أين إيجابيات الصراع الكردي-الكردي 1/2
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 5345 - #16-11-2016# - 17:02
المحور: القضية الكردية
لم نتناول يوما الحقيقة المؤلمة (الخلافات الكردية –الكردية) إلا من صفحاتها السلبية، ولم نحاول أن نحلل ونؤل الوجه الآخر له، وما يمكن أن ينتج عنه، لأننا وفي معظم استنتاجاتنا جزمنا وبالمطلق أن أحد أهم أسباب الواقع المأساوي للشعب الكردي، وعلى مر التاريخ الماضي، هي صراعاتنا الذاتية اللامنتهية، ولم نحاول التنقيب عن إيجابية ما في هذه الجدلية، بالإمكان تسخيرها لصالح قضيتنا، أو نستخدمها على مبدأ نظرية صراع الأضداد، تسندنا لبلوغ هدفنا القومي، بعد فشل الدروب الكلاسيكية.
لا شك فهمنا الخلافات، والتي بلغت سوية الصراعات، بأنها حالة سلبية بمطلقها، وهكذا تقبلناه نحن الكرد، متناسين بأنه ربما لجدلية الصراع أوجه غائبة، وعلينا التنقيب عنها ودراستها لبلوغ نتائج إيجابية. نحن هنا لا نود أن نتجول في شعاب النظرية، للمقارنة، بقدر ما نود أن نبحث في واقع الصراع الكردي أو الخلافات المتصاعدة، بين الأحزاب الكردية والكردستانية، والحركة الثقافية، وبين القراء والكتاب، وبين الإعلام والمواقع الكردية، وبين المجتمع على الصفحات الاجتماعية. والمتعمق في كل هذا، سيجد أن الحروب بين الكرد أبشع من حروبهم مع الأعداء، وهي لا تقل فظاعة عن الحروب الجارية في المنطقة، والتي نرجح أن معظمها ناتجة تحت تأثير القوى الخارجية، والمستغلة السذاجة الكردية، وبالتأكيد في حالاتها السلبية. ونحن هنا نطمح بالتنقيب عن الحالات الإيجابية، وإحدى أهم إيجابياتها، أن الجدلية تحافظ على الشخصية الكردية السياسية، مثلما حافظت تاريخيا على الوجود الكردي، ولم يسمح طرف للطرف الأخر بالإذابة في القوى الإقليمية المسيطرة، مثلما لم يسمحوا لذاتهم القومية بالإذابة في الشعوب المهيمنة، كما حدث لأغلبية الشعب الأمازيغي أو القبطي أو السرياني أو الكلداني في العربية لغة والعروبة قومية، أو قسم من البلغاريين واليونانيين واللاظ بين الأتراك.
ولتكون الفكرة أوضح، لا بد من البحث في مصادر الخلافات، وخاصة التي تؤججها القوى الإقليمية بين أطراف الحركة الكردستانية، لتقزمها وتضعفها، وهي من إحدى أهم أجنداتها، وكرد فعل، أو لمواجهة هذه الخباثة، يتطلب من الجميع ألا يتدخلوا في شؤون الطرف الكردي الأخر، وتترك كل طرف الجهة الأخرى السير في ركب الاستراتيجية المفروضة عليها، أو التي اختارتها، وتستخدم تكتيكاتها، وتتقبل النقد من الجهة الأخرى، وبالمقابل أن تحصل على معاملة ديمقراطية مماثلة، في دروبها المرسومة لها، علها تكون الأنسب. والأهم هنا الإبقاء على بعض أبواب الحوارات مفتوحة، وإلغاء منطق القطيعة، وعدم السماح للقواعد الحزبية تأجيج الصراع، وإلهاء المجتمع الكردي بمعارك كلامية داخلية، والمعنيون بالأمر هنا أولاً، هولير وقنديل والسليمانية، قبل الأطراف الحزبية التابعة أو حتى المستقلة (إن كانت موجودة) مثل الصراعات الجارية في جنوب غربي كردستان، ومنطق الإلغاء حيث السلطة والقوة. وليت هذه الأطراف تدرك أن التصاعد الكردي، في الواقع الفعلي، ظهر على خلفية نسبتهم الديمغرافية في المنطقة وامتدادهم الجغرافي قبل أن تكون بتأثير من حراكهم السياسي ونشاطاتهم الدبلوماسية.
لا بد وأنه في عمق خلافاتنا تهدر طاقات وتغيب أخرى عن الساحة، ولربما في إيماننا الأحادي الجانب يتفاقم النقصان، وتتعتم الرؤى، وليست هذه فقط تعيقنا عن اللحاق بمسيرة الشعوب المجاورة، بل الإيمان المطلق بسلبية الخلافات تفاقم من المصيبة، ومثلها القوى التي تخرج من حلبة الصراع وتكتفي بالعزلة وتترك الطرفين لتصعيد السلبيات، ولا يحاولون خلق البديل الإيجابي من خلافاتهم.
ومن النادر أن نجد على الساحة السياسية أو الثقافية الكردية رائد يتقبل النقد، ولا نقول التهجم، بمنطق الإيجابية، ويحاول التغاضي عن سلبياتها أو يترفع السقوط في مستنقعها، ويبين للكردي الأخر بأنه أثناء أو بعد النقد لم يخسر روح التحاور مع الناقد، أو الناقد مع المنتقد، كصديق أراد الخير له، أو لربما يريد تصعيد نتاجه، والمطروح لم يكن من عنت أو عداوة، ولربما خدمة بسطت له فيها رؤيته. والفردية هنا تجر وبنفس المقاييس على الحركة الكردية والكردستانية السياسية والثقافية، واحتمالات تأثير مواقف الحركة على الأفراد أعمقه، وبالإمكان أن تكون مدرسة لتلقين هذا النوع من التعامل بين المجتمع الكردي، وهنا تكاد أن تغيب دور النخبة والنهوض بالحركة ووضعها على سوية قيادة المجتمع بشكل سليم، لا للتهجم عليها وتقزيمها وتحطيمها، وحتى لو افترضنا جدلاً أن جميع الأطراف السياسية تمكنوا من تذويب بعضهم، أو تمكنا من القضاء عليهم، فالبديل لن يكون بأفضل من الموجود، لأن البنية التحتية الثقافية والمفاهيم هي ذاتها، فنحن من قاموا بإذابتهم نحمل الثقافة ذاتها، وبنيتها سهلة للقوى الإقليمية التغلغل في ثناياها، لذا علينا تغيير ذاتنا قبل تغيير الحركة.
الاحتمالات في الواقع الكردي والكردستاني لم تعد لها حدود، على خلفية خلافاتنا، والتي نجرف بها بعضنا وبدون هوادة إلى مستنقع الضياع، فالجاري بيننا كنخبة ثقافية وسياسية، وعلى مستوى الحركة، تبعدنا من كل احتمالات بلوغ الغاية أو التحرر من الإملاءات الإقليمية، والضعف أمامها، أو التخلص من وباء الرهبة من النقد. لا نكتفي بتقبل الضعف والأوبئة المستشرية فينا، بل نغرسها في شرائح واسعة من المجتمع، لنزيد من احتمالية السقوط ثانية بعد الصعود، والعودة إلى زوايا النسيان بعد الحضور الدولي واعترافات ما بالحركة الكردية، ونسهل من ظهور احتماليات انتقال الأعداء من حالة حبك المؤامرات والمواجهة المباشرة وتشويه تاريخنا، إلى الاكتفاء بالنظر إلينا ونحن نصارع بعضنا، ويتلذذوا ونحن ننتقل من التلاسن على بعضنا إلى التخوين ومنتظرين عودتنا لنسيل الدماء، والأمثلة فاضحة في تاريخنا. وفي الواقع الفعلي التصاعد الكردي ظهر على خلفية نسبتهم الديمغرافية في المنطقة وامتدادهم الجغرافي قبل أن تكون بتأثير من حركتهم السياسية...
يتبع...
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]