يوسف خالدي *
بعد سقوط الخلافةالعباسية عام 1258 م. في بغداد ، وزوالها مع الممالك الأيوبية على يد المغول . وما رافق ذلك من تعرض شعوب المنطقة إلى سلسلة من الحروب المدمرة قضت على حياة الإستقرار في المدن ، والأرياف حتى بدت خاوية من السكان بسبب تدهور الزراعة والصتاعة وهجرة الناس للحرف وإنتشار الدمار والخراب والهجرة الأمراض والأوبئة والمجاعات مع إنعدام الشعور بالأمن بفعل الغزوات المدمرة والمتلاحقة ، كان لكردستان منها النصيب الأوفر ، كونها وقعت في مفترق طرق جميع تلك القوى الغازية التي كانت تتدفق نحو المنطقة لسببين أساسيين،
الأول
هرباً من حالات الفقر والمجاعة والقحط والجدب التي كانت تنال من مناطق سكناهم الأصلية وعلى فترات متتابعة
ثانياً
راع السلالات التركية والمغولية على السيادة في المنطقة التي كانت تضمهم في وسط وشرق أسيا والحروب التي تم خوضها بين تلك السلالات مع تشكل دول كانت تقوم بإزاحة السلالات التي سببقتها عن السلطة كما حصل مع السلاجقة حين دخولهم بغداد بقيادةأرطغرل بك سنة 1055م) وسقوط دولة البويهيين، ثم حين أزاحهم الخوارزميون ، ثم المغول للخوارزميين والسلاجقة معاً ،
ثالثاً
تحولت غزوات السلب والنهب ولا سيما في حالة الترك الأوغوز التي لم تكن تستهدف إلا الغنائم والأسلاب إلى رغبات في البقاء والسيطرة على الأرض ، بعد أن تبين لتلك القبائل الغازية خصوبة تلك الأراضي التي قاموا بغزوها وغناها ،
خلال هذه الفترات تحالفت بعض الإمارات مع الغزاة المغول كما السلاجقة الروم وتعرضت ممالك وإمارات أخرى في كردستان ، وأذربيجان وفارس والعراق وسوريا ، تلك التي كانت قد تأسست ضمن الدولة العباسية خلال حكم البويهيين إلى الضعف ثم الإنهيار، نشأ تحالف بين بقايا ملوك بني أيوب ، والمماليك الذين دخلوا في معركة مع المغول في عين جالوت 16-09- 1260 م . وخضعت لحكمهم مصر وبلاد الشام وأجزاء من كردستان والأناضول. قام الظاهر بيبرس بالقضاء على دولة سلاجقة الروم في معركة البستين وفي تيسان 1277 م. دخل قيصري عاصمة سلاجقة الروم ، وأنهى دولتهم.
إستمر الصراع في المنطقة بين دولة المغول التي كانت قد تشكلت في بغداد وفارس وبين المماليك والإمارات والممالك الصليبة التي كانت تحتل مناطق في الساحل على المتوسط وضمن بلاد الشام في مناطق كيليكيا ، مع إستمرار هجمات القراصنة ، والحملات الصليبية على مصر وسواحل إفريقيا سيما بعد دخول إسبانيا والبرتغال وهولندا في الصراع على مراكز النفوذ بغرض الهيمنة على طرق ومنافذ التجارة في الخليج ، ومضائق باب المندب بعد تدهور وخراب طرق التجارة القديمة ، (طريق الحرير) والذي كان يمر في أراضي كردستان التي كانت تدور على ساحتها الصراعات بين تلك القوى ،
الدولة الإيلخانية 1256 – 1344م
إستمدت إسمها من لقب لهولاكو الذي كان قد تم تعيينه حاكماً على تبريز بعد موت جنكيز خان بإيلخان ، وتعني تابع الخان الأعظم في مركز الدولة المغولية بقراقورم .بعد أن حكمت هذه الدولة مناطق شاسعة ومرت في فترات من القوة والإزدهار ، تعرضت في النهاية إلى مراحل من الضعف إنقسمت بعد موت أنوشروان إلى دول صغيرة مستقلة ، كان منها الدولة الجلائرية التي حمت بغداد
انهيار دولة الإيلخانيين المغول
بعد وفاة «أنوشيروان» آخر السلاطين الإيلخانيين تقاسم خمسة من كبار الأمراء المغول أملاك هذه الدولة، وكون كل منهم دولة صغيرة مستقلة، ومنها الجلائرية ، تنازعت فيما بينها، ودخلت فى حروب بينية طاحنة.
القرة قوينلو
وتعني الخرفان السود ، في تميزهم عن أقرانهم من أصحاب رايات الخرفان البيض ، ينتمون إلى الأرومة والأصل ذاته من الغز الأيغوريين كما قبيلة الخرفان البيض حكموا كردستان تركيا ، شرقي الأناضول وأذربيجان وبعض المناطق من القفقاس وأجزاء من إيران .الوسط والجنوب مع أصفهان بعد أن تغلبوا على السلالة التيمورية ، كما تمكنوا من التغلب على الجلائريين في بغداد عام 1411 م .وإنهزموا أمام الأق قوينلو عام 1467 م.
الأق قوينلو من القبائل التركمانية التي تنحدر من قبائل الغز وتعني الخرفان البيض إكتسبوا التسمية كونهم كانوا يربون خرافاً بيضاء ، أصبح فيما بعد شعارا للقبيلة . بدأت تجتاح المنطقة وتتغلغل فيها بعد أن كانت الإمارات الكردية والفارسية والعربية قد بدأت بالتساقط تباعاً على أيادي السلاجقة ، والخراسانيين ومن ثم المغول
تمكنت القبيلة من حكم مناطق في فارس وأذربيجان وأفغانستان وتركستان ، وكردستان من العام 1468-1502
شنت حملات منظمة على الدولة البيزنطية بادء الأمر بهدف السلب والنهب ، ثم تحولت تلك الهجمات والغزوات لاحقاً إلى رغبة في الإستقرار بعد أن رأوا خصوبة تلك الأراضي وغناها قي كردستان و العراق وسوريا ، . عام 1402 . دخلت هذه القبيلة في صراع مع القرة قوينلوالتركمانية وضمتها إلى مملكة الأق قوينلو . ، ثم دخلوا في معارك مع ممالك وإمارات كان يحكمها أبناء لتيمور لينك ، ودخلت في صراع مع العثمانيين الذين كانوا قد بدأوا يتمددون في المنطقة وإنهزموا أمامهم لتنتهي دولتهم على أيدي الدولة الصفوية الصاعدة في إيران وأذربيجان التي بدأت بالقضاء عليهم أولاً في تبريز ثم بأخر حاكم ينتمي إلى هذه السلاة في ماردين عام 1507م
1
الدولة الصفوية 1499 – 1785م.
بالقرب من همدان ألحقَ الشاه إسماعيل الهزيمة بمراد بك آق قوينلو الذي انسحب الى مدينة شيراز فلحقته قوات إسماعيل شاه وحاصرت المدينة ، وألحق بذلك الشاه اسماعيل اراضي فارس وكرمان أيضا الى سلطته. توجه الشاه اسماعيل صوب ديار بكر بعد تثبيت دعائم سلطنته في ايران ففتحها وتوجه بعدها الى بغداد للقضاء على البقية الباقية لقوات الاق قوينلو التركمانية في سنة 1508م .
جالديران والصدام الصفوي العثماني :
قاد السلطان سليم جيشاً كبيراً بنفسه وتزامن ذلك مع صدورر فتوى في حق الشيعة الصفوية ووجوب محاربتهم. إالتقى الجيشان في سهل #جالديران# سنة 1514م. انسحب الشاه من ساحة المعركة مع 300 من قواته الى مدينة تبريز بعد هزيمة جيشه .حرك السلطان سليم بجيشه نحو تبريز. ولكنه لم يمكث في تبريز سوى عدة ايام بسبب قيام القوات الصفوية بتدمير كل ما كان يمكن للعثمانيين الإستفادة منه .بعد مغادرة السلطان سليم تبريز قام الشاه إسماعيل بحملة على ديار بكر بعد أن قام بإعادة تجميع وتنظيم قواته من جديد ، وكانت ماردين والرها لا زالتا تابعتين له
البدليسي
من معسكره بأماسيا ندب السلطان سليم إدريس البدليسي للإتصاال بالزعماء الكرد ورؤساء العشائر للعمل على إثارتهم على الشيعة ونجح البدليسي في ذلك إلى حد كبير .فقام البدليسي بطرد أخيه خالد بك الذي كان أميراً على البلاد من قبل الشاه إسماعيل.
ثار الملك خليل على قره خان لإإسترداد حصن كيف وسعرد الذي كان قد تم تعيينه من الشاه
إسترد محمد بك أمير صاصون بلاد غرزان
إسترد سيدأحمد بك الزرفي أتاق وميافارقين
إسترد قاسم بك قلعة أكيل ، وإستولى جمشيد بك على مدينة بالو ، وجزيرة عمر
إسترد سيد بك أميرسوران بلاد كركوك وأربيل وهكذا في باقي المناطق الأخى من كردستان
هاجمت قوات البدليسي بما تجمع حوله من العشاءر الكردية من بدليس وصاصون ومكس وخيزان ، وقام بقطع طريق على قوات الشاه مسعود التي كانت تتجه إلى ماردين ، الرها ، ديار بكر. وصل إدريس البدليسي إلى حصن كيف في الوقت الذي كان السلطان سليم قد وجه الباشا محمد البيغلي إلى ديار بكر
فر قرة خان من ديار بكر بعد قدوم جيوش البدليسي والبيغلي نحو ماردين
لم يدخل قرة خان إلى قلعة ماردين وإنسحب إلى سنجار
إستلم الملك خليل والشيخ إدريس المدينة والقلعة بعد حصار
أرسل السلطان سليم عشرين ألف جندي بقيادة خسرو باشا 1516 . لإستمرار الحملة التي كانت قد بدأت بهدف صم كردستان إلى السلطنة ،
سقطت مدن وقلاع ، ارغني ، سنجار ، تل أعفر ، جرميك ، سورك ، بيرة جيك ، البيرة ، اثم بعدها الرها ، الرقة ، الموصل
قدمت بعدها عشائر الجزيرة من روشني ، حريري ، سنجاري أستاجلي ، جزيري ، وعشيرة الموالي العربية الطاعة إلى السلطان العثماني .أرسل السلطان هدايا وأموال وخلع كثيرة إلى البدليسي ، ومنها 25 الف دوقية ذهب لتوزيعها على رؤساء الحكومات والعشاءر والإمارات الكردية . قام إدريس بتنظيم المنطقة إلى سناجق إدارية وتم تطبيقها لاحقاً على الرها والموصل .أرسل السلطان سليم فرمانات موقعة على بياض ليقوم بدليسي بتعيين من يراه مناسباً على تلك السناجق والإمارات. قضى هذا النظام على 46 إمارة كردية محلية كردية كانت موجودة قبل عهد السلطان سليم ، ، إصطحب سليم البدليسي معه في غزو مصر .
إسنمرت الحروب والغزوات المتبادلة بين الدول الصفوية والعثمانية بعد موت السلطان سليم والشاه إسماعيل لسنوات طويلة في عد أولادهما. خلال الحملة التي قادها السلطان سليمان على الصفويين وهو في طريقه إلى تبريز التي إحتلها إستولى على قسم كبير من أراضي كردستان إيران ، وفرض الحصار على وان التي كانت لا تزال في أيدي أمير كردي وإستولى عليها .تراجع الجيش العثماني لشدة البرد وصعوبة البقاء في تلك المناطق إلى ديار بكر فقام الشاه طهماز بن الشاه إسماعيل بالإستيلاء على قارص ، وأرسل جيشاً إلى أخلاط ثم توجه هو على رأس جيش أخر إلى موش .بسبب الصراع على الحكم بين أبناء الشاه إسماعيل ، تقدم الشاه ميرزا باللجوء إلى العثمانيين ، الذي قام بتشكيل جيش من الكرد والزحف على همذان عن طريق كركوك وشهرزور ، وتم تكليف أولامة بيك بالتوجه على رأس جيش عثماني إلى أرز روم ، بهدف إحداث قلاقل وثورات ضد الحكم الصفوي ،
أرسل العثمانيون حملة لمحاربة القاص ميرزا ، بعد رفضه العودة لإستانبولبناء على طلب السلطان ، مؤلفة من أمراء العمادية ، هكاري ، برادوست ، لاحقته وبعد عدة معارك ، إلتجاً إلى إمارة أردلان الكردية، زحف طهماسب مرة أخرى على كردستان تركيا ووصل إلى ديار بكر ، أرجيش ، سعرت ، أخلاط، أرضروم أدت هذه الحروب المتبادلة ، وإنتقال السيادة والسيطرة من دولة إلى أخرى وبالتناوب وعلى فترات متلاحقة إلى تدمير كردستان، إستمرت الهجمات والغزوات المتبادلة بين الدولتين ، مما أضعق سلطة الدولتين المركزية في عموم كردستان ، تمردت على إثرها الكثير من العشائر الكردية وألأمراء الكرد على سلطة الشاه والسلطان معاً وإستنكفوا عن مواصلة خوض تلك الحروب .
الدولة القاجارية 1256 – 1344م
تنحدر من أسرة تركمانية ، إستولت على حكم إيران ، أعلن قائد الفبيلة أغا خان محمد نفسه شاهاً عام 1796 م. بعد أن قضى على الزنديين في كرمان وعلى الأفشريين في مشهد. إنهزمت هذه الدولة أمام الروس في عهد ناصر الدين شاه (1797-1884م.) فخسرت شمال إيران وبدخول بريطانيا ساحة الصراع في إيران أصبحت مقسمة بين نفوذ روسيا من الشمال ، وبريطانيا من الجنوب. بدأ النفوذ البريطاني بالتزايد من خلال الهيمنة على النواحي الإقتصادية والمالية ، وإحتكار مشاريع تحديث الدولة ، خطوط سكة الحديد والتلغراف ، والتبغ ، علاوة على حركة الإحتجاجات في الداخل ، والإنتفاضات والثورات الأمر الذي دفع بالبريطانيين إلى ممارسة الضغط على الحكومة بالدعوة إلى الإصلاحات ، من خلال برلمان المجلس الوطني .
، قام بعدها رئيس الوزراء رضا خان بهلوي بخلع الشاه أحمد ميرزا وتنصيب نفسه شاهاً على إيران عام 1926م. حاولت السلطة القاجارية إعادة سلطة الدولة المركزية إلى أطراف الدولة للتخلص من المناطق الكردية ذات الإدارة الذاتية ، لكنها عجزت عن تحقيق الهدف ،وأضطرت إلى القبول بالأمر الواقع. تعرضت سلطة القاجاريين إلى المخاطر من الروس والعثمانيين والبريطانيين ، حيث أن الروس إستغلوا هجمات الأفغان كما العثمانيون بالمبادرة إلى إحتلال كردستان إيران وأذربيجان ، وقد سارعت بريطانيا إلى مساعدة القاجاريين بالسلاح والمعونات للصمود أمام تلك الهجمات .في مطلع القرن التاسع عشر، إتخذ السلطان محمود قرارأ بالقضاء على نظام الحكم الذاتي في كردستان ، تماماً كما كانت محاولات الدولة العثمانية مع كل المناطق التي كانت تتبع لها في العراق وبلاد الشام وحتى مصر والشمال الإفريقي ، وما كان يتبعها من أراض في القارة الأوربية ، في محاولة منه لإعادة بعض القوة من خلال مركزية الدولة التي كانت قد تقلصت إلى حدود التلاشي، ومنها مناطق كردستان .
كانت البداية بتوجيه حملة للقضاء على حاكم راوندوز ، وعلى تمرد ماردين ، وإنهاء تمرد الإتحاد الملي للقبائل الكردية، وعلى تمرد عشيرة الشمر ، وعلى تمرد سنجار وكذلك القضاء على تحالفات متعددة كانت قد نشأت بين الزعماء الكرد الذين كانوا هم أنفسهم في صراع على النفوذ بين بعضهم البعض، لقد كان لهذا الوضع وما إستتبعه من إنتفاضات كردية أثار مدمرة على الكرد الذين لم يكونوا مقسمين وموزعين بين دولتين متصارعتين حول السيطرة على كردستان فقط ، بعد أن كانت الدولة المملوكية قد زالت عن الوجود ، وإنحسر خطر الغزوات المغولية والأقوام الأسيوية التي كانت جحافلها قد دمرت كل ما كان قائماً من أنظمة للري والسقاية وهدموا المدن وقضوا على العمران ، و الزراعة، فقط ، وإنما كانوا يتعرضون لحرب داخلية ومنازعات شديدة كانت تنتهي دائماً بإزدياد العداوات بين العشائر والقبائل الكردية ، التي كا ن زعماؤها يسعون إلى التمدد وزيادة النفوذ بإخضاع القبائل الأخرى لسيطرتهم وحكمهم، كانت الزعامات في القبيلة والعشرة والمنطقة تتبدل وتتغير بحكم تبدل القوى وتغير الحكومات، فكان إنتقال الزعامة ضمن العشيرة والمنطقة من أسرة إلى أخرى يخلق ضمن العشيرة وتلك العشائر زعامات متصارعة، فمجرد متابعة الحركة التي قام بها محمد الراوندوزي تقودنا إلى مشهد قد بفسر بعض المواقف التي إتخذتها الدول الموقعة على إتفاق سايكس بيكو ، وبعدها معاهدة سيفر وما لحقها من إتفاق لوزان ، أخرجت الكرد من محصلة توزيع التركة العثمانية على أيدي تلك الدول التي كانت قد قامت بالسيطرة عليها وعلى ممتلكاتها وعلى إيران
الراوندوزي :
بدأ الأمير محمد الراوندوزي بإرتكاب المجازر بحق العشائر الكردية التي إعتبرها أعداء له داخليين ، فهاجم قبائل برادوست ، شيروان سورجي ، خوشناو ، وأعدم زعماء عشائر خوشناو ، ميرمحملي ، مير يوسفي ، بشت كالي ، مامش ، ودفع الشيوخ إلى إصدار فتاوى تعتبر حربه ضد الإيزيديين جهاداً في سبيل الله ، أتاحت وسوغت له الإستيلاء على كل المنطقة الواقعة شرقي الموصل وحتى الزاب الكبير وإنتهاء بخابور ، فكانت النكبة التي أصابت الإيزيديين الكرد على يديه ما بين قتل وسبي وتهجير أكبر من أن تتحملها جماعة بشرية على أيدي بني جلدتهم ، كما أذاق المسيحيين وسامهم العذاب ذاته ، وقتل أمير شيخان ، إستولى على بهدينان وقضى على مقاومة الزيباريين كما قتل الكثير من اهل العمادية وتوجه نحو بوطان لكنه خشي الإصطدام مع المير بدرخان الذي كان في أوج قوته ، فغير وجهته إلى حصن كيف ، ثم نصيبين وماردين ونواحيها. في هذه الفترة، كانت الدولة العثمانية تمر بأضعف حالاتها، والخلاف المصري العثماني كان يشتد في ظل حرب كانت متوقعة. قامت الدولة العثمانية بخطوة إستباقية ، في عام 1884 ، بمهاجمة سنجار وتل اعفر وإنضم للحملة قوات من الموصل وبغداد وبعد سلسلة من المعارك ، قام هذاالأمير الذي أذاق شعبه الموت من تسليم نفسه إلى السلطات العثمانية . حيث تم قتله بعدها وقد كان مفتي راوندوز قد اصدر فتوى تحرم مقاتلة جيوش السلطنة مع إستنكاف القبائل عن مساندته .بعد مقتل امير راوندوز فقدت بهدينان إمارتها بعد القاء والي الموصل القبض على إسماعيل باشا الذي كان قد هرب من العمادية حين حاصرها المير راوندوزي .في حين كانت إمارة هكاري تتعرض للزوال أيضاً بسبب الصراع بين سليمان بك ونور الله بك أمير هكاري وريث الإمارة ،
البدرخانيون :
أجبر الميربدرخان الأيزيديين على إعتناق الإسلام ، ، وقمع النساطرة وكان العثمانيون يدفعون بإتجاه القتال والصراع وتوخي سبل التدخل للقضاء على أي نفوذ كرديي إحنجت بريطانيا وفرنسا لدفع السلطنة للتدخل والقضاء على بدرخان الذي إنتهى بإستسلامه للعثمانيين .
عبيد الله النهري :
ألغاء الإمارات الكردية الوراثية شبه المستقلة أدت، إلى فوضى وإنفلات أمني وإلى صراع وقتال بين الشيوخ والزعماء المحليين الصغار ، وكانت الحملات التي تقودها الدولة تؤدي إلى زيادة الصراع بين القبائل والعشائر وإلى المزيد من العنف وإراقة الدماء ، والعداوات. ظهرت على الساحة السياسية والإجتماعية في كردستان ، مشايخ وزعماء جدد نتيجة تقويض الدولة لتلك الإمارات المستقلة أظهرت زعماء ومشايخ جدد كانوا يحلون مكان الزعماء والمشايخ الذين كانت تقوم الدولة إما بقتلهم أو نفيهم أو إزاحتهم عن مناصبهم. وصل الأمر إلى ذروته مع الشيخ عبيد الله النهري حين بدأت المشايخ بالصعود لتبوأ الزعامة بدلاً عن أمراء التوريث.
ففي المناطق التي كانت تخضع سابقاً للحكومتين العثمانية والإيرانية ، ، ظهر شيوخ شمدينان وسيطروا عليها بدعم من الشيخ عبيد الله على مناطق كانت تتبع لأمراء بوطان ، وبهدينان وهكاري العثمانية ، وأردلان ، طال شيوخ البرزنجيين بإرث أمراء بابان ، وشيوخ بارزان سيطروا على أجزاء من هكاري – بهدينان وشيوخ القادرية على مناطق بريفكان ، والنقشبنديون في بامرني بالسيطرة على بهدينان بعد أن قام زعماء الكرد بتصفية الزعامات بين بعضهم البعض ، والتصفيات الأخرى التي كانت تقوم بها الدولة الإيرانية والعثمانية ، أصبحت الساحة شبه خالية من الزعماء التقليديين ونشأ ت حالة من الفراغ السياسي والإجتماعي خلف أثرأ كبيرأ في الواقع الكردي السياسي ، والإجتماعي أدى إلى إنزلاق الأمر بإتجاه مشايخ الدين والزعامات المحلية الصغيرة ، التي لم يكن تأثرها يتجاوز القرية أو البلدة ، كل هذه الأمور تكشف عن فراغ كبير كان يسود حياة الكرد في تلك الفترة وتأثير ذلك على العقل القومي الكردي ولا سيما إستسلام بدرخان للعثمانيين وما خلف ذلك من تأثيرات سلبية على نفوس وعقول الكرد .
عبيد الله النهري
ينتمي ألى سرة شمدينانية تتمتع بسمعة دينية كبيرةكانت تقود الطريقة النقشبندية .تم تكليفه قائدأ للقوات القبلية الكردية المكلفة بالدفاع عن الأقاليم الشمالية الشرقية وبقرار رسمي من السلطان بينما كان الزعماء الوراثيون والأمراء قد أزيحوا عن الساحة تماماً .يقول القنصل العام البريطاني في تبريز أثناء الغزو التركي لفارس، إن مشروعه هو توليه رئاسة إمارة كردية وضم كل كردستان في تركيا وفارس إليها وفي كل الإتجاهات ، إنتهت حركة الشيخ عبيد الله كما إنتهت باقي الإنتفاضات الأخرى بتسليم نفسه للسلطات التركية ،
الوضع الدولي ، وسياسة التحالفات الخفية :
أول تلك التحالفات كان التحالف الثلاثي بين المانيا والنمسا وروسيا (1872) . أنشأته المانيا على خلفية هزيمتها لفرنسا وخشيتها من إعادة فرنسا الهجمات علىى حدودها . نص الإتفاق على الإبقاء على الحدود في أوروبا كما هي والعمل على تصفية مشاكل الدول الأوربية مع الدولة العثمانيةمغ العمل على إخماد الثورات في أوروبا .
في 1879 م. تكون حلف ثنائي بين ألمانيا والنمسا بعد مؤتمر برلين (1878) الخاص بتسوية آثار الحرب بين روسيا والدولة العثمانية ، إنحازت المانيا إلى النمسا بعد أن تعارضت مصالح النمسا مع روسيا خرجت روسيا من عصبة الأباطرة تدريجيا، وتبلور التحالف الثنائي بين المانيا والنمسا على قاعدة التعاون المتبادل. وبهذا الحلف إطمأنت النمسا على مصالحها من ناحية أطماع روسيا في البلقان، وأمنت المانيا حدودها الجنوبية في حالة نشوب حرب ضد فرنسا أو روسيا. أصبح هذا الحلف الثنائي حلفا ثلاثيا بانضمام إيطاليا له (20 مايو 1882) وكان السبب المباشر وراء تأسيسه استيلاء فرنسا على تونس في 1881 في الوقت الذي كانت إيطاليا تتطلع للتوسع في طرابلس الغرب (ليبيا). وكانت نصوص الحلف عامة تشير إلى التعاون من أجل السلام، وألا يرتبط أي من أطرافه بإتفاق أو تعهد يكون موجها إلى أي من دول الحلف، تعارضت مصالح النمسا وإيطاليا في البلقان وفي شرق البحر المتوسط وأراضي إيطاليا التي كان بعضها محتلاً من النمسا .
وقفت ألمانيا إلى جانب الدولة العثمانية ضد إيطاليا عندما أعلنت إيطاليا الحرب على طرابلس (سبتمبر 1911)، لأجل مصالحها في الدولة العثمانية ( مشروع خط سكة حديد برلين- بغداد، فضلا عن تحديث الجيش العثماني وإنشاء البنوك) . ثم نشأ تحالف ثنائي بين فرنسا وروسيا (عام 1893).للدفاع المشترك فيما لو تعرضت إحدى الدولتين لخطر . وقد تجدد هذا الوفاق في عام 1899 ودخلت عليه تعديلات في عامي 1901-1902 م.
التوسع الخارجي
في عام 1907 حصل إتفاق بين روسيا وبريطانيا على أن يكون شمال إيران من نصيب روسيا وجنوبها من نصيب بريطانيا ثم ظهر وفاق ثلاثي بين فرنسا وروسيا وإنجلترا.سيكون تمهيدا لإتفاق أخر حول تصفية تركة الدولة العثمانية وهو إتفاق سايكس وبيكو. تم الكشف عن هذه الإتفاقيات السرية بعيد إندلاع الحرب العالمية الأولى .
الحرب :
كان إقليم البوسنة ولاية عثمانية تم وضعها تحت تحت وصاية النمسا في مؤتمر برلين 1878ا فى اطار تسوية الحرب الروسية العثمانية (1876-1877)م ،حينما حاولت صربيا ضمها إليها وبهدف تقوية النمسا على حساب روسيا عملا بمبدأ توازن القوى الذي تقرر في فيينا (1815)م .سيطرت جماعة الاتحاد والترقى على السلطة فى الدولة العثمانية فى يوليو 1908 وقامت بعزل السلطان عبد الحميد الثاني، أسرعت النمسا بضم البوسنة اليها خلافا لقرارات مؤتمر برلين، . وفى 28-06- 1914 قام أحد الطلبة الصرب باغتيال ولى عهد النمسا فرانز فرديناند أثناء زيارة رسميةله لسراييفو عاصمة البوسنة، أعلنت النمسا الحرب على الصرب فى 28 يوليو 1914. .. وقفت روسيا الى جانب الصرب، وأعلنت المانيا الحرب على روسيا فى أول أغسطس 1914. وانضمت فرنسا الى حليفتها روسيا، فأعلنت المانيا الحرب على فرنسا فى الثالث من أغسطس. وغزت القوات الألمانية بلجيكا لغزو فرنسا منها، فأعلنت إنكلترا الحرب على المانيا. والنمسا والمجر الحرب على روسيا. وانضم الجبل الأسود الى الصرب ضد النمسا. وأعلنت إنكلترا وفرنسا الحرب على النمسا .
اانقسمت أوروبا بين معسكرين متحاربين: معسكر دول الوسط ويضم النمسا والمانيا وانضمت له الدولة العثمانية (نوفمبر 1914)، ثم انضمت إليهم بلغاريا في أكتوبر 1915). ثم إنضمت لهم اليابان أيضاً بسبب أطماعها في الصين ، وجبهة الحلفاء ويضم انجلترا وروسيا وفرنسا ثم إنضمت إليهم إيطاليا فيما كانت تركيا تعتمد عسكريا وإقنصادياً على المساعدات الألمانية وعلى خلاف مع بريطانيا وفرنسا ، بسبب مطامعهم في المغرب ومصر وغيرها من أراضي السلطنة انضمت الى جانب المانيا والنمسا ضد انجلترا وحلفائها . شجعت انجلترا قيام ثورة عربية بقيادة الشريف حسين أمير الحجاز لاسقاط الحكم التركى من بلاد الشام نظير اعلان مملكة عربية برئاسته. تمت مراسلات بين الشريف حسين وبين المندوب السامي البريطاني في مصر هنري مكماهون والتي عرفت باسم مراسلات الحسين-مكماهون 1915- 1916 بشأن الإعداد لثورة عربية ضد الوجود التركي في بلاد الشا والحجاز.
في ذات الحين كانت بريطانيا تضع اللمسات الأخيرة مع فرنسا وروسيا وإيطاليا على إتفاقهم الأخير لتوزيع تركة السلطنة العثمانية وبما عرف بإتفاقسايكس وبيكو 1916 -بيكوالتي منحت روسيا الحق في الإشراف على على استانبول وعلى أرضروم وطرابيزون ووان وعلى الموصل في العراق، والحق في الإشراف على القدس باعتبارها راعية الكنيسة الأرثوذوكسية في الشرق، وتكون سوريا ولبنان من حصة فرنسا ، وتحصل إنجلترا على العراق وفلسطين دون أخذ الوعود التي كانت قدأعطيت لشريف مكة في دولة عربية تضم بلاد الشام والحجاز ونقل الخلافة من الترك إلى العرب في شخص الشريف حسين بعين الإعتبار
الثورة البلشفية وتداخل الأوضاع :
بقيام ثورة اكتوبر 1917 م البلشفية فى روسيا، وإعلان الثوار خروج روسيا من الحرب بالإعلان عن قيام الدولة البلشفية عام1917 م..باتت دولتا بريطانيا وفرنسا صاحبتا المشروع. في كانون الثاني 1918 اعلن الرئيس الأمريكى ولسن أربعة عشر مبدأ كأساس لتحقيق السلام وعلى مبدأ حق تقرير المصير لشعوب الدولة العثمانية ، طلب الأتراك هدنة وقعت فى اكتوبر 1918، بعد هزيمة دول المحور وإنتصار دول الحلفاء. أجبرت المانيا على الإنسحاب من المناطق التي ىكانت احتلتها فى فرنسا وبلجيكا والبلقان وبولندا وأجزاء من غرب روسيا، واضطرت الى تسليم مستودعات الذخيرة والطائرات ومعظم قطع الاسطول وجميع الغواصات وبشروط مهنية. اجتمع المنتصرون بعد ذلك فى فرساى بباريس لاقرار الصلح فى العام التالى 1919 لكن التسوية كانت قاسية على القوى المهزومة وخاصة المانيا و كانت سببا لنشوب الحرب العالمية الثانية بعد عشرين عاما.
تداعيات الحرب
أعلنت بريطانيا الحماية على مصر لتصبح قاعدة حربية لقوات الحلف. تم تنفيذ اتفاقية سايكس- بيكو فأصبحت العراق وفلسطين تحت الانتداب البريطاني و تم الإعلان عن إمارة شرق الأردن بتعيين عبد الله ابن الشريف حسين أميرا عليها. وتم تفعيل معاهدات الحماية التي كانت بريطانيا قد عقدتها مع إمارات الخليج منذ مطلع القرن التاسع عشر ومحمية عدن منها ، ساعدوا أل سعود في إجتياح الحجاز والإعلان عن المملكة العربية السعودية (1932) بغرض إحداث توازن بين نفوذهم وبين الهاشميين في العراق وشرق الأردن . بينما كانت فرنسا قد بدأت بإستلام حصتها في سوريا ولبنان .قي حين توزع الشمال الإفريقي بين بريطانيا وفرنسا وإيطاليا ..
كردستان ضحية الموقع السياسي والجغرافي :
لا يمكن إعتبار كل تلك الإتفاقيات التي جرى توقيعها بين الدول الكبرى في الغرب حينها إلا حلقة من سلسلة تاريخية طويلة ، شهدنها المنطقة ، بحيث كانت أراضي كردستان والمناطق المجاورة لها ، لا بل الأكثر بعداً معرضة دوماً للغزوات والحروب ومنذ فجر التاريخ ، يعحز المرء عن ذكر أسماء الأقوام التي مرت على المنطقة وحصر الدول والإمبراطوريات التي أعلنت عن نفسها ، لكن السؤال هنا لا يتناول المسألة من هذا الجانب ، وإنما يستهدف الوصول إلى تلك النتيجة التي قد تقودنا إلى الإجابة عن سؤال هو المحور في هذه الدراسة .
لماذا لم تستطع شعوب المنطقة وهي صاحبةالشأن في القضية عن تغيير ما تم فرضه عليها جميعاً رغماً عن إرادتها وبما يتناقض مع ناريخ شعوب المنطقة؟ لماذا تم تجاهل إرادة الكرد وكانوا يشكلون كتلة بشرية كبيرة في جسم الدولةالإيرانية والعثمانية وكانوا موجودين على الساحة السياسية في المنطقة ولهم تأثير على . الأحداث التي مرت بها المنطقة برمتها؟
لماذا إتفقوا في مؤتمر سان ريمو وسيفر على تشكيل الدولة الكردية وتعيين كيان لها وبحماسة كبيرة رغم الخلافات بين الدول تلك على حجمها ومساحتها وحدودها .أسئلة تحتاج إلى أجوبة قد تفسرها ماكان قد حدث في العالم أنذاك من متغيرات .
كان لإكتشاف أمريكا ، ودخول أوروبا مرجلة التنوير الفكري وما شهدته من ثورة صناعية وعلمية وثقافية وما تبع ذلك من تغير في المفاهيم والمعتقدات والسلوك وطرق للتفكير، وتبدل في حياة الناس وأساليب عيشهم ، ومن فيض في الإنتاج ، وتكدس للثروات وحاجة إلى الأسواق ، ومصادر للطاقة والمواد الخام ، فاقت كثيراً تلك العوامل التي كانت تدفع بالدول سابقاً إلى الحروب والمنازعات ، فالقوى الإجتماعية الجديدة والمالكة للمال والثروات و الألة ، والسلاح الفتاك ، وأدوات النقل السريعة ووساءل التواصل أرادت تكوين العالم من جديد بما يتفق مع مصالحها بإستثمار ما كان قد ظهر على الساحة من مفهوم الوطن والدولة والمواطمة ، والحريات والبرلمانات تحت وطأة تأثير ثورات ساهمت ،في إدخال التعديلات والإصلاحات الجذرية في حياة الناس وعلاقاتهم الإجتماعية .
تناقضت مصالح أصحابها في القارة الأوربية التي كانت تضيق أمام كل هذه المتغيرات ، ، أخذت تتطلع إلى القارات الأخرى في محاولة إستهدفت إصلاح بعض الأنظمة في الشرق الذي رأوه ينازع أنفاسه الأخير ة كي تكون بلدانه قادرة على تلبية متطلبات الحداثة ، عبر تأسيس الشركات ، ومنح الإمتيازات وتحديث المواصلات والإتصالات وأنطو الدولة والقوانين ، بقصد الهيمنةالتي كانت قد بدأت تأخذ أبعاداً أخرى لها تحت أسماء مفاهيم الحداثة والتنوير ، ونشر المدنية والحضارة ، ومساعدة الشعوب المتخلفة على دخول عصرها بغية توفير شروط إدخال الجميع في عصر الحداثة الرأسمالية ،
جرى دعم تلك النخب في دول الشرق التي إستطاعت أن توفق بين مصالحها كنخب حاكمة من خلال دول قومية أنشأت لأول مرة ، وبين مصالح تلك الدول في النظام العالمي الجديد الذي تحركه مباديء الربح والخسارة .
يببدو أن النخب الكردية لم تكن قد وصلت إلى تلك المراتب التي وجدت فيها تلك الدول صاحبة القرار أنذاك في موضع يؤهلها بأن تكون في الموقع ذاته كما قدمت النخب الأخرى من الأقوام والشعوب التابعة للدولة العثمانية ، حيث إن أي تحليل للأوضاع والظروف التي مرت بها كل إنتفاضات الكرد ومنذ بداية القرن الثامن عشر وحتى مطلع القرن التاسع عشر ، ستقودنا إلى نتيجة واحدة تقول ، بأن الظروف الدولية كانت ناضجة ومتوفرة لقيام كرستان كبرى وربما أوسع من ألأرض التي ينتشر عليها الوجود الكردي لو أن زعامة تتوفر فيها الشروط ذاتها التي توفرت لزعماء أخرين من الشعوب الأخرى كانت قد وجدت ، وعلى سبيل المثال لا الحصر ، الدولة الصفوية ونشوئها ، والدولة العثمانية وتكونها . فالدولتان قامتا على مبدأ العصبية القائمة على المذهب والدين الذي جرى توظيفه بعناية ودراية ، وفي أعلى مستويات من الوعي الذي تحلت به تلك النخب ، حيث جرى ضم الكثير من أبناء الشعوب غير الفارسية إلى مشروع وحدة الأمة بمفهومها البسيط حين تمت الدعوة للمذهب الشيعي الذي كان يتناقض تماماً مع المشروع السني العثمانتي الذي كان عماد الدولة العثمانية وأهم مرتكزات وجودها الذي تم تسخيره لصالح دولة بني عثمان مقابل نظيره المسيحي الأوروبي الكافر .
إن أي تحليل أخر لتلك الإنتفاضات خارج سياق هذه الرؤية ، سوف يؤدي إلى نتائج خاطئة حين يتم حصر المسألة في جانبها الخارجي المتمثل بالأعداء ، والخصوم ، حين يتم القفز على حقيقة أن تلك الإنتفاضات الكردية ورغم أنها بدت وكأنها كانت تهدف إلى إنشاء الدولة الكردية كمشروع كان قد فرض نفسه على تلك النخب من الكرد ، الذين كانوا يتبوأون قيادة تلك الحركات والإنتفاضات ، دون أن يكون هناك سؤال سيفرض نفسه على أي باحث أو أي سياسي ،
هل كان ما يجري نابع من قرار كردي صادر عن إرادة حرة ، أم أن الدوافع والأسباب تلك يمكن ربطها بمكر ودهاء وخبث سياسات تلك الدول والحكومات التي كانت تحكم الكرد وتفرض عليهم من الظروف ما كانت تراه يخدم الدولة ومصالحها .
إن دراسة أي إنتفاضة تقدم لنا العوامل التالية التي لا يمكن تجاهلها ، وستؤدي بالنتيجة إلى إستخلاصات ونتاءج قد تفسر الحالة التي يمر بها الكرد و الكثير من الظواهر و الجوانب الحساسة التي أثرت ولا تزال تؤثر في تصرفات النحب السياسية والإجتماعية الكردية ، وفهمهم للقضية الكردية ، وطرق حلها . وهذا ما سنقوم به في دراساتنا القادمة بالتفصيل .
إن المتتبع لإنتفاضات الكرد وعلى سبيل المثال لا الحصر ،
الأمير محمد الراوندوزي ، الأمير بدرخان عبيد الله النهري ، ستقودنا إلى مشتركات في البدايات والمآلات والنتائج .
تم إستهداف بنية المجتمع الكردي من خلال هدم وتمزيق العلاقات الإجتماعية التي يستحيل دون توفرها الألتقاء حول هدف جامع في مستوياته الدنيا وأقصد بذلك الدوافع التي بغيابها لن تكون هناك إي إمكانية لتحول تلك العلاقات إلى شعور قد يتم الإرتقاء به إلى حالة الأمة أو القومية التي تقود إلى الإحساس بمصير مشترك ، وإلإلتفاف على الغايات والمقاصد .
جرى إستهداف الأسر التي كانت تحكم مناطقها بحكم الوراثة في العشيرة والقبيلة ذاتها ، و القضاء على زعامات العشائر الأخرى في الجوار مع خضوع وإنقياد أغلب تلك القيادات لتأثير الأفكار المذهبية التي تعود في الأصل إلى طرق ومذاهب صوفية كانت تتلقى دعماً وتأييداً من السلطات المركزي ولا يمكن فصل ذلك عن محاولات الدولة العثمانية المستمرة في التخلص من حكم الإمارات شبه المستقلة عن طريق توجيه حملاتها المستمرة ، والتي إنتهت على الأغلب إلى قتل وإعدام وتهجير ونفي تلك الزعامات عن مناطق حكمها ونفوذها .
يضاف إلى ذلك أسباب أخرى ومنها إنتقال السيادة من العشيرة والقبيلة إلى أشخاص ضمن العشيرة ذاتها أو إلى أسر أخرى خارج العشيرة بحكم إنتقال السلطة إلى الدولة التي كانت تقوم بفرض نفوذها على مناطق كردستان وتعدد تلك الحكومات وتلك السيادات كانت تفرضن زعامات محلية أخرى تكون أكثر طاعة للسلطات الجديدة أمر شهدته كردستان وإعتادت عليه النخب كما عامة الشعب إبتداء من الحكم العربي الإسلامي ومروراً بالسلاجقة وأنواع سلالاتهم وقبائلهم التي حكمت المنطقة من خوارزميين وغز ، ومغول وتتار ومماليك وعثمانيين وفرس
هذه كلها عوامل كان لها ولا يزال تأثير على طبيعة وبنية المجتمع الكردي وتكوين وعيه الذي بقي بعيداً عن التفكير في التأسيس للدولة والخلاص من حالة التبعية لدولة السلاطين أو الشاه ، ومن التبعية للمذهب الذي كان في خدمة السلطات المركزية الحاكمة وسلالاتها .
أما على الجانب الأخر والأمر يتعلق بما نجم عن الحرب العالميةالأولى وإنعكاساتها على شعوب المنطقة ، وعلى الكرد بصفة خاصة .
فأود الإشارة هنا إلى أن معاهدة ليست بريستوفيسك التي إنتهت بخروج روسيا البلشفية من الحرب ومن إتفاقية سايكس وبيكو ، كانت لها نتائج مدمرة على الكرد والنساطرة والأرمن حين تركتهم أمام مستقبل مجهول ، وفي قبضة الأتفاقيات السريةالتي تحكمت بها مصالح الدولتين البريطانية والفرنسية ، حيث أن إتفاقية سايكس بيكو ، كانت تنص على حصة لروسيا في أراضي أرمينيا وكردستان بما فيها الموصل
الإتفاقيات الأخرى التي تم توقيعها بين تلك السلطة والدولة التركية الكمالية أمنت فيها روسيا للدولة الكمالية السلاح والمعدات والذخيرة ، وكذلك الدعم السياسي في المحافل ،
الموقف الفرنسي المخزي والذي تنازلت فيه عن الأراضي التي كانت بحوذتها لتركيا بموجب إتفاقية أنقرة 1921م. والتي تخلت فيها عن كل ذاك السلاح في تلك المناطق بعد إنسحابها ، وأدى لاحقاً إلى هزيمة اليونان في إزمير وغيرها ، وإلى تنصل تركيا من كل تلك الأتفاقيات التي كان العثمانيون قد وقعوا عليها .
نجد أن تشكل دولتي العراق وسوريا أدخلتا القضية الكردية في حالة صعبة ، ومأزق خطير لازالت تداعياتها تؤثر على حياة الكرد وعلى الشعوب في تلك الدولتين ، وذلك حين جرى الإعتراف بحدودهما بصفة رسمية من القوى المؤثرة في العالم ، أضاع على الكرد إمكانية إعادة لم الشمل بين شعب توزع على عشائر وقبائل ومناطق فصلت بينها حدود لأول مرة في التاريخ . كذلك الأمر تم التأسيس لدولة تركيا وإيران لتزداد مأساة هذا الشعب وتتعرض أماله في لم الشمل والعيش كما إعتادت عليه في كل تاريخ سبق تشكل هذه الدول ، منذ الخلافة العباسية وما شهدته مناطق كردستان من ممالك وإمارات كردية كانت تتمتع بقدر كبير من الإستقلال الذاتي .
تحولت القضية الكردية بموجب تلك التفسيمات التي نالت من الأرض والشعوب العائشة فوقها إلى قضية داخلية في دولة الأمة القومية التي جرى تفصيلها وفق مصالح النظام العالمي الجديد ، والذي لا يزال يرى القضية الكردية من منظار التعامل معها ضمن إطار مشاكل المنطقة وقضاياها العامة والشاملة ، وهذا يضع الكرد والشعوب في تلك الدول ، والعالم الخارجي أمام قضية لا تزال تبحث عن حل لها في وقت أصبح الكرد اليوم يعون حجمهم ومكانتهم ودورهم الذي يجب أن يعاذل حجم التضحيات التي تم تقديمها في سبيل الحرية . في عالم لا يزال يبحث عن نفسه تحت وطأة المصالح والمنافع .
باحث في المركز الكردي للدراسات
المراجع والمصادر
http://www.palestineinarabic.com/Docs/lett_talks/Sherief_Hussien_Sir_Henry_McMahon_Letters_A.pdf
القبائل والزعامات القبلية الكردية في العصر الوسيط ، الدكتور زرزار صديق توفيق ، مؤسسة موكرياني – الطبعة الأولى 2007 .
الحديقة الناصرية في تاريخ وجغرافياكردستان ، علي أكبر كردستاني، منشورات أراس رقم 140 الطبعة الأولى أربيل .
الأيوبيون والمماليك _ قاسم عبدة وعلي السيد علي ، عين للدراسات والبحوث .
سلسلة مشاهير الكرد _ المدونة الشخصية للدكتور أحمد الخليل .
شرف خان البدليسي. شرف نامة ج2. بغداد 1962م.
عباس العزاوي ، تاريخ العراق بين إحتلالين ج3 . بغداد 1939 .
رحلة أوليا جلبي في كردستان ، ترجمة رشيد فندي ، الطبعة الأولى 2008 .
الإمارات الكردية في العصر العباسي الثاني ، الطبعة الأولى .د فرست مرعي . أربيل. 2005
اليزيديون في سوريا وجبل سنجار ، روجيه ليسكو ، التاشر. المدى 2007 . أربيل .
الحركة القومية الكردية . نشأتها . تطورها . وديع جودة ،دار أراس للنشر. 2013
الكرد شعب بدون دولة. الفارابي وأراس ، الطبعة الأولى 2014
المأساة الكردية ، جيرالدجالديان . دار أراس ، الطبعة الأولى 2007
نبيل زكي ، الأكراد . الأساطير والثورات والحروب .
الدول المستقلة في المشرق الإسلامي ، د . عصام الدين عبد الرؤوف الفقي ، دار الفكر العربي 1999م .
القضية الكردية وحل الأمة الديمقراطية . أوجلان . مطبعة آزادي ، الطبعة الثانية . 2014
السلاجقة ، تاريخهم السياسي والعسكري ، د . محمد عبد العظيم يوسف ، الطبعةالأولى
الحركة الكردية في العصر الحديث ، مجموعة من المؤلفين . 2001 م . الطبعة الثانية 2012 . ترجمة د . عبدي حاجي ، مطبعة خاني . . موسوعة إيران السياسي – د . حسن الجاف ، الطبعة الأولى 2008 . المجلد الثالث .
المركز الكردي للدراسات[1]