من شنكال إلى صلاح الدين دمرتاش 1/2
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 5337 - #08-11-2016# - 10:18
المحور: القضية الكردية
كارثة شنكال أعلى بكثير من عملية ربطها بضعف أو تخاذل القوى الكردية، بل هي تندرج ضمن مؤامرة إقليمية تتجاوز جغرافيتها الدينية والقومية والسياسية، كانت موجهة نحو جميع شرائح المجتمع الكردستاني، فأصبح الشعب الإيزيدي والمسيحيين الضحايا الأسهل، دينيا أولا وجغرافية أو عرقيا ثانياً، وعلى الأغلب كانت الكارثة مفتاح الدخول إلى المساحة السياسية الكبرى، مثلما جرت وعلى مدى التاريخ الماضي الغزوات ومن ثم الفرمانات مسيرات متتابعة للقضاء على الكرد الإيزيديين والزرادشتيين والصابئة والمسيحيين واليهود وغيرهم، لاستبداد ديني إسلامي؛ وعربي قومي، وكارثة شنكال الأخيرة أكدت بأنها لا تزال جارية حتى اللحظة. وقضية الاعتقالات الجارية في تركيا بحق السياسيين الكرد من حزب الشعوب الديمقراطي، حلقة من السلسلة المتفقة عليها إقليميا، قبل أن تبلغ قضيتهم سوية اعترافات القوى الدولية، علماً وفي الواجهة الإعلامية حاولت معظم القوى الإقليمية، الإيرانية والعربية والتركية، بخباثة، عزل كارثة شنكال الدينية الإيزيدية عن القومية الكردية، وتسخيرها لأجنداتها، مثلما تفعله حكومة أردوغان، بعزل، اعتقال البرلمانيين الكرد واجتياح غربي كردستان، عن القضية الكردستانية. وفي الطرف الأخر سقطت القوى الكردستانية وبسذاجة أو تحت إملاءات إقليمية ولمصالح حزبية في هذه المؤامرة، ولا تدرك أنها سلسلة حلقات لا تنقطع، أهدافها القضاء أو تهميش قضيتهم، وكانت قبل شنكال ولن تنتهي باعتقال البرلمانيين الكرد في تركيا، أو شنق جميع الشباب الكرد المسجونين في دولة أئمة ولاية الفقيه.
فالسلطات المستعمرة لكردستان والمتآمرة معها، لم تكتفي بأنها لم تقدم خدمة إنسانية تليق بجزء من المعاناة التي يعيشها الإيزيديون والمسيحيون في المنطقة والمهاجر، بل تسابقت على من سيستفيد من انعكاسات الكارثة، ومن سيحتل الجغرافية التي أصبحت شبه خالية من شعبها، ومن سيرفعها كورقة سياسية في الأروقة الدبلوماسية العالمية، وتسخيرها للضغط على الأطراف الأخرى، وكل سلطة جرت ورائها القوة الكردية المناسبة، لضمها إلى لعبة مصالحها كأدوات سهلة الاستخدام، وأجبرتها لتصارع بعضها على المنطقة، كجغرافية، مستغلين البقية الباقية من الشعب الإيزيدي فيها، وهنا صمتت الحكومة العراقية وبأوامر من أئمة ولاية الفقيه، ليحصر الصراع بين الكرد ذاتهم، وبالمقابل كان التصعيد الأردوغاني ضد كل من له علاقة قريبة أو بعيدة مع العمال الكردستاني تحت حجة الإرهاب أو ما يرتبط به، بدءً من تهديد شنكال إلى اعتقال 11 برلماني من حزب الشعوب الديمقراطي وبينهم زعيمي الحزب، مرورا بإثارة قضيتي الموصل والرقة، وقوات الحماية الشعبية في غربي كردستان.
هستيريا إدارة أردوغان ليست حاضرة اللحظة، بل تزامنت مع إدارة المالكي، رأس حربة الهلال الشيعي حينها، عندما كان في رئاسة الوزراء، والذي كان قد حصر في يده عدة حقائب وزارية، ألتقيا عند غاية تقوية داعش، والطرفان بشكل أو آخر، راقبا إلى أي مدى ستنتصر جحافل هذه المنظمة التكفيرية في تدمير التصاعد الكردي، وكانت في مقدمتهم كخطوة تكتيكية مذهبية، وإعادة لتاريخ الغزوات الإسلامية العربية الأولى، اجتياح الشعب الإيزيدي، ليستخدموا الكارثة التاريخية كوقود لجلب انتباه البشرية إلى المنظمة الإسلامية السنية التكفيرية، والتي في عمقها كانت تأخذ دعمها من قادة المذهبين الشيعي والسني، وكل جهة كانت تدفع بها إلى الهدف الذي تبتغيه، وحينها صمتت جميع القوى الإقليمية، ومن بينهم أردوغان، وأئمة ولاية الفقيه ومعهم قادة الخليج وعلى رأسهم قادة المبعث الإسلامي(السعودية) ومن بعدها تمتنت حلقات الاتصال السرية بين هذه القوى و قادة داعش، والتي فضحت في واقعتين: الأولى، تسليم الموصل لهم مع ترسانة أربع فرق عسكرية عراقية عالية التقنية. والثانية، صفقة تسليم داعش الدبلوماسيين الأتراك وعن طريق جرابلس السورية إلى حكومتهم، مقابل أن تظل المنطقة، حلقة وصل دائمة بين أردوغان والمنظمة، والشريان الرئيس لتجارة تجاوزت المليارات، وحمايتها كممر دولي لدخول وخروج الألاف من المتطوعين والمجندين في المنظمة، وبتنظيم تركي مباشر، تبدأ من لحظة استقبالهم في مطاراتها وموانئها إلى مرحلة تسليمهم للمنظمة، وبمساعدة فرع مخابراتي خاص شكل لأداء هذه المهمة، شاركت فيها مجموعة من المنظمة ذاتها.
وعدم الدراية الكردية بمثل هذه المؤامرات، تتبين من خلال الأخطاء البسيطة، كالبحث عن الانتصارات الأنية، وغياب الدراية في رؤية المستقبل البعيد، وبالعمق الاستراتيجي، وأحد هذه المطبات، تشكيل كانتون شنكال، وعندما حاولت قنديل الهيمنة بتطبيق نظرية الحكم الذاتي عليها، برفض حاد من حكومة الإقليم، القسم الديمقراطي الكردستاني، وبدعم من تركيا، وتأييد أو صمت من سليمانية، وأئمة ولاية الفقيه، والقوتين الإقليميتين حافظتا على القضية ما بين مثارة وتحت الرماد إلى أن حان لحظتها. ولم يكن غريباً عندما ظهرت قضية قاعدة بعشيقة، وعملية عزل تركيا عن تحرير موصل، بدأ أردوغان بالتهديد، تحت حجة عدم السماح للعمال الكردستاني بإقامة كانتون أو قاعدة مماثلة لقنديل في شنكال، حسب أقوال الإدارة التركية، ومن هنا توضحت أن لحظة إثارة قضية شنكال وكارثة الإيزيديين ودعم داعش للعبث بالمنطقة حان وقتها، وتفعيلها، فربطها أردوغان مباشرة مع قضية الموصل، ومن خلالها تم تصعيد تهديده للحكومة العراقية بقبول حالتين: إما السماح بالمشاركة في تحرير الموصل، والغاية منها معروفة لكل محلل أو مراقب سياسي، إنقاذ قادة داعش، الذين له معهم علاقات مخابراتية متينة، وفيها فضائح في حال تم القبض عليهم، ومعهم أرشيف أسود عن ارتباطات أردوغان بالمنظمة، أو ضرب الأراضي العراقية، شنكال والقنديل، وتهديد كل من يقترب من قاعدة بعشيقة، تحت حجة حماية حدودها من إرهاب العمال الكردستاني.
وفي الواقع مهما حاول العمال الكردستاني تغطية ارتباطاته مع استراتيجية الهلال الشيعي، فلن تنفع، لأنها مرتبطة بشكل أو آخر بعملية الوجود أو اللاوجود، ولا بد لها أن تندرج ضمن حلقة الصراع السني الشيعي في المنطقة، وعلى الأغلب لم تتمكن رغم الدعاية الإعلامية المكثفة لنظريتها الأممية، والإيكولوجية، من خلق الدرب الثالث في هذا الصراع. والقوتين الإقليميتين، تركيا وإيران، على قدرة من زجها في صراعهم مهما حاول قادة الحركة التخلص منها، ويجرون مثلهم القوة الكردستانية المقابلة، حكومة الإقليم قسم الحزب الديمقراطي الكردستاني. وفي قضية شنكال، تدرك العمال الكردستاني أن تركيا ستستخدم هذه الورقة، وبأنها في جغرافية ستضرها ولا تخدم استراتيجيتها، وكان بإمكانها تركها لحكومة الإقليم، والتي من المتوقع ألا تعترض تركيا عليها كحليف في استراتيجيتها السنية، لكن على الأغلب إملاءات أئمة ولاية الفقيه اقوى من عملية التحكم إلى الحكمة الذاتية، والخاسر في هذه هو الشعب الإيزيدي الذي لا يزال يعيش الكارثة، ليستخدم الأن كورقة سياسية بين القوى الإقليمية.
فالقوتين الكردستانيتين، وبسبب الظروف الدولية والإقليمية مضطرون على قبول الإملاءات، والسير في ركب الاستراتيجيتين السنية أو الشيعية، والتي في كثيره استراتيجيتي القوتين الكبريين، أمريكا وروسيا، والكرد هم الحلقة الأضعف والنهائية، ولهم ذنب في ديمومة هذا الضعف. ومن خلال إعلام الطرفين الكردستانيين، تتوضح تحالفهم الاستراتيجي وتبعيتهم. فيمكن لأبسط سياسي تحديد مسارهما من خلال مشاهدة أقنيتهما المرئية، وللحظات، على سبيل المثال، موقف الطرفين من الحشد الشعبي وتدخلها في معارك الموصل، من تأييد العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي لهم إلى رفض الديمقراطي الكردستاني، وكأنهما لسان حال إيران وتركيا. وليس غريبا أن يقبل الطرفان الكردستانيان شروط القوى الإقليمية، وأحيانا بدون عمق جدال، مقابل رفض بعضهما البعض بمطلقه أحيانا، لأنهما أضعف من أن يستطيعا التحرر من الإملاءات. وهنا تغيب الحكمة والدراية، في كيفية التخلص من هذا الوباء، وعدمية البحث عن بديل تساندهم للوقوف في وجه الإملاءات...
يتبع...
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]