غايات طمس التاريخ الكردي- 2/2
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 5039 - #09-01-2016# - 19:26
المحور: القضية الكردية
وردت في العديد من اللوحات التاريخية أسم الكرد وقوتهم وهيمنتهم على مناطق جغرافية تتجاوز جغرافيتهم الديمغرافية الحاضرة، والتي تنفيها القوى المعارضة العروبية-الإسلامية والسلطات الشمولية معا، وتساندهم فيها الدول الأخرى المستعمرة والمعادية للكرد، وغيبت هذه القوى، عن التاريخ الحديث، الكثير من الأثار والاكتشافات، وحاولت تشويه تاريخهم كشعب أو قبائل دافعت عن مناطقها ضد معظم الاجتياحات، علماً أن اللوحات الأثرية موجودة في أغلب متاحف العالم المشهورة، تنكرها الأعداء، وحاولوا تبيانهم كشعب بدون حضارة، وبدون دولة سابقة، وأبرزوهم كشعب تابع لإمبراطوريات، أو للسلطات الشمولية الحاضرة، وعرضوهم في كتبهم التاريخية، كقبائل لا تملك مقومات الأمة أو القومية، وغير قادرين على تكوين هيئة سياسية إدارية، وقد عمل على هذه المفاهيم العديد من الحركات الثقافية والأحزاب السياسية العربية والفرس والترك، بل ونوقشت هذه المسائل في العديد من مؤتمراتهم الثقافية والأدبية، وطرحوها كبديهيات تاريخية بين بعضهم.
متناسين وبخبث، أنه بعدم وجود دولة كردية شاملة لكلية كردستان في العصور المتأخرة، لا تنفي وجود جغرافية وشعب وقضية، كان على قدر كبير من الاستقلالية، والهيمنة الذاتية على مناطقه، وتتبين من خلال عرض صفحات من التاريخ، بأنه ملك ثقافة نوعية مستمدة معظمها من ديانته التي لا تزال أبعادها الروحية واضحة في ماهيته، وثقافة قومية تراكمت على خصوصية العيش المشترك ضمن جغرافية بطبيعة بيئية متناغمة وبلغة سميت بالكردية رغم وجود اللهجات القوية، وغيبوا عن التاريخ امتدادات جغرافية الكرد والتي كانت أعمق مما هم عليه في البعد الديمغرافي السوري، وكانوا يمتلكون أكثرية البصرة وشرقها مع سواحل الخليج الفارسي في بدايات الإسلام، والمصادر الإسلامية الأولى تذكر هذه الحقائق بتفاصيلها، ومثلها كذلك في جغرافيتي إيران وتركيا حاليا، فكل المخططات السابقة وعمليات الإنكار كانت غايتها تضيق جغرافيتهم تلك. ورغم إن الأعداء الأن وبعد صعود نجم الكرد أصبحوا لا يستطيعون نفي خصوصياتهم كقومية من حيث اللغة والتاريخ والعادات والتقاليد، لكنهم مع ذلك يستمرون على النفي وبأساليب حديثة، ولا يتجرؤون على مصارحة ذاتهم بأحقية الكرد في وطن خاص ودولة مستقلة.
الانتباه إلى ما جرى في القرنين المتأخرين بشكل خاص، سنشاهد إشكاليات في الأبعاد التاريخية، وتضاربات ضمن ثقافة الكرد والشعوب المستعمرة، توضحت، على أبعاد انتشار السيطرة الانترنيتية، وسنلاحظ كيف أن سلطاتهم تكالبت على ثقافة الشعب الكردي والشعوب الأخرى في المنطقة، وتوسعت مع الزمن عمليات نهب تاريخهم، وأساليب تنسيبها لذاتهم، والأن أصبحت تتبين بأنها كانت عمليات نهب وغزوات مخططة وبمؤامرات مشتركة أكثر من كونها تمازج ثقافات، وكثيرا ما أدت إلى تشوه في العلاقات الفكرية وتوسيع الصراع بين الحركات الثقافية للشعوب التي كانت متعايشة إلى حد ما تحت غطاء العلاقات الدينية، رغم تفاقم الصراعات السياسية، والغلبة كانت للشعوب المدعومة ماديا والمسنودة أمنيا من السلطات.
الشعب الكردي، وعلى مر التاريخ، كان ضحية غزوات أو سرقة من جميع الجوانب، تعرض تاريخه وثقافته لنهب واحتكار متواصلين، مباشر أو غير مباشر، ولم يترك المستعمرون جانب من تاريخه، أو جزء من ثقافته دون غزو فج، نسبتها السلطات والحكومات المستعمرة لذاتهم أو لشعوبهم، وسخرت لحماية هذا النهب قوى متنوعة، منابع اقتصادية ومراكز أمنية ومؤسسات ثقافية، وهيئات حكومية، إلى أن أصبح السرقة الثقافية جزء مكملا بل رئيسا من عملية التسلط وبلغت الحدود الكارثية تبنتها جميع السلطات الشمولية، ولم يتخلفوا عنها يوما ما، بل وفرضوا مفاهيم شاذة، ونشروا أوبئة بين المجتمع، لإسناد تشويهاتهم في الثقافة والتاريخ الكردي، وفي النهاية كانت غايتهم القضاء أو تقزيم قضيتهم القومية.
ولا تزال معظم السلطات الشمولية المستعمرة لكردستان والمنظمات التابعة أو المؤيدة لها تستند على هذه التراكمات المعرفية المشوهة، لمعارضة القضية الكردية، مستخدمة أساليب جديدة، لهذا فعلى الكرد أن ينتبهوا إلى أن صراعهم مع المستعمرين تتجاوز في هذه المرحلة أبعاد عملية تحرير الأرض، وأوسع من فضح صفحات التاريخ الماضي، وأضخم من عملية إعادة بناء اللغة الحضارية، إنها تبدأ بعملية إعادة الثقة بالذات وتعريف العالم بما فعله الغزاة باسم الدين بكردستان وشعبه، وتترسخ وتثبت على الإيمان بأن كردستان هو الوطن وليس الحلم، مثله مثل أي الأوطان المجاورة.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]