين في الإدارة الذاتية من خلال نقل النفط الخام من تل عدس (كِر زيرو) إلى ميناء طرطوس واللاذقية أو مصفاة حمص، وبأرتال من الصهاريج أسبوعيا لا تقل عن 75 صهريجا في كل قافلة، وسمحت له سلطة بشار الأسد ليظهر على خط التجارة بالقمح، فعن طريق شريحة واسعة من عملائه بدأ بشراء محاصيل الفلاحين والمزارعين وبأسعار رخيصة لم تتجاوز حسب بعض المصادر 125-130 ليرة للكغ، والمحظوظ أو صاحب النوعية الممتازة قد يحصل على 140 ليرة للكغ الواحد، ويبيعونها إلى مراكز السلطة بالسعر الذي يفرضونه على دوائر الدولة، وهؤلاء لا يقفون على الدور كأي تاجر أو مزارع في مركز الشراء، يمررون قاطراتهم بدون انتظار لانهم يحملون رخصة المحافظ أو القاطرجي.
وإذا تجرأ الفلاح وحمل محصوله إلى مركز الشراء، إن كانت تابعة للإدارة الذاتية، الموجود في محطة تربه سبيه، أو للنظام، في قرية جرمز، فسيواجه كوارث الفساد والرشوة والضرائب العينية وغيرها من المصاريف، خاصة بعدما تم إغلاق مركز الصوامع في قامشلو، تحت حجة أن تجميع القمح في الصوامع المستولية عليها عمليا قوات ال ي ب ك، وبالتالي ستخسرها لاحقا، لذلك فضلت أغلاق المركز، والإدارة الذاتية لم تستمر في بقائها مفتوحا للفلاحين (وبالمناسبة الإدارة الذاتية توقفت عن الشراء حسب ما بلغنا الخبر بسبب جفاف رصيدهم من السيولة المادية). ولإرضاخ الفلاحين لم يتم فتح مراكز أخرى، وحصرت السلطة والإدارة الذاتية بين بعضهما مركز وحيد لكل طرف، في الوقت الذي كان بإمكانهما فتح أكثر من مركز...
يتبع...[1]