كيف يعدم الكردي ذاته - الجزء الأخير
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 4982 - #11-11-2015# - 20:32
المحور: القضية الكردية
والكارثة الثالثة، القوة العسكرية:
مواجهة الأشرار وأعداء الكرد، بقوة عسكرية تمثل جزء من الشعب الكردي في غربي كردستان، وتتبنى عقيدة حزبية، والعقيدة بذاتها ساحة صراع بين الأطراف الكردية، وبوجود قسم واسع من الحركة السياسية ضدها، مهما قزم سويتهم أو تكالبت عليهم الانتقادات وحملات التخوين بحق بعض الأحزاب المعارضة، لكنهم يظلون قوة لها رأيها، والطرفين وعلى خلفية تناقضاتهما بلغوا مرحلة أصبحوا لا يمثلون رأي الشعب الكردي، خاصة بعد اختلافاتهم المؤدية إلى ضمور الثقة بين الشعب، وتفاقم النزوح عن الوطن، وتعقيد القضايا المصيرية، إلى جانب مستنقعات العمالة بل والخيانة التي أغرقوا بعضهم فيها، والنازح الكردي وقسم واسع من الموجود في الداخل، يرفضونهم كممثلين، رغم غياب البديل عنهم. وعلى عتبات هذا الواقع، القوة العسكرية بحاجة للانتقال من واقع الانتماء الحزبي إلى جيش لغربي كردستان، ولبلوغها لا بد من مشاركة الشرائح الأخرى من الشعب، وخاصة تلك التي كانت ترى ذاتها قبل سنوات وقود الثورة، أي الشباب الذين كانوا يملؤون شوارع المدن الكردية، ومنظماتهم التي تناثرت وتشتت دون الأحزاب، ومعظمهم هجروا أو نزحوا إلى الخارج.
انتقال الأحزاب الكردية من ساحة الخلافات، إلى ساحة الصراعات ونفي الكردي الآخر، والإصرار والتركيز على إبقاء القوة العسكرية في إطارها الحزبي دون تمثيل الشعب الكردي، ترسخ ثقافة السلطات الشمولية، الفارضة وعلى مدى عقود إملاءاتها على الحركتين الثقافية والسياسية الكردية، والتي سخرت لها مراكزها الأمنية ومؤسساتها الخاصة، بسيطرة شبة مطلقة على كل شاردة وواردة ضمن الأحزاب، ورغم غياب السلطة، الشكلي وليس الفعلي، في هذه الفترة عن المنطقة الكردية، نجد أن الظاهرة السلبية تتفاقم وتتوسع إلى حد كارثي، وبدأت تخلق على عتباتها مفاهيم التخوين واتهام النازحين والمهاجرين بالهروب من الدفاع عن الوطن، وعدم أحقية العيش في الوطن لمن لا يدافع عنه تحت ظل السلطة الحاكمة، هذه الدعاية تضع نهاية مأساوية للحركة السياسية الكردستانية في المنطقة، ولا نستبعد أن تكون للقضية.
طرق الرد على الانتقادات على السلطة الحاكمة هشة، تتساوى في كثيره مع منطق سلطة الأمر الواقع، وكثيرا ما تؤدي إلى توسيع هوة الصراع حادة، مثلها مثل عملية نفي الأخر، وتدبلج بمنطق التخوين تارة، وعدمية الانتماء الكردي، والرد بالمقابل يصل إلى حد التلاعب بدماء الشهداء، وبمن لم يقدم الدم سابقا لا يحق له المشاركة حاليا، وكأننا أمام عدوين متنافسين على السلطة، لا طرفي حركة كردية تهدف إلى غاية واحدة، كما يدعونها، ويتنافسون على قوات لا تنتمي إلى تلك الأمة التي تنتمي إليها الشباب المهجر، أو بيشمركة غربي كردستان.
أعداء الكرد أخبث من يخدعوا بسهولة، وفي مقدمتهم سلطة بشار الأسد وحلفائه من أئمة ولاية الفقيه وتركيا وبعض الدول العربية، ومعهم قسم واسع من المعارضة السورية العروبية، سيظلون صامتين قدر المستطاع إذا بقيت القوات الكردية محصورة ضمن المجال الحزبي، واستمرت الأحزاب الكردية في صراعاتهم الدونية، وسيبحثون عن الحجج لضربها، إذا تقاربت، مثل حجة تحرير تل أبيض وعرضها على أنه استعمار كردي، وقد جند لها حكومة أردوغان مثقفون عربيون وقسم من المعارضة السورية، فنشروا أخبار ملفقة حول طرد قوات الحماية الشعبية العرب من مناطقهم، مع جملة خبيثة من التلفيقات والاتهامات، إلى أن وصل لوبيهم إلى أروقة المحاكم الدولية، وتاجروا بقراراتهم، لأن عملية تحرير تلك المنطقة من أيدي داعش تؤدي إلى احتمالين، ظهور بوادر تكامل جغرافية غربي كردستان، وبالتالي توسع قوات الحماية الشعبية إلى جيش كردستاني على سوية المنطقة المترابطة والمشكلة لجغرافية تمتد على طول كردستان الشمالي، وفي حال توسعت قوات الحماية الشعبية، وظهرت كقوة كردستانية، تمثل الشعب، ولا تنتمي إلى حزب معين، ستصبح قوة للدفاع عن الوطن من المنطق الكردستاني، دون عقيدة أو إيديولوجية معينة، وبالتالي ستتلقى الدعم الأكبر والمباشر من القوات الدولية، وستفرض ذاتها حينه على الأعداء والأصدقاء معا، وهي ما يجب أن تكون عليه القوات الكردستانية كمعظم القوات العسكرية في الدول المتطورة الحضارية.
لكن وللأسف التدخلات الإقليمية كانت أقوى من الإرادة الكردية، وتمكنت من توجيه القوة الكردية باتجاه معاكس، تتلاءم ورغباتها حتى الأن على الأقل، وفرضت على الدول الكبرى خلق قوة عسكرية تحت مسميات سورية، لعدم توسعها ضمن الطابع القومي الكردي، ولو كانت شكلية حتى الأن، وبالتالي أبعدت عملية دمج بين قوات كردية لغربي كردستان تقاتل في الإقليم الفيدرالي، والمقاتلة في غربي كردستان. وعلى هذا المنحى فالانتصارات الكردية الجارية، آنية وليست كردستانية بقدر ما هي خدمات لقوى كبرى لها مصالحها، وتصاعد صيت اسم البيشمركة وقوات الحماية الشعبية، في الإعلام العالمي، والأروقة السياسية والدبلوماسية العالمية، تنزلق ضمن مصالح الأخرين، وتدعم كقوات تقدم خدمات للعالم وعلى أطرافها تظهر مصالح الكرد. لكن، ماذا سيكون عليه مصير هذه القوات بعد انتهاء الخدمة؟ ولو فرضنا جدلاً أن القوى الكبرى ساندت قيام كردستان فيدرالية في غربي كردستان على منطق الحزب الواحد والقوة العسكرية العقائدية الانفرادية، هل ستكون كردستان حضارية ديمقراطية، أم سيطرة وطغيان، وسيادة فردية؟ مثلها مثل الإقليم الفيدرالي، مغطاة بمفاهيم ونشر ثقافة ديماغوجية مثلما نشرتها الأحزاب الشمولية في أوطان عديدة، وأدت إلى نتائج كارثية.
تبينت وعلى مر التاريخ، أن الدول والأوطان التي ظهرت عن طريق سيطرة الحزب الواحد، ومن ثم فرض مفاهيمه أو أيديولوجياته، وتشكيل قوة عسكرية عقائدية مؤدلجة، تتبع الحزب دون الوطن، لم تدم سوى عقود، وكانت النتائج كارثية للشعوب، ليس فقط المتواجدة ضمن سيطرة الحزب الشمولي، بل وفي الجوار، كالنازية في ألمانيا، والفاشية في إيطاليا، والبعث في سوريا والعراق، والناصرية في مصر، والشيوعية في الاتحاد السوفيتي، بخلاف ما أدى إليه فرض إيديولوجية أو مفاهيم بسلطة قوية لتكوين وطن أو دولة، وتبعتها تكوين الحزب أو الهيئة السياسية للحفاظ على الإيديولوجية المفروضة على الشعب، كمعظم الدول الحضارية الحالية التي شكلت جيوشها لتتبع الوطن لا الأحزاب، ومعظم الأحزاب ظهرت بعد تكوينها، بعضها تزول وتظهر أخرى والجيش يبقى تابعا للوطن.
يتحير البعض في كيفية تغيير قوة عسكرية عقائدية، إلى قوة كردستانية تنتمي إلى الوطن والشعب، ويشكك البعض في سهولتها، بل وحتى السياسيين من الطرفين غير مقتنعين ببلوغها. لهذه الحيرة مقبرة، بنقل القوة العسكرية من نمط عسكري واحد إلى قوى متنوعة، خاصة ومشاة ومدرعة، وغيرها والتي للمختصين العسكريين تسمياتهم، ولكل قوة أعلامها، وأن تكون مرتبطة بهيئة عسكرية تستهدف الدفاع وحده، وتمنع عنها الحوارات السياسية، وهذا واقع يعرفه معظم القوات العسكرية غير العقائدية، والتي تمثل الأمة والوطن، فلماذا لا يسمح لبيشمركة كردستان، ولغيرهم من الشباب دون أن يفرض عليهم أسم الحماية الشعبية، فتغييره خدمة لكردستان قادم، ويجب أن لا يكون عائقا، وقد شاهدنا وتحت إملاءات، على الأغلب، كيف تشكلت منهم قوات، تحت اسم الجيش الديمقراطي السوري، ويؤملون منه أن يكون البديل عن الجيش السوري الأسدي والحر معا، وهي فكرة خرجت من الأروقة السياسية العسكرية الروسية والأمريكية، ولا ناقصة فيها بقدر ناقصة عدم قبول الطرف الكردي الآخر.
خاتمة.
بدون منطق الحوار، وتقبل الرأي الأخر، والتحرر من الإملاءات الخارجية، وعرض الذات على الأخرين كمحاور، ودراسة مصلحة كردستان على بنية مصالح الدول الكبرى الجارية في المنطقة، ستكون أغلبية الانتصارات الكردية آنية، وستزول بزوال الحاجة، والحوار يشمل كل الأبعاد والمجالات، السياسية والثقافية والعسكرية، وليكن الاختلافات موجودة، ولنتعلم منطق قبول الأخر كنقد، ولا بد من التخلص من عدمية خطأ الذات، فللأخر رأي وله وجهة نظر، وهو ليس بعدو، بل قوة مختلفة في الرأي والدرب، لكن الغاية واحدة، والتكتيكات مختلفة ويجب العمل على أن لا تكون الاستراتيجية متضاربة، ولا شك العدو سيكون متربصاً ومتبصراً لمثل هذه اللقاءات وسترفضها، وستعمل المستحيل لعدم حدوثها، فلا بد أن يترفع الكردي مرة في تاريخه عن نزاهته مع العدو، مثلما هو عليها دائما، ويعمل بمقدار خبث العدو وتلفيقه لبلوغ غايته، إنها السياسة والحرب، وكلاهما خدع، من المنطق الديني و الدنيوي، بدونها ستتهاوى ثقة الشعب إلى الحضيض، وسيحتاج الإنسان الكردي إلى عقود وربما أجيال كاملة لاستعادة ثقته بذاته وبحركته.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
Mamokurda@gmail.com
[1]