إشكالية دستور سوريا القادمة
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 5213 - #04-07-2016# - 13:42
المحور: القضية الكردية
سألتني مذيعة قناة روداو: لماذا الطرفين الكرديين يضعون دستورا استباقيا قبل دستور حكومة سوريا القادمة، وهل يصح ذلك؟
نعم يصح. وللحركة الكردية الحق في وضع دستور لشعبها ولمنطقتها، وإن لم يطبق بكل بنوده، فسيكون من المصادر الرئيسة المسنودة عليها من قبل اللجنة الدستورية أثناء عرض القضية الكردية ضمن دستوريا سوريا القادمة، وذلك لعدة أسباب، ومنها:
1- نلاحظ بأن التعتيم كان مطلقا على الكرد وقضيتهم، ضمن دساتير سوريا القديمة والحديثة، وحتى في تلك العهود المسمى جدلا بالوطنية، وتفاقم الإنكار في عهد السلطات الشمولية العنصرية.
2- على مدى نصف قرن، كان الكرد يحلمون بسماع اسمهم في خطاب للأسد أو حتى في حديث مسؤول للبعث. وإدراج قضيتهم حتى ولو بالبعد الاجتماعي ضمن الدستور كان أبعد من الخيال.
3- اليوم أغلبية المعارضة لا تقل بشاعة في تعاملها مع القضية الكردية، وتصريحات ممثليها تجاوزت حدود العنصرية.
4- القوى العسكرية الإسلامية حدث ولا حرج في نفيها لهم كشعب على أرضه وكقضية، وإذا بلغنا حدود مفاهيم الأمة الإسلامية، المنفية للقوميات، مثال إيران شاهد فاضح، والمنظمات السورية في عمقها السياسي تمجد العروبة تحت غطاء الإسلام، وهو الأبشع من نهج البعث.
5- ونحن هنا لا نتحدث ما تبطنه القوى الإقليمية العنصرية للكرد، وهي المتعاملة أو المهيمنة على طرفي الصراع في سوريا، المعارضة والسلطة.
وغيرها من الخلفيات التاريخية والسياسية، تؤكد لنا أن الحكومة القادمة، من أي طرف كان، المعارضة أو السلطة الحالية، لن يضعوا دستورا يحترم حقوق الأطراف غير السنية والعربية في سوريا، وإن أدخلت ضمنها بنوداً خاصة بالكرد، فلن تتجاوز الحقوق الاجتماعية والثقافية.
فبالانتباه إلى مجريات الأحداث على الساحتين السياسية والثقافية في المنطقة وما تفعله القوى الإقليمية، سنجد أنهم وراء الموجة الإعلامية التي تثيرها المعارضة والسلطة السورية معا، لنفي الوجود الجغرافي لجنوب غربي كردستان، كعمليات النخر في الديمغرافية الكردية ضمنها، واختلاق تاريخ ملفق لهجرات كردية من خارج سوريا، وغيرها من الأساليب، خصصت لها كتاب ومراكز دراسات استراتيجية. وعليه لن يكون للكرد قضية قومية أو كشعب ضمن دستور سوريا القادمة مع هذا النهج السياسي الأخلاقي. وإن كنا نتوقع عكسه فإننا نخدع ذاتنا ونكذب على شعبنا، والاعتراف بالقضية الكردية ضمن دستوريا سوريا القادمة توقع أقرب إلى الخيال، أو ربما حلم نحلم به.
وإذا انتظرنا إلى حينه نكون كمن يذهب إلى وليمة ويقول إن الأكل لا يعجبني، لأولئك الذين شبعوا وتركوا الوليمة، سنصل والأخرين متخومين، أي بما معنا لن نجد ثغرة يمكن أن تضاف من خلالها بند إلى الدستور، يساند القضية الكردية.
علينا أن نستيقظ من سباتنا وأحلامنا، ونتحرر من الوهم، ونطبق الإخوة الصادقة، ويجب أن نتعامل بواقعية وشفافية، ومصالح متبادلة ومشتركة.
علينا أن نتحرر من منطق: التبعية، وانتظار الأخر ليقرر مصيرنا، واحتمالية التملق أثناء كتابة الدستور ليذكروننا ضمنه.
علينا أن نملك القليل من الوعي والحكمة، ودراسة منطقية لتاريخنا، وتاريخ من يستعمروننا، وننطلق منها، في تقرير ما يتلاءم وواقعنا، وما نطلبه من الأخرين ضمن الوطن ذاته، فإذا كان الأخرون ديمقراطيون فعلا ووطنيون وكانت نياتهم صافية يجب ألا تغيظهم دساتير الحركة الكردية، وعليهم أن يتقبلوها كمصادر لقادم دستور سوريا، وإلا فكل الطلبات بالانتظار إلى أن تتشكل الحكومة القادمة وتحدد اللجنة التي ستكتب الدستور، تندرج ضمن خانة الخدعة والمؤامرة، وهم بهذا النهج يفاقمون من مشاكل سوريا ويعمقونها. فلا توجد في الدساتير المعروضة كردياً أي بند تطالب بتقسيم سوريا، أو تتجاوز حدود الديمقراطية والمنطق السياسي، بل هي تشد الوثاق الوطني بعكس عداوتهم لها، وتمهد لبناء سوريا ديمقراطية؛ اتحادية؛ لا مركزية؛ فيدرالية، وهم يرفضونها من الأن، فكيف سيكون قادمنا، عندما تكون القوة والهيمنة بيدهم!
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamkurda@gmail.com
[1]