الدبلوماسية الكردية
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 6078 - #09-12-2018# - 13:17
المحور: القضية الكردية
بدى لنا نحن الكرد، وعلى خلفية بعض المكتسبات، وبمعية حراكنا السياسي، أصبحنا على مستوى الهيئات العالمية، وبإمكاننا أن نفرض شروطنا كشبه دولة، أو إدارات على سوية دول شرعية، ونملك قدرات التعامل مع الدول الإقليمية والدولية بنفس الثقل الدبلوماسي، وكثيرا ما تم وصف بعض الدعوات أو الزيارات إلى روسيا وأمريكا واللقاء ببعض السياسيين الأوروبيين من قبل أبناء الجالية بالحراك الدبلوماسي، أو بالمحادثات الدولية، وهذا التضخيم المؤذي للذات ولوعي المجتمع، تم على خلفية تلاعب المراكز الإعلامية الإقليمية وبعض الدولية، المهتمة بقضايا الشرق الأوسط، بمداركنا السياسية وبالحضور الكردي على الساحة، ولم يكن هباءً منها لثروتها، أو سخاءً لنا، في تخصيص الكثير من وقتها لشعبنا، وتسليط الأضواء على قضيتنا، وتاريخنا، ومكتسباتنا، وعلاقات حراكنا الوهمية، الدولية والدبلوماسية، والتي جلها تمت بالطرق والإشكاليات التي تناسبهم.
وهو ما أدى إلى تسارعنا كأطراف متناحرة التباهي بإنجازاتنا، نعزل بعضنا البعض عن الساحة النضالية، وجلها لعدم إدراكنا لما يخطط في الأروقة الإقليمية، وذلك كخطوات استباقية لاحتكار المكتسبات المشكوكة في أمرها، والتي معظمها في الواقع، ورغم الشهداء ومحاربة الإرهاب بكل القوة، إما كدفاع عن الذات، أو نيابة عن العالم، قدمت لنا كأجرة لخدماتنا، ولذلك كثيرا ما كانت سهلة للإعداء حرماننا منها، بسبب شرعيتها الدولية لدى الدول الكبرى (أمريكا وروسيا)، وعلى أثرها تم سحب الأجزاء المهمة من تلك المكتسبات، والأمثلة أكثر من واضحة ( كركوك وعفرين، وشنكال) كجغرافيات، وإضعاف أحزاب على حساب أحزاب من حيث البعد السياسي، والطعن في شخصية وطنية وإحلال أخرى مكانها، وإبراز البعض المطعون في مصداقيتهم ووطنيتهم، إلى جانب البعض من الانتهازيين، ومساعدتهم لشريحة تجار الحروب باختراقهم حيزهم التجاري واقتحام الساحة السياسية، وغيرها من الأعمال.
ومن المحزن، ظن البعض من أطراف حراكنا أنهم حقاً على أبواب التحكم بجغرافية كردستان، فأصبحوا يبحثون ويتعاملون مع الكردي الأخر وكأنهم على مسافة خطوات من تحقيق الحلم الكردي، فضخموا من علاقاتهم والتي بالكاد يمكن تسميتها بالعلاقات الرسمية مع الأطراف الدولية، في الوقت الذي يعتبر فيها كل جهة أن أي علاقة مع القوى الإقليمية عمالة، وبالمقابل انجرفت الجهات الكردية الأخرى عن المسار الوطني، وتحت حجج متنوعة، والوطنية منها والمدركة حوصرت وعتمت عليها. ونادرا ما حللت كلاهما بواقعية زياراتهما الخارجية، بل عرضوها للشعب الكردي كند للند، متغاضين الحديث عن الإملاءات أو أنهم طلبوا للمثول للاستفسار على مجريات بعض الحوادث، وسكتوا عن الحقيقة، وهي أنهم ولحضورهم على مستوى الحراك لم يتم قبولهم كممثلين عن الشعب الكردي، ولأنانيتهم، وارتباطاتهم أو تبعيتهم للقوى الإقليمية لم يتمكنوا من التقارب وتشكيل هيئة منتخبة تمثل الأمة، وللتخلص من الانتقادات، فاقموا في اتهامات البعض إلى درجة التخوين، وفي الواقع معظم سويات حضورهم وفي جميع المحافل الدبلوماسية الإقليمية والعالمية كانت دون مستوى القضية والشعب الكردي، ولم تكن هناك أهمية يذكر لثقلهم السياسي في اللقاءات، ولذلك كانت نتائجها مؤلمة.
ولا شك نحن الكرد كشعب، لا زلنا مقصرين في مواكبة عصرنا، وتعيش كل جهة على أمل أن يتم الحديث عنها وعن لقاءاتها، ليرفعوا بها من شأنهم كأجزاء من الشعب، لا شأن الوطن والقضية ككتلة متكاملة. وحاولنا مرارا بها خداع بعضنا والطرف الأخر من الحراك، إلى أن أصبحنا أمة تورث التناحر، واليوم نجترها وكأننا في حرب داخلية وليس في صراع مصيري مع الخارج، هذا الخارج المطلع على كل التفاصيل التي نقوم به كشعب أو حركات منفصلة، في الوقت الذي كان من المفروض أن تكون الجدلية عكسية.
ولتعمية بصيرة المجتمع، نتناسى كحراك أو فرضت القوى الإقليمية علينا تناسيها، أنه من بين أهم المخططات المرسومة من قبل الدول المقتسمة لكردستان، هي توسيع شقة الخلاف والصراع بيننا كقوى كردية وكردستانية، وهذا ما تم، وقد كان من السهل لهم بلوغها، بعد الوهم الذي أعاشونا فيها، وخاصة الأجزاء الكردية المسخرة لتأدية الخدمات، وفي الواقع خلف كل هذه الأضواء الوهمية، كان المتربصين بنا يعقدون مؤتمرات للتآمر علينا كأمة، وجلها للقضاء على المكتسبات التي أعطيت لنا أو التي حصلنا عليها، ولوأد حراكنا في الخارج، وتقزيم دورنا في الأروقة الدبلوماسية، وقطع الطريق على الواعين من شعبنا في قيادة الأمة، أو أنهم كانوا يعتمون على من كان وطنيا وذا أمكانيات.
إضافة إلى هشاشة علاقاتنا الخارجية، على خلفية الظروف الذاتية أو الموضوعية، وعدم قدرتنا على تفاديها، تنامت في السنوات الماضية بعض الظواهر الخطيرة بيننا، وفي مقدمتها الخلافات الحادة البالغة حد التخوين، فوجدتها بعض القوى الإقليمية الأبواب التي من خلالها تسخيرنا كقوة أو أدوات سهلة الاستعمال، والأكثر ملائمة لتمرير أجنداتها، ولإخراج العملية تحت غطاء مقبول، فقد كانوا بحاجة إلى وطنيين برفقة شريحة من الانتهازيين، أو وطنيين ذوي خلفية معرفية ضحلة، خاصة وأنهم يدركون أن الشعب الكردي القوي بديمغرافيته الكثيرة، والجغرافية الواسعة والمثارة فيها الصراعات، بإمكانه الحصول على نفس المكتسبات المقدمة له وأكثر وبنجاح أفضل فيما لو تم التحرر من الإملاءات الخارجية، إن كانت على جغرافيتها أو في الأروقة الدبلوماسية مع الدول الكبرى، فيما لو حصل تفاهم ما بين الأطراف المتنازعة وعرفنا كيفية مواجهة الواقع، وبتوافقات داخلية ما، وبوفود تمثل الأمة وليست أقسام من حراكنا الكردي.
ومن المؤلم حتى اللحظة، ورغم خسارتنا للكثير من مكتسباتنا، لا زلنا كشعب يحوي الحراك بكل أقسامه، وشرائح المجتمع المتنوعة، نعمي بصيرة بعضنا، ولا نبحث عن حلول وسطية تتقاطع فيها مصلحتنا كأمة، بل وقد تمادت أجزاء من الحراك الكردي ورغم عدمية الوجود السياسي والدبلوماسي مع القوى الكبرى رفض الحراك الكردي المهيمن بطريقة ما على مقدرات الشعب قبول الكردي الأخر، القادر على طرق بعض الأبواب الدبلوماسية الدولية أو المتمكن من خلق حوارات على مستوى القوى الكبرى، بل ورفضت المحاولات التي قدمت من أجلها، وخدمات (المجلس الوطني الكردستاني-سوريا) ومركزها واشنطن خير مثال، وبالتالي استمرت مسيرة عدم الاعتراف السياسي بنا كشعب حتى اللحظة. وهكذا بقينا نعاني من عدم إدراك للإشكاليات الناتجة من صراعنا رغم أننا جميعا نتحدث فيها ونؤشر عليها، ونحللها، ولكن نادرا ما نطبقها على ذاتنا، أو عند التعامل مع الكردي الأخر، وبهذا سنظل مهما قدمنا من تضحيات أدوات سهلة الاستخدام والتخلي عنا. وبقينا على مسافات، زمنية وفكرية، بعيدة عن الهدف، وسنظل مستمرين العيش في الأحلام، وتأنيب الضمير، وجلد الذات، وسنعاتب حظوظنا وليست مداركنا ووعينا، ولن نعترف، لا لذاتنا ولن نقبلها من الأخرين كنقد أو كحكمة لفتح البصيرة، على أن الجهالة رغم كل التراكم المعرفي تهيمن علينا.
[1]