فيدرالية سوريا لا تعني التقسيم
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 5091 - #03-02-2016# - 18:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
مفاجئة للكثيرين، تصريحات نائب وزير خارجية روسيا( سيرغي ريابكوف)، ووزير خارجية أمريكا (جون كيري) وطرحهما للخطة البديلة عن الهدنة فيما إذا لم تنجح، والتي من ضمنها إقامة نظام فيدرالي اتحادي في سوريا، الأول قائلا أن: روسيا ترى إمكانية اتفاق المشاركين في المحادثات السورية على إنشاء جمهورية فيدرالية، إن رضيت جميع الأطراف السورية بهذا النموذج والثاني بعده بيوم وفي جلسة أمام الشؤون الخارجية للكونغرس الأمريكي محذراً فيها القوى المتصارعة في سوريا من صعوبة منع تقسيم سوريا إذا لم يتوقف القتال هناك قريبا. أصاب التصريحين البعض بالدهشة والغضب، وآخرون لا يزالون يفكرون بجواب، كتركيا ومثلهم المعارضة السورية العروبية الإسلامية، فالصدمة قوية، ولم يصدر تعقيب جدي، وسلطة بشار الأسد رد بالحنق والرفض، علماً أن المطروح لم يتجاوز البعد الإعلامي، وفي عمقه خدعة دبلوماسية أكثر من أن تكون مرحلة تكتيكية تسبق التطبيق، ولا يستبعد بأن تكون عملية ضغط على المعارضة السورية ومن يقف ورائها كتركيا والسعودية، وعلى سلطة بشار الأسد ومجموعته إيران وأدواته، للحضور إلى جنيف بدون شروط مسبقة، ومن ثم قبول ما ستدرج على طاولة المحادثات من بنود متفقة عليها روسيا وأمريكا.
في العمق السياسي الجاري ضمن سوريا وخارجها، حيث هول الكارثة الإنسانية، والتي تغرق فيها شعوب وطوائف، لا يتوقع أن يكون هناك حل آخر غير (النظام الفيدرالي) مع خطوة نحو (الكونفدرالية) وهي وجود قوة عسكرية لكل فيدرالية، قومية أو طائفية، أو الأعمق منه، دستور تعطي صلاحيات أوسع للفيدراليات، ومنها إلغاء البند الثاني جملة وتفصيلا، والقائل بأن يكون الرئيس عربياً، مسلماً، سنياً. والمطروح بالنسبة للدول المحتلة لكردستان، وللمعارضة العروبية الإسلامية وسلطة بشار الأسد تعني المرارة السياسية والثقافية، كرها بالكرد والعلويين والمسيحيين، قبل أن يكون رفضاً للنظام الفيدرالي، ومعظمهم يدركون أن الفيدرالية لا علاقة لها بالتقسيم الجغرافي، وبالعكس قد تكون أفضل الخطوات لإعادة التلاحم والتعاضد، وهو ما يتضمنه على الأغلب تصريح جون كيري.
طرح المجلس الوطني الكردستاني-سوريا، منذ 2006م، في جميع المراكز السياسية الأمريكية التي دخلته، بدءً من وزارتي الخارجية والدفاع إلى قاعات البيت الأبيض وأروقة الكونغرس الأمريكي، النظام الفيدرالي لسوريا القادمة، ومن ضمنها فيدرالية المنطقة الكردستانية، بناءً على جغرافية تاريخية، وليست الديمغرافية المهشمة من قبل السلطات العروبية المتعاقبة على الحكم في سوريا، وركز المجلس عليها في كل محفل ولجت إليه خارج أمريكا، وكانت إحدى أهم القضايا التي لم تساوم عليها، رغم المواجهات العديدة والحجج المتنوعة، وأهمها عدم ظهور الظروف واللحظة المناسبة، إلى حالة التحسس من الدول المجاورة المعروفة بعدائها للقضية الكردستانية، واتبعتهم المعارضة العروبية الإسلامية السورية، والذين معظمهم خرجوا من رحم ثقافة الحكومات العنصرية المتعاقبة على سوريا.
واجهت هذه القضية المصيرية عدة إشكاليات، سياسية وثقافية، وكانت أغربها من رؤساء الأحزاب الكردية والكردستانية، الذين طرحوا مفاهيم، مشوهة عن حقيقة الواقع الكردي الديمغرافي التاريخي والجغرافي لجنوب غربي كردستان، أو ما أصبح يعرف بغربي كردستان مجازاً، وتناوبت ما بين تجزئتها، جغرافية أو ديموغرافية، والتي عكست ظاهرة التناسي، أو عدم المعرفة بالتاريخ القديم أو الحديث للمنطقة، إلى عدميتها، المبنية على تنازلات سياسية فيها من الانتهازية أكثر من البعد التكتيكي الدبلوماسي.
من السذاجة التوقع من سلطة بشار الأسد والحكومات التركية المتعاقبة ووليدهم أردوغان بشكل خاص، قبول أو عدم الاعتراض المطلق على النظام الفيدرالي لسوريا، والتي ضمنها ستكون كيان كردستاني، حتى ولو كانت مرافقة لكيانات أخرى كالعلوية والدرزية، والسنية، وربما المسيحية. ومن الطبيعي خروجهما من الصمت المتقصد، أو التعتيم الكلي على الوجود الكردي وماهيته، إلى الرفض المطلق، فالملم بثقافتهم ومواقفهم السياسية العدائية سيتجاوز الدهشة أو الوقوف على تصريحاتهم، والمتوقع من المعارضة العروبية الإسلامية السورية، وبعض زعمائها المواقف العدائية المرضية للديكتاتوريات المستعمرة لكردستان، والتي لن تقدم أي منفعة لشعوب المنطقة ومن ضمنها الشعب العربي.
الواقع السوري بشكل عام، يفرض نظام سياسي، يخلق الثقة لكل شعب أو طائفة، ويعطي الأمان لهم من ثأر قد لا يتوقف، مثلما يحصل في العراق، ويحفظ للجميع كرامته، دون أن يتعرضوا إلى دكتاتوريات مركزية، والمتوقعة ظهورها ضمن الفيدرالية ذاتها، والتي حلولها ونتائجها ستقع على عاتق الشعوب، أو الطوائف، والقوى السياسية التي تتشكل منها الفيدرالية، ومدى احترامهم لدساتيرهم. وعلى الأقل ستكون الصراعات داخلية، ولا يستبعد تأثير الأطراف على بعضهم بالإيجاب، والتسابق لخلق الأفضل لشعوبهم.
الواقعية السياسية، يتطلب تبيان حقيقة مصيرية بالنسبة لسوريا، وهي أن المطلب الفيدرالي ليست خدعة تسبق الانقسام، يتكالب عليها الطوائف الرئيسة في سوريا، قبل الكرد، وبينهم شريحة واسعة من السنة، الذين يصعدونها إلى مرحلة إقامة كيان جغرافي مستقل، والمعارضون هم من نفس الجماعة، لكنهم يختفون تحت عباءة الخباثة، ويتهمون الأخرين بما يقومون هم به من النفاق، لهذا فالثقة انعدمت عند الأغلبية من الشعوب السورية، فكل من يرفضها أو يعاديها أو ينافق بخباثة، يجرم بحق الإنسان السوري، ويكرس منطق الاستبداد، ويفتح الأبواب لكل أنواع الثأر، والإجرام، ولا يبغي الخير لسوريا وإنسانها، وأعداءه أكثر من يعادي هذا النظام الأنسب لسوريا القادمة، وبه يسهل دروب أسقاط النظام بكل بشائعه، الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأول من سينهار على عتباته هي سلطة بشار الأسد، والحكومات الدكتاتورية المحاطة بسوريا، والذين تلاعبوا بمصيرها، وستكون نهاية المنظمات الإرهابية المستندة على دعمهم.
وفي الواقع الكردي، لا يخفى أن الاستقلال وحق تقرير المصير حلم كل وطني، ومن يخفيها يخدع ذاته قبل الأخرين، لكن الظروف بكليتها تبعد هذا الطرح بل وتلغيه، وهي سذاجة سياسية في هذه المرحلة، ولا أظن بأنه توجد منظمة أو حركة كردية سياسية في غربي كردستان، ترفع هذا المطلب حالياً، أما الأعداء الذين يعرفون الفيدرالية بالتقسيم أو الانفصال، يتقصدون إثارة القضية بخباثة، ويعرضونها تحت مصطلحات استفزازية نابعة من الثقافة العدائية، والمبثوثة من قبل السلطات الاستبدادية في مفاهيم الشعوب المحاطة بالكرد. فغربي كردستان، في البعد التاريخي، جزء من كردستان الأصل، قطع عنها لتكوين سوريا الحالية، والكل يعرفها، فلا يمكن أن تنقسم عن ذاتها، ولا تنفصل عن جسمها، والتحرر هي مرحلة الخلاص من السلطات الدكتاتورية، وليست من الشعوب المجاورة، وما بين الانفصال والتحرير مسافات ثقافية وسياسية، فالشعوب لا تعادي ولا تستعبد بعضها، وأن ظهرت طفرات شاذة، فهي نتيجة الثقافة المشوهة التي تنشرها وتستند عليها الأحزاب العنصرية والأنظمة الشمولية، فكردستان جغرافية مستعمرة سياسياً، ولم تكن مجتاحة ديمغرافيا قبل عمليات التعريب والتتريك والفرسنة. فالمصطلحات الاستفزازية العنصرية هي في عمقها لإثارة مشاعر الشعوب، ولا تمت إلى المنطق، وتطبيق النظام الفيدرالي في سوريا لا تعني التقسيم لكيان لم يكن له وجود أصلاً قبل بدايات القرن الماضي، والمتباكين على المركزية بدموع التماسيح، نفاق سياسي لإعادة الطغيان بوجوه جديدة.[1]