من شنكال إلى صلاح الدين دمرتاش 2/2
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 5339 - #10-11-2016# - 20:30
المحور: القضية الكردية
قبل أن تثير تركيا قضية وجود العمال الكردستاني في شنكال، صرحت بأنه لديها خطط بديلة في حال تم رفض مشاركتها في عملية الموصل، وبدأت بعدها بتهديد الحشد الشعبي، ونوهت إلى التاريخ الذي لم تقبله تركيا الكمالية في العشرينات من القرن الماضي، وأتبعتها قضية ال ي ب ك في غربي كردستان، والمنطقة الفاصلة بين عفرين والجزيرة، وألحقت بها قضية تحرير الرقة، وهددت باحتلال المدن الموجودة في شمال حلب، من أعزاز إلى الباب، والإدارة التركية، بلا شك، تعرض كل نقطة بدراية وحنكة سياسية، ولها منها غاية، حتى وعندما تخرجها من إطارها الدبلوماسي.
وعندما تماطلت أمريكا ولم تجد الموافقة الكاملة لعروضها، اتجهت إلى تفعيل القضايا الداخلية، والمرتبطة بالقوى التي تدعمها أمريكا بشكل غير مباشر، وهي ضرب الحركة السياسية السلمية، وخاصة المحسوبة بشكل أو آخر على الأمريكيين، الكرد بعد جماعة غولان، وصعدها إلى سوية اعتقال أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي في البرلمان التركي، وفي مقدمتهم صلاح الدين دمرتاش، والسيدة فيغان يوكسيك داغ وتسعة برلمانيين آخرين، تحت صفة محاربة إرهاب العمال الكردستاني، أو بشكل أدق، في قضية امتناعهم الإدلاء بالشهادة أمام القضاء في تحقيقات متعلقة بقضايا الإرهاب، وهم يحملون الحصانة الدبلوماسية، ويقال بأنه تم سحبها منهم سابقاً لهذه الغاية، مع ذلك وكما قالها صلاح الدين دمرتاش لمجلة السياسة الخارجية الأمريكية، قبل شهور، بأن حكومة أردوغان قد ترفع في حقه وحق أعضاء حزبه بحدود 500 قضية، منها102 قضية قد تؤدي إلى حكم الإعدام لمرتين، و600 سنة سجن.
لا شك أن العالم بدأت تركز الأنظار إلى الانحراف الحاد في الديمقراطية التركية، وتتهمها بالسقوط في نظام سياسي توليتاري، وتربطها مباشرة بشخصية أردوغان ونهج حزب العدالة والتنمية، فقد أصبح البعض يسميها حزب الإخوان المسلمين، وهو في منصب رئيس الجمهورية وحسب الدستور التركي صلاحياته أقل من أن يتحكم بالمسيرة السياسية، لكن في الواقع العملي قلص سلطات رئيس الوزراء قبل أن يعدل في الدستور، وبدون موافقة الشعب، ويتعمق في بناء نظام شمولي استبدادي بكل مواصفاته، وكرد فعل بدأت بعض الأحزاب التركية القومية تنظر إلى قضية اتهام العمال الكردستاني بالإرهاب بنظرة مغايرة، وتشكك في الحكم السابق، ليس حباً بالكرد أو العمال الكردستاني بقدر ما هو كره أو خوف من أردوغان وحزبه الإسلامي.
وكل هذه القضايا المثارة أوراق سياسية، وعسكرية تخدم إدارة أردوغان بشكل أو آخر، ولهدفين: استراتيجي، وهي الطموحات التاريخية للقوى السياسية التركية بإعادة الماضي الجغرافي، وترأس الحلف السني في العالم. وتكتيكي آني، إلى جانب رغبته في تعديل الدستور إلى نظام رئاسي، ومساعدة المنظمات الإرهابية ومن ضمنها داعش إلى أن تبلغ أهدافها، علما بأن أردوغان في العديد من تصريحاته، وكذلك تصريحات رؤساء إدارته، لا يخفون الحقيقة حول أحلامهم التاريخية، وورقة شنكال، كجغرافية وليس كشعب، تعتبر بداية الحلقة التي أدت إلى تغييرات مثيره في داخل حزب العدالة والتنمية، خاصة وأن جغرافية شنكال تندرج ضمن الميثاق الملي، التي ترفض الاعتراف بحدود دول سايكس بيكو الحالية.
سبقت مجريات هذه الأحداث، تقلبات نوعية في الإدارة التركية، شهور وهي لا تقف على سياسة، ولا توضح نهجاً في مواقفها، البعض يجدها خدع لتصفية الأعداء، والبعض يراها اضطرابات تسبق حالة الإحساس بانهيار قادم، ولا يتجاوزن منطق العداء لشخصية أردوغان، فهل يعنون سقوطه كطاغية، أم سقوط نهجه؟ وبالتالي انهيار أحلامه. وهل اقتنعت القوى الداعمة لهذا النهج إنها فشلت في تسييده على العالمين العربي والإسلامي؟
وعلى خلفية هذه التغييرات المتسارعة ضمن الإدارة الأردوغانية، وفي الداخل التركي، والتي أصبحت تتعرض دوليا إلى انتقادات قوية، وفي مقدمتها، بأنها تنتهك الحريات ومنها حرية الرأي والصحافة، وقضية اعتقال البرلمانيين الكرد ستفاقم من الانتقادات الدولية وخاصة الأوروبية، وكرد فعل تصاعدت لهجة أردوغان، ضمن حزبه قبل الخارج، وتم تجميد أو عزل البعض من أقرب أصدقائه في الحزب وبهدوء، أمام مراقبة القوى السياسية، الداخلية، والإقليمية، كما وأتبعتها تغيرات في علاقاته الدولية، وخاصة مع الناتو والدول الأوربية، وذلك بالتنازل لروسيا عن الكثير مقابل تجاوز الخلافات المتصاعدة بينهما، ولا شك تركيا حصلت على بعض مطالبها مقابل ذلك.
وفي الحيزين، الداخلي والخارجي، لا يضع عنواناً لحروبه الإعلامية والسياسية، غير الإرهاب، اتهام القوى المعادية له بدعم أو مساندة أو التغاضي عن تجاوزات المنظمات الإرهابية، ويوجه أصبعه إلى بعض الدول الأوروبية وأمريكا، وفي الداخل، وبشكل صارخ، إلى حزب الشعوب الديمقراطي، والتي على أثرها تم اعتقال أعضاءه البرلمانيين، كما ويتهم ال ب ي د الحزب الكردي في سوريا، وقواته العسكرية بأنه فصيل تابع للعمال الكردستاني. وفي هذا المجال، وضحت تركيا من خلال تصريحاتها المتواصلة، بأنها لا تميز بين القوات الكردية الموجودة في غربي كردستان أو القوات الكردية الإيزيدية في شنكال.
وكجدلية سياسية مقارنة، في تنديدنا للإدارة التركية، حول تدخلاتها في كل ما يخص الشعب الكردي في الخارج، ومطالبتنا لها بمعاملة الشعب الكردي بنوع من الديمقراطية، ووقف ممارستها الاستبدادية بحق السياسيين الكرد في الداخل، ومن ضمنهم قضية اعتقال البرلمانيين الكرد، لا بد لنا من عرض تلك المطالب أمام الإدارة الذاتية أيضاً، في جنوب غربي كردستان، والتي هي تحت سلطة حزب ال ب ي د، والتي تمارس أسلوب تركيا ذاته في تعاملها مع الأحزاب الكردية المعارضة لها، وتستخدم نفس الطرق أو المشابهة لها في الاعتقالات العشوائية للسياسيين الكرد بشكل خاص. ولا يهم إن كانت تقوم بها تحت إملاءات سلطة بشار الأسد؛ أو بقرارات ذاتية، وهذا الاحتمال ضعيف، وإن كان فهي أبشع، لكنها وفي الحالتين، عليها أن تظهر للكرد وللعالم الوجه الديمقراطي المطالب من إدارة أردوغان أن تمارسه مع الكرد في شمال كردستان، وإلا فالانتقادات الموجة لحكومة العدالة والتنمية هي ذاتها التي يجب أن توجه سلطة ال ب ي د في غربي كردستان لذاتها، وبدونها على الأغلب تدرك ضعف انتقاداتها في هذا المجال، وفي هذه الحالة فالمنتقد من السهل الرد بالمثل، فالذي يطالب بالديمقراطية والعدالة والحرية السياسية يجب أن يمارسها بذاته، لتصبح كلمته قوية ومسموعة.
لا شك صفة الإرهاب في كل مجالاته حالة نسبية تتدخل فيها العلاقات الدولية والأجندات والمصالح، والقوي بإمكانه أن يتهم من يريد بالصفة التي تلائمه، وسلطات الدول المحتلة لكردستان على دراية كافية بهذه التهم، ومداخلها ومخارجها، والموجهة لصلاح الدين دمرتاش والبرلمانيين الكرد الأخرين، استبداد سياسي، وتجاوز أخرق للمبادئ الديمقراطية، وهي من ضمن السلسلة التي بدأت منذ عقود من الزمن ضد الشعب الكردي، وخلقت كارثة أل 74 للكرد الإيزيديين في شنكال. و الذين كانوا ولا زالوا يمارسون الإرهاب بحقهم تحت حجة الدين، هم نفسهم الذين يمارسونها وبحجج أخرى ضد الشعب الكردي عامة، إن كانوا مسلمون سنة أو شيعة أو مسيحيين، أو من أي دين، والخدع في هذا تنوعت، لبلوغ غايتهم، من حيث تمزيق المجتمع الكردي على مبدأ العقيدة، وقد نجحوا في كثيره، وتمكنوا من خلق هوة مظلمة بين الكرد والكرد، على منطق الدين، ما بين الإيزيدي والمسلم، فأصبح من السهل الوقوع في خطأ تاريخي- قومي، والخلط بينها وبين الديانة، وأيهما الأصل، وإطلاق مصطلحات غير منطقية تقديرا لشعور بعض الإخوة الإيزيديين، علماً أنه تحريف لجدلية عراقة الرباط التاريخي ما بين العرق الكردي؛ والديانة الأزداهية، فإلغاء الجدلية انتقاص للطرفين. وللأسف فالأعداء، ينخرون في مثل هذه القضايا، ويتقدمونا بعقود من الخباثة والمكر، فمثل هذا التشيت، والاعتقالات السياسية على مبدأ الحزب دون الشعب الكردي، فعلوها سابقا، وخلقوها وبخطط مدروسة، وفصلوا الأحزاب عن بعضها وعن المجتمع الكردي، وعن السياسية الكردستانية، وعملوا، على الفصل بين الأجزاء الجغرافية الكردستانية الأربع، وما يجري اليوم بين القوى الكردستانية من التلاسن، والتخوين، وعدم دعم الكردي الأخر في محنه، وغيرها من القضايا المصيرية، ونجحوا في كثيره، بسبب ضحالتنا في معرفة مقاصدهم ومخططاتهم، وخباثتهم، وهي المؤدية إلى ديمومة ضعفنا ومن ثم عجزنا الوقوف بدراية أمام ألاعيب السلطات الإيرانية والتركية؛ والعراقية؛ والسورية والدول الإقليمية الأخرى المعادية للكرد، والمتشابهة في الغايات والأهداف، وإن اختلفت الأدوات والأوجه والأساليب.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]