ظاهرة السطو الثقافي بين الكرد
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 5005 - #05-12-2015# - 22:03
المحور: القضية الكردية
على عتبة ما يجري من الصراعات السياسية ضمن البيت الكردستاني، ظهرت آفة التقليد بيننا وفي أزقتنا، يتلقفها الإخوة في وضح النهار، ونادراً ما يلمح إليها الأخر، تواضعاً أو تقديرا لسوية الحركة الثقافية، أو توجسا لعدم تشويه سمعتها أكثر بين المجتمع، وتبينت أنها كانت من الضعف بحيث لم تستطع الوقوف في وجه الأفة، كالتشتت، والخلاف على الثانويات، والانجرار وراء الأحزاب، وتقليد البعض وغيرها، ولم تكن على سوية الوعي لتجنبها، والاحتفاظ بمكانتها كمرشدة أو حركة تنويرية، ومستقلة غير تابعة للأحزاب الكردية، أو قادرة على إقناعهم بالتحرر من هيمنة السلطة الشمولية، علماً أنها موجودة في أضعف حالاتها، ولا قدرة لها الضغط عليهم، مثلما كانت تفعلها سابقاً.
فرضت بعض الأحزاب الكردية الظاهرة على أطراف من الحركة الثقافية، وضخت إليهم خبرة عقود من السطو، والمعرفة الكيدية، ولعدم قدرة الإخوة في الطرفين، السياسي والثقافي، الإتيان بجديده، والتي هي دلالات التيه في العتمة، يضطرون إلى السطو على منجزات الأطراف الأخرى، ولغياب الجواب على سؤال ما هو الأفضل؟ يضطرون إلى استخدام نفس الغطاء، وبنفس الاسم والشكل والإطار، ويدعون بأصل الملكية، لجمود الفكر المعرفي والبنيوي، وغياب قدرة التجديد والتطوير. وعملية تطابق أسماء الأحزاب، والمناهج، والأدبيات، وقيام أطراف من الحركة الثقافية بتكرار النشاطات أو الفعاليات الثقافية ذاتها، تعكس الحقيقة.
فالانشقاقات الحزبية وعدم الإتيان بجديد فاقمت من الأفة ذاتها، هذه في حالة كون الانشقاقات نتاج تضاربات فكرية، وليست إملاءات من السلطة الشمولية. الآفة خطرة بالنسبة للحركة الثقافية، وإذا أهملت، ولم تبرز شريحة رائدة بالتصدي لها، ومواجهة منابعها، ستكون نتائجها السلبية أبشع مما هي عليه الأحزاب الكردية، ولا شك إنها تتفاقم على قدر تصاعد هيمنة القوى الإقليمية على الأحزاب الكردستانية وهؤلاء بدورهم على الحركة الثقافية.
تقوم السلطات المتواجدة في كردستان، كردية كانت أو المستعمرة، على فرض إملاءاتها، وتحفز على نشر الأفة، لإضعاف الحركة، وبالتالي تشويه سمعتها، والمؤدية إلى ضمور ثقة الشعب الكردي بها مثلما فعلتها بحركتها السياسية. لأن أول ردات الفعل المتوقعة من الظاهرة، نشوء الخلاف، وبالتالي تطورها إلى التشتت والانقسام على بعضها، ومن ثم الصراع بين شرائحها.
تأكدت السلطة الشمولية في سوريا، من إن تفعيل الظاهرة مثمرة لأجنداتهم، مثل سابقاتها والتي ذكرنا بعضها في أبحاث ماضية، وستكون سهلة تنميتها بعد تشتيت الحركة الثقافية، جسماً، وفكراً، ونشاطاً، وانتماءً، وبعد أن تاهت وكونت أجزاء متنوعة الأسماء، عدة اتحادات، ومنظمات، وجمعيات، ونقابات، وروابط، كلها ثقافية. لا شك مثل هذا التنوع والتكاثر حالة صحية عند وجود دولة، وترعى من قبل المؤسسات الحكومية، وهي المرحلة التي سيكون الشعب فيها بحاجة إلى تكثيف نشر الوعي، لإعادة بناء ثقافة نوعية مغايرة للماضي المأزوم، لكن في الواقع الكردي الجاري، وتحت ذرائع وحجج واهية، الانشقاقات والتشتت، والخلافات، وبالتالي سرقة نتاجات البعض، أو العراك على ثمرة الأخر، حالة سلبية مفزعة، خاصة، وبعد أن نشرت السلطة الشمولية السورية، عن طريق مراكزها الأمنية تارة وأدواتها تارة أخرى، مواضيع دسمة للخلاف عليها، وبالتالي بروز حالة الاحتقان بين المثقفين الكرد، ومهاجمة البعض، عوضا عن الحوارات الفكرية، على قضايا مصيرية متنوعة، مثل:
1- آفة صراع (الداخل والخارج) المقيم في الوطن والنازح أو المهجر.
2- التبعية للأحزاب السياسية، تحت حجة عدم الوقوف سلبا أمام صراعاتهم، متناسين أن الإسناد بمطلقه شراكة مباشرة في تفاقم الصراع.
3- إدخال قضية الدفاع عن الوطن وما يحاط به ضمن صراعاتهم.
4- والأصعب إثارة قضية الشهداء عند كل خلاف، وعمليات انتمائهم إلى الوطن والافتخار بهم كحزب، والتي تلوح بها الأطراف الثقافية التابعة للأحزاب أكثر من العامة. وغيرها من القضايا.
اشتغلت السلطة الشمولية، على نشر هذه الآفات، ونجحت في كثيرها، بعد أن دفعت ببعض الأحزاب الكردية على تنشيطها، امتثلت لها قسم منهم راضخة، ولو كانت على مضض، وقسم نفذتها باقتناع، فسهلت لها نشر الأوبئة الجديدة، ومنها ما نتحدث عنها، ظاهرة السطو الثقافي، وهي عديدة الأشكال، ومتنوعة، بعضها حالات فردية، وبعضها جماعية، مدعومة من بعض الأحزاب الكردية.
1- تشكيل منظمات تحت أسماء مشابهة لمنظمات ثقافية موجودة سابقا.
2- القيام بتقليد الأخرين باتباع نفس الأعمال والفعاليات الثقافية التي يقوم بها السابقون لهم، كتوزيع جوائز لأفضل شاعر أو روائي كردي، والمؤدية إلى عدة جوائز متضاربة، وقد يتجاوزون الأصل، بل ويعتمون عليهم، على خلفية دعم مادي، يتلقونها من جهة سياسية على الأغلب.
3- السطو أو تقليد الأخرين في ظاهرة توزيع الجوائز بأسماء كتاب أو شعراء أو شهداء، أو فعليات أخرى سبقها إليهم الأخرون.
لله الحمد، كثرت جوائز الحركة الثقافية، وتعددت، ونتمنى أن يتزايد العدد، وتكثر الأسماء، فهي تعكس مدى تقدير الحركة لروادها ومفكريها، فسوية المجتمعات تتبين بمدى اعتزازهم وتقديرهم لمفكريهم ونخبتهم الثقافية، وشعرائهم وروادهم من الكتاب والفنانين.
لكن وللأسف، تناست قسم من الحركة الثقافية الكردية، أن الأهمية تكمن بالتنقيب عن روادها المهمشون، وإحياءهم، وتبرزهم وتزيل غبار الضياع عنهم، لا أن تتكالب على النتاجات القديمة للأطراف الأخرى، وتقبل إملاءات جهات سياسية، وتفعلها، لخلق الصراع بين الحركة الثقافية أولا وتشويه سمعتها ثانيا، أو لتهميش تلك الأطراف التي ترفض الإملاءات الحزبية السياسية.
وللأسف، وكمثال على ما ذكرنا، ما تقوم به أحد أطراف (اتحاد كتاب الكرد) قسم الداخل، الجزء التابع لسلطة الأمر الواقع، والتي تصرف أكثر من نصف وقتها ونشاطاتها وأموالها للتوسع في الظاهرة المذكورة، ظاهرة السطو على فعليات الأطراف الأخرى من الحركة الثقافية، أولا، تحت غطاء وجودها في الداخل، وثانياً، على خلفية الإمكانيات التي تقدمها لهم بعض الأحزاب. وهذا ما تبين أثناء الانشقاق الذي حصل ضمن الاتحاد المذكور، وليس الاتحاد الأول الذي تبناه بعض الإخوة وتغاضوا عنه لأسباب منطقية، وكذلك إحياء ذكرى شعراء أو أدباء وشخصيات سياسية لا يلتقون والفكر أو البعد السياسي، وتوزيع جوائز بأسمائهم، متجاوزين مؤسسي الفعاليات، وأخرها كانت جائزة (مشعل تمو) والتي ولا شك لمستلمها كل التقدير والاحترام، ويستحقها، وله منى كل التهاني، ولكن نتمنى من الأطراف السياسية أن لا يفرضوا إملاءاتهم على الحركة الثقافية، ولا يزيدوا من هوة الخلافات بينها، ويتركوهم للإتيان بجديدهم للشعب الكردي.
لا شك، من السذاجة نقد الأحزاب السياسية، حتى ولو كنا نضطر إليها أحيانا، فمعظمها مفروضة عليها القيام بما تفعله، تحت إملاءات قوى إقليمية لا قدرة لهم على التحرر منها. لكن من الحكمة التذكير أو تنبيه أطراف من الحركة الثقافية وبشكل خاص الإخوة في مجموعة الاتحاد، والتي تتلاءم رغباتهم وهذه الإملاءات، لسببين، الأول معذورون فيه، بسبب وجودهم في الداخل، والظروف الداخلية تفرض شروطها، والثانية لا عذر لهم فيها، وهي لإبراز الذات، متناسين دورهم الرئيس كجزء من الحركة التنويرية الثقافية.
ففي هذه الظروف المأساوية، ومعاناة الشعب، والقضايا المصيرية التي يجب أن تتناولها الحركة الثقافية بشكل جمعي، كنا نتمنى من الإخوة في اتحاد الكتاب( التابع للإدارة الذاتية) أن لا يتناسوا أو أن لا يقبلوا فروض التناسي على ذاتهم حول القضايا المصيرية، ويقللوا التباهي بالاجتماعات، وتكوين الفروع، مستغنين بالمقابل عن الأمسيات الأدبية، إلا ما ندر، والمحاضرات الفكرية، والمناظرات الثقافية، ونتمنى أن ينقدوا أحيانا أو ينبهوا الأحزاب السياسية، على سلبياتهم، ونتائج خلفيات صراعاتهم، والقضايا المصيرية التي يتصارعون حولها بشكل عدواني، كقضية التدريس باللغة الكردية ومناهجها، ومشاكل المؤسسة التدريسية ذاتها، وكذلك إبداء الرأي حول قضية القوات العسكرية الحزبية، وكيفية تحويلها إلى جيش كردستاني، ومؤسسة عسكرية مستقلة، وغيرها من القضايا، والنشاطات الخدمية، لتوعية المجتمع للقضاء على الظواهر السلبية التي تنشرها أو نشرتها سابقا سلطة بشار الأسد، ونتمنى أن لا تنسى دورها كجزء من الحركة الثقافية، مهمتها تنوير المجتمع وتصحيح مسارات الأحزاب السياسية، لا التبعية لها والرضوخ لإملاءاتها، والتقوية بسلطتها( مع مراعاة وجودهم في الداخل والظروف المحاطة بهم).
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]