ما يحتاج إليه جنوب غربي كردستان - الجزء الثاني
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 5523 - #17-05-2017# - 18:30
المحور: القضية الكردية
خرجت الأحزاب الكردية من رحم تلك البيئة، تشكلت في ظاهرها لخدمة القضية، وامتصاص آلام الشعب، لكن في الواقع سخرت السلطات الإقليمية نضالهم منذ البدايات لأجنداتها، عن طريق المربعات الأمنية المهيمنة، أجبروهم لخدمتهم على مدى نصف قرن، نفذوا إملاءاتهم، والشعب الكردي كان آخر من استفاد من نضالهم، ولربما الشيء الوحيد الذي يحسب لأحزابنا، هو الحفاظ على وجود حركة سياسية كردية، هزيلة منقسمة على بعضها، وكانت هذه بحد ذاتها سلبية مرعبة، أظهرت للعالم ضعف الشعب الكردي الذي تم قياسه على مقاس قدرات أحزابه.
وعلى مر نصف القرن الماضي، استطاعت السلطات المحتلة لكردستان تقزيم النضال الكردي، وتشويه اسمه داخليا وفي المحافل الدولية، وهو ما أدى بالقوى الكبرى إلى إهمال قضيتنا ولغايات، منها تسهيل استخدامنا كأدوات ترهيب دائمة في وجه القوى الإقليمية، فكلما أرادت أن ترضخها لأجنداتها، حركت جهات كردية، ودعمت أحزاب سياسية، وكثيرا ما تدخلت في إثارة ثورات، تمديدها أو تقصيرها بدون نتيجة إيجابية، وهكذا كنا نحن الكرد والأحزاب السياسية أدوات للقوتين الإقليمية والدولية، وهذا ما نحن عليه الأن، ونعانيه اليوم، معظمنا ندرك إشكالياتها، لكن لا نزال لا نعلم كيف نأخذ عبرة أو درسا من ماضي أجدادنا، أخطاؤنا هي ذاتها بأساليب تتماشى والحاضر السياسي - الدبلوماسي.
صراعاتنا، وتحالفاتنا مع الأطراف الإقليمية، لم تختلف عبر جميع المراحل، بدءً من تلك التي تمت فيها تكون الكيانات المقسمة لكردستان، إلى الصراعات الجارية بيننا والتي تشمل كل الأجزاء الكردستانية، وتتفاقم في جنوب وجنوب غربي كردستان. لا تزال كل جهة تخدم أجندات قوى إقليمية، أو تفرض علينا، محاربة الطرف الكردي الأخر، وبها يتم تناسي صراعنا مع أعداءنا، والكل له حججه، ومسوغاته، ونظرياته في صحة مواقفه، ووطنيته وحبه لكردستانه، ومعظم هذه الشعارات والتلاسن، ومصطلحات التخوين، تمر من خلال قنوات المربعات الأمنية، والإخوة في الأحزاب أو الشريحة الثقافية الملتزمة، يبررونها بأنه تكتيك، أو تعامل مع الظروف، أو سياسية التعامل مع الواقع، وللأسف جميعها تحوم خارج المصالح الكردية، وإن جندت بعضها لخدمة الشعب، فهي للتغطية على أجندات الأنظمة المحتلة لكردستان، والكردية منها لا تبتعد عن ترضية بسيطة، أو لامتصاص القليل من النقمة الداخلية. والغريب أنه من النادر جداً من يقدم البديل أو حلا متكاملا ومدروسا لهذه الأحزاب، إلى جانب النقد الكثير والتهجم، على الأقل لتحريرهم من الهيمنة الخارجية.
وذلك لأن واقع حركتنا الثقافية الكردية ليست بأفضل من الأحزاب، فتحت حجة عدم السكوت على الحق، نحن منقسمون إلى طرفين متصارعين، والطرفان منقسمان بذاتهما إلى مثقفي الداخل والخارج، هذا الانقسام الأخير الذي حاولت السلطات عن طريق قوى كردية إثارتها، وجعلها قضية خلافية رئيسة ضمن الحركة الثقافية، في بدايات الثورة السورية، وقد وقفنا سابقاً على هذه الإشكالية مطولاً، ونبهنا بأنه للداخل الحق معالجة القضايا بمقتضى ظروفه، ومتطلبات الواقع المعاش، والمهمة الرئيسة تقع على الحركة في الخارج، وعلى الشريحة المستقلة رأياً، من تنوير الدروب للحركة السياسية، إلى إيجاد سبل التحرر من إملاءات القوى الإقليمية، والتركيز على نقاط التقاطع وحثهم عليها.
اللافت للنظر، أن الطرفين المتنازعين، أو المنحازين، يستخدمون نفس المصطلحات والاتهامات ونوعية التلاسن، ولكل جهة مصطلحاتها، والغريب أن الشريحتين مقتنعتين أن نهاية الطرف الأخر قريبة، يبنونها على قراءات معظمها خاطئة، إما لقصر النظر والتنظير، أو على خلفية الالتزامات الحزبية أو لعداوات شخصية: بدءً من التحركات الإقليمية والدولية في المنطقة، إلى تقييمهم لعلاقاتهم مع تلك القوى، وتأويلها حسب مزاجيتهم وليست مصالحهم، إلى تضخيمهم لآراء مؤيديهم، وتقييمها وكأنها رؤية كلية الشعب الكردي، والطرفين يتناسون حقيقة شبه مطلقة، وهي بأنه لن يكون لأي منهم نهاية، حتى بعد انتهاء الدول الإقليمية والدولية من أجنداتها، لأنهم سيحتفظون بهم أدوات تحت الطلب، وإن حلت الظروف للتخلص من أية جهة ستكون على الأغلب نهاية للطرف الأخر أو في أفضل حالاتها ضعف مذل، كما كانت عليه الأحزاب في ظل المربعات الأمنية. وعليه فمن الضروريات القومية والوطنية بل وحتى الحزبية، البحث عن نقاط التقاطع والاتفاق، والعمل معا تحت بنود معينة، لمواجهة الأخطار وبلوغ الهدف، وخارج هذه المعادلة، فأية خدمة للأحزاب أو تأييدهم أو دعمهم، تكريس لهيمنة القوى الإقليمية، وخدمة غير مباشرة لأجنداتهم.
عندما نضع أمام أعيننا دائما، أن الأنظمة المحتلة لكردستان، هي التي تحدد من أمكانيات الحركة الكردية بشكل عام، وتضعف دور الشريحة الرائدة منها، والمؤدية إلى هزال عام للسياسية الكردية في غربي كردستان ومن ضمنها الأحزاب، وهي التي تعتم على الرؤية السياسية، وتضعف الإمكانيات المادية، وهي التي حظرت علينا الخبرة الدبلوماسية، وقزمت إعلامنا، وفاقمت من خلافاتنا، الداخلية وسوية ارتباطاتنا مع الدول الكبرى، وغيرها من المصاعب، ستتوضح لنا، خلفية تعامل الدول الكبرى معنا بهذا الحذر، وحساسية مصطلحاتها المريبة عنا كشعب وحركة. رغم إدراكهم للقوة الكردية الخام الهائلة والتي لانزال لا نعرف كيفية استغلالها، ومحاولة الاستفادة من الظروف الدولية الجارية والمناسبة!
فمنذ أن تمت اللقاءات الأولى بين قوات الحماية الشعبية وبعض الضباط الأمريكيين، وعلى خلفية أسطورة كوباني، وحتى اليوم لم ترفع وزارة الدفاع ولا الوزارة الخارجية الأمريكية من سوية مصطلحها (المتمردون) عند تسميتها للقوة الكردية التي تحارب داعش، علماً أن معاركها وعلى مدى السنتين الماضيتين، تخدم أجنداتها قبل أن تكون دفاعا عن أرض كردستان، وحتى عندما يذكرون كلمة حلفائنا يلحقونها بالمتمردين فيقولون (حلفائنا المتمردون الكرد) لا شك لهذه دلالات مستقبلية غير مستحبة وضبابية، يمكن تأويلها بأنها نابعة من ضعفنا، أي العامل الذاتي، وترضية مباشرة لتركيا، حليفهم الاستراتيجي، وأن السلطة الذاتية الكردية السياسية لا ترضي مطامحهم أو لن تدفعهم إلى الاعتراف السياسي بها، بدون تغييرات جذرية، تتلاءم وقوة الشعب الكردي، والفكر الأمريكي واستراتيجيتها، وعليه تحاول دائما تطمين حليفتها تركيا، وستظل إلى أن نخلق قوة كردية متفقة.
فإذا ظلت الإدارة الذاتية على هذه النوعية السياسية، والانفرادية في السلطة، وإذا استمرت القوة العسكرية حاملة الإيديولوجية الحزبية، دون الوطن الكردستاني ومشاركة الأطراف الأخرى من الكرد، أي إذا ظلت ضد تشكيل القوة الكردستانية حتى ولو شكلياً، ولم تحاول التحرر من هيمنة الهلال الشيعي، وخاصة سلطة بشار الأسد، وحيث الظروف الدولية الأكثر من الملائمة، فالمستقبل أكثر قتامة من المتوقع.
وإذا كانت وزارة الدفاع الأمريكية توصف القوة العسكرية الكردية ب(المتمردين) فماذا سيكون وصفها للإدارة السياسية الكردية التي لا تتعامل معها حتى اللحظة؟ وحيث الاعتقالات السياسية للمعارضة الكردية جارية كأي سلطة استبدادية في المنطقة، وتصعيد التخوين يثار بين حين وآخر، ضد أطراف كردستانية تتعامل معهم أمريكا. ولا يستبعد أن تصريح وزير الخارجية الأمريكية مؤخراً كان انعكاس لهذا الواقع، عندما ذكر أن الإدارة الأمريكية ستكون أقل اهتماما على التجاوزات التركية لحقوق الإنسان والصحافة، بعد تهنئة ترمب لأردوغان بنجاحه في الاستفتاء، حتى ولو أنها درجت كبادرة لترطيب العلاقات، لكن التصريح تبين بأن ما يجري في تركيا ليست بأقل مما يجري في المنطقة الكردية حيث الإدارة الذاتية، فلماذا ستفضلها على حليفها الاستراتيجي التاريخي!
يتبع...
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]