الصور النمطية المعيقة للعرب والكرد 2/4
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 5271 - #31-08-2016# - 23:06
المحور: القضية الكردية
1- مراحل السلطات الإسلامية العربية
شكك العديد من المؤرخين العرب المسلمين في ثقافة وأصول الكرد، ولم يعرفوا حقيقة دياناتهم، لذلك خلقوا عند العامة صورة أنسان لا ينتمي إلى المخلوقات البشرية، ولا يمكن التعامل معه كبقية الناس، ولجهالة معظم القبائل العربية حينها بالشعوب المجاورة لشبه جزيرتهم، سادت تصورات مؤرخيهم وشعرائهم الأولين عن الكرد على مفاهيم العامة من العرب، وراجت شائعات خرافية عن الكرد، كأصلهم، بأنهم من الجن، وردد العديد من مؤرخيهم، أمثال الكافي، والطبطبائي، والشيخ الجواهري، والصدوق، والطوسي، وغيرهم، النص التالي في كتبهم ( الأكراد حي من أحياء الجن، كشف الله تعالى عنهم الغطاء فلا تخالطوهم) وهي دلالة على جهالتهم في الحيزين التاريخي والعلمي، ونشروها بدون تردد بين العرب إلا أن تكونت منها صورة نمطية شاذة في ذهنهم، عكست ضحالة مداركهم أكثر ما كونت صورة شاذة عن الكرد وتاريخهم. وسهولة خلق هذه الصورة النمطية الشاذة، بنيت على منطقين، الأول شبه استحالة التعامل ما بين العربي البدوي القادم من الصحراء والكرد المختفي بين جباله والتي تشبه، بالنسبة له، عيشة الجني، والثانية سذاجة الفكر العربي وضحالة التراكم المعرفي عنده، والتي سخرتها سلطاتهم ومعهم شعرائهم ومؤرخيهم لبث أمثال هذه المفاهيم الشاذة والموبوءة.
ومؤرخين أخرين، وبينهم حكام عرضوا الكرد كشعب خائن لا يؤتمن جانبه، رغم ما قدموه للإسلام وللخلفاء من خدمات، كعرضهم لخيانة المعتصم مع أبو مسلم الخرساني، وتشويه الحقيقة، وبإلقاء التهمة على أبو مسلم، إلى أن حدى بشاعرهم تخوين أجداد الخرساني الكرد. وقبلها راجت بين العرب كلمة الخليفة عمر بن الخطاب عندما بلغه مقاومة الكرد للغزوات الإسلامية، وأطلق جملته المشهورة أو قيل بأنه ذكرها (ليت كان بيني وبينهم جبل من النار) ولهذه الحوادث خلفيات سياسية وثقافية، أهمها الصراع الحاد ما بين ثقافة جهالة البداوة والحضارة. فمن حينها خلقت عند العرب الصورة النمطية عن الكردي بأنه المرعب، وعلى أثرها نشر المؤرخين العرب المسلمين الأوائل منع الزواج من نساء الكرد الجني. جزء غير بسيط من هذا التكوين الفكري لا يزال يخيم على لا شعور العربي وتصوره عن الكرد، ونتجت عنها العداوة والخيانة بحق الكرد، وهي تطفوا بين حين وآخر وعند أول صدام، ولم تتمكن الإسلام القضاء عليه، لأن النمط الفكري الجاهلي البدوي ظل طاغيا على النهج الإسلامي والمفاهيم التي كان من الواجب تسييدها.
على بنية مفاهيم الإسلام (المكي) كان من المفروض أن يتكون عند العرب تصور عن الكرد مبني على الدين ومفاهيم الأمة الإسلامية، إلا أنه ا ومنذ بدايات غزواته وخروجه من جغرافيته القاحلة، كان في مخيلته الصور النمطية الدونية عن الشعوب التي غزتها، والمتكونة على خلفية ما ذكرناه كأمثلة، فسادت في ذهنه صورة الموالي الذي يجب أن يطيع ولا يحاور، ووضع ذاته فوق منصة السيادة والفوقية، كرد فعل عكسي للدونية التي أحس بها العربي أو أشعرتهم بها الشعوب الأخرى، إثناء اصطدامهم بالواقع والمفاهيم الحضارية، والتي أشعرتهم إلى جانب الإحساس الذاتي بالتخلف والفقر المعيشي، الضحالة المعرفية والثقافة الهمجية مقارنة بثقافة الشعوب التي غزوهم، والصدمة التي واجهتهم، كانت عنيفة، عندما لم يتمكنوا من فهم الحضارة التي غزوها، فقاموا بتدميرها، وهي ردة الفعل السائدة بين جميع الشعوب المتخلفة أو الهمجية التي تسود على الحضارات، والأمثلة على هذه الحالات عديدة في التاريخ.
وبالمقابل حمل الكرد وعلى خلفية الغزوات، والتاريخ المنتقل بين الأجيال، صورة عن العربي الغازي القادم، يطغى عليها، الجلافة، والجهالة، والبعد عن الحضارة، والذي لا يدرك شيئاً من المدنية، وكانت قد سبقتها ما قامت به القبائل العربية من عمليات التدمير لديانتهم، ونهب خيراتهم، وسبي النساء والأطفال، وجميعها ظلت حاضرة في ذهنه، ولم تغادره إلا بعد قرون من هيمنة العقيدة الإسلامية، فظهرت على أثرها بعض التغيرات. ومع مرور الأجيال، وبعد أن أصبح الإسلام دينهم المطلق، وتم نسيان أديان الأجداد، تبدلت تصوراته الكردي عن العربي، وحلت عنده بدل العربي الغازي صور أنقى، فرافقته الديني الإسلامي، وبرز العربي المغطى بالغطاء الديني، حيث التقدير، فأصبح ينظر إليه كالسيد، وانتقلت السيادة المدنية إلى السيادة بالنمط الإسلامي، واستمرت كلمة السيد ملتصقة به كمتدين، وبالتالي تشكلت عند الكردي في القرون اللاحقة للغزو الصورة التي لا تفرق بين الإسلام والعربي، فأصبح العربي هو المسلم والمتدين؛ والنقي. لكنه لم يقدم مقابلها للكردي تأكيدات، لينظف كلياً صورته السابقة في اللاشعور الكردي، فظلت الصورة البدوية، والجهالة بالمدنية، سائدة حتى الأن، رغم أن الكردي يفرق بين سكنة المدن، حيث السيادة، والأنظمة الشمولية والمستبدون، الذين للكرد عنهم صور أخرى، جاهزة واضحة محاطة بالاستبداد والطغي والنهب الاقتصادي، واعتبارهم مستعربون، المختلف عن العرب القادمون من الجزيرة العربية منذ الغزوات الإسلامية الأولى، وهناك صورة نمطية جامعة في اللاشعور الكردي عن الطرفين العربيين، وهي أنه لا يؤتمن جانبهم، ويعادون الكرد، مع استثناءات إيجابية ظهرت على خلفية التداخل المعيشي بين بعض القبائل العربية والكرد، تشابهت والمراحل التي سادت فيها نشر الفقه الإسلامي.
لا شك هذه الصور النمطية المركبة عند العرب والكرد عن بعضهما، سايرتها تحولات طفيفة على مر التاريخ المشترك الطويل، نمتها الصراعات السياسية، وفي فترات زمنية معينة أحيطت بقوالب جامدة، ولم تؤثر فيها التغييرات السياسية، بعضها طورت وبعضها جمدت في اللاشعور الجمعي، علماً أنها مرت بمراحل كانت فيها صورة العربي منفصلة عن الإسلام ولغته، بعكس الكردي بعد تعمقه في الإسلام، وحدث أن عزل العربي القومي عن الإسلام في ذهنه.
أضافت الأنظمة العربية العنصرية، وعلى خلفية إفرازاتها الثقافية الموبوءة، على الصور النمطية عند الكردي عن العربي في القرن الماضي، رتوشات عمقت قتامتها، وطبعت المجتمع بالثقافة التي تعيق التقارب بين الشعبين، وعليه تفاقمت الفجوات بين الكرد والعرب. ولم تفيد الكرد مسايرتهم الحركة الثقافية العربية، وتقديمهم الإبداعات في كل المجالات الفكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية، وإدراج الموجودة في حضارته الساسانية وديانته الزرادشتية، كخدمة للعالم الإسلامي وبتجرد، وظهور علماء في كل العلوم تحت خيمة الإسلام، وباللغة العربية والثقافة الإسلامية، علماً أنهم تخلوا وبتدرج عن الكثير من ثقافتهم الأصلية وحضارتهم، وتبنوا الثقافة الجديدة، لكنهم اصطدموا عندما تبينت لهم بأن الموجود في ظاهره الثقافة الإسلامية وفي عمقه تعكس الثقافة العربية الجاهلية.
وقد أنتبه إليها الكرد في بدايات السلطات الإسلامية العربية، فرغم تدينهم، وتبجيلهم لتلك السلطات، تفاقمت عند العرب تطبيق المرتكزات اللاشعورية عن الكردي إلى الواقع العملي، وفاقموا من تعاملهم الفظ والفوقي معهم، حيث السيادة والموالي، فأدت إلى انطلاقة حركات مناهضة، وكان لها دور واسع في توسيع الفجوة بين الشعبين، ولا تزال، وقلائل من الطرفين حاولوا معالجة هذه السلبيات، وكانت النتائج شبه عدمية، لأن معظم الذين اشتغلوا على نهجين، الأمة الإسلامية أو النهج الأممي، لم يتمكنوا من التحرر من الصور النمطية التاريخية المترسخة في لا شعورهم، والشريحتين لم يتمكنوا من الإتيان بجديد، أو خلق صور نمطية تحل محل السلبية والضارة، فمعظم أبحاث العرب عن الكرد حتى والمدرجة كمواقف مؤيدة لحقوقهم القومية، لا تخلى من كلمة(لكن) كنتيجة تلحق المعالجة المطروحة، ونادرا ما تبلغ نبرتهم مع الحق الكردي سوية التعامل بالمثل، وهي من أحد المعوقات التي تجعل الطرفين غير قادرين عل تغيير ما يحملونه من الصور النمطية الشاذة والمسيئة عن بعضهم. وحتى عندما ظهرت صور نمطية إيجابية بين الطرفين عن بعضهما وفي فترات زمنية قصيرة، سرعان ما قضي عليها، بدعاية مضادة من السلطات الشمولية العربية المناهضة للكرد، لأن بقاهم في السلطة مبنية في كثيرها على ديمومة الصراعات بين الشعبين، أو لنقل الهيمنة العربية...
يتبعها مرحلة انتشار الفكر القومي العروبي
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]