مخطط تقسيم غربي كردستان
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 4861 - #09-07-2015# - 04:09
المحور: القضية الكردية
تحتل المسالة الكردية عامة وقضية غربي كردستان بشكل خاص أنظار الدول الكبرى، وتثير الدول الإقليمية، وفي مقدمتها المستعمرة لكردستان، فتبحث عن خطط لإعادة تفعيل مؤامرة تهميش القضية الكردية بأساليب مغايرة لطرق التعتيم الكلاسيكية المتبعة على مدى العقود الماضية. وما يجري اليوم في الأروقة السياسية حول غربي كردستان، تندرج ضمن مسلسل دراسة القضية السورية عامة، وطرق حلها، فيظهر احتمالان لتقسيم غربي كردستان وتبعية كل جزء منها، إلى جانب ضم جزء منها إلى الجغرافية التركية، بحجة احتواء النازحين السوريين والحماية الدولية، وفي عمقه تقسيم للمنطقة وتغيير لخريطتها المتشكلة في القرن الماضي.
الاحتمال الأول: إخضاع القسم الشرقي منه، من حدود إقليم كردستان العراقية، وحتى رأس العين أو كوباني في بعض الحوارات، تكون خاضعة سياسيا لإدارة الإقليم الفيدرالي، بجيش مشترك بين قوات الحماية الشعبية التابعة ل ب ي د وبيشمركة تابعة اسميا للمجلس الوطني الكردي. المنطقة الجغرافية غير محددة جنوبا، حيث تلاعب سلطة بشار الأسد، عن طريق مركزها الأمني المسيطر وداعش المتعاملة معها بطريقة أو أخرى. والمنطقة الممتدة من كوباني وحتى لواء اسكندرونه تحت الوصاية التركية، بموافقة دولية: إما بقرار من المجلس الأمن، وهو احتمال ضعيف، لسببين: لئلا يندرج كقانون رسمي دولي على احتلال لجزء من سوريا، والثاني ستضطر روسيا الاعتراض عليه، لئلا تكون طرفا مشاركا في التدخل التركي. أو أن تكون موافقة ضمنية ما بين دول الناتو وعلى رأسها أمريكا وبين روسيا، ولجغرافية معينة. وبناءً على هذا الاحتمال ستعزل منطقة عفرين عن شرقه ودون استقلالية، أو فيدرالية، كالتي ستحصل عليها القسم الشرقي.
الاحتمال الثاني: القسم الشرقي، وهي نفس المساحة الجغرافية ما بين ديركا حمكو وحتى كوباني أو سيقف عند حدود رأس العين. ستخضع لسلطة إقليم كردستان العراق الفيدرالي السياسية تحت صفة المجلس الوطني الكردي، والإشكالية في القوة العسكرية لا تزال عالقة، وهناك حوار مع القنديل حوله، وما يصرح به بعض قيادات الإدارة الذاتية حول دخول البيشمركة الموجودة أصلا في الإقليم، دلالة على أنهم لم يتلقوا الضوء الأخضر من قيادة القنديل بعد، وقراراتهم ذاتية، وليس من السهل عليهم قبول قوة كردية غير قوتهم الحزبية، ولا تزال الأوامر تصدر بناءً على التكتيك الدارج في المنطقة حيث العلاقات مع المراكز الأمنية للسلطة، علما أن البيشمركة التي من المحتمل أن تدخل المنطقة، هي القوات المتشكلة منذ سنوات ومن شباب غربي كردستان، وكان ذلك في أربعة معسكرات ضمت أكثر من ثمانية ألف بيشمركة، أنخرط العديد منهم ضمن بيشمركة الإقليم، ويحاربون معهم ضد داعش. والمنطقة التي ستجتاحها القوات التركية ستمتد إلى عمق، يقال: حتى أطراف حمص، وطولا ما بين كوباني وحتى شمال أعزاز، وتحت نفس الحجج، وتحت خيمة الموافقة الدولية، والثالثة: هي منطقة عفرين، ستكون تابعة لقوات الحماية الشعبية، تحت الإدارة السياسية ل ب ي د، وهذا ما تعترض عليه تركيا، وكان اجتماع قيادة أل ب ي د في تركيا قبل أقل من شهر مع قادة الجيش التركي وسياسييها، معظمه كان يدور حول هذا الموضوع.
في الاحتمال الأول سيكون الفصل والتجزئة عميقين، والتلاعب بمقدرات كرد غربي كردستان، وسيادتهم مكلفا، في البعدين الوطني والقومي، وسيكونون تابعين لإرادة خارجة عن حركتهم السياسية. وفي الاحتمال الثاني: سيكون الفصل بين المنطقتين مؤثرا، سيحصل ابتعاد ديمغرافي وتقسيم للحركة السياسية وستؤدي إلى إشكاليات عديدة من خلال البعد الجغرافي، علما أن المد الديمغرافي الجغرافي سيبقى من خلال كردستان الشمالية، لكن ستكون مسلوبة الإرادة وتابعة.
لا شك في هذه العملية، توجه أصابع الانتقاد إلى الحركة الكردية، السياسية والثقافية، في غربي كردستان ذاتها، والتي لم تتمكن من الاتفاق على أقل الأمور، ووضعت إرادتها بيد القوى الخارجية الكردستانية والإقليمية، وتحركت مسلوبة الإرادة والرأي، وكثيرا ما نفذت أجندات القوتين المتسلطتين عليهما، وتمادي البعض بالسلطة المعطاة له، واستخدامها بكل أبعادها لإذلال الطرف الآخر، دون الإحساس بأن ضعف طرف هو ضعف له بشكل طبيعي، وهذه الطريقة أدخلت الحركة الثقافية ذاتها في صراعها، وبالتالي أضعفت المنطقة ديمغرافيا وعسكريا واجتماعيا واقتصاديا. إلى جانب الأصابع التي توجه إلى كل من قنديل وإقليم كردستان الفيدرالي، اللذين فرضا إرادتهما على الأحزاب الكردية ووجهتهما حسب مصالحهما الذاتية وليس مصالح الشعب الكردي في غربي كردستان، وكثيرا ما أدخلتهم في عوز دائم دبلوماسي ومادي وعسكري لفرض إرادتهما. والأهم في كل هذه اللعبة الخبيثة التي لعبتها سلطة بشار الأسد بالفصل بين الأحزاب الكردية والحركة الثورية الشبابية أولا ومن ثم بين الأحزاب نفسها، وتقوية طرف على حساب طرف، وإذلال معظم أطراف الحركة الكردية، إما بتهجيرهم أو عمليات الترهيب عن طريق الاغتيالات والاعتقالات والتهديدات، ومن ثم تهجير الكرد عن طريق خلق المعاناة والمآسي والترهيب، وهي الآن تقف على رأس كل المشاكل العسكرية الجارية في المنطقة، وتخطط لجرها إلى بوتقة الدمار الذي خيمته على كلية سوريا. وهنا لا ينسى الدور السلبي الذي لعبته المعارضة السورية التي حاولت التسلط على الثورة، أو التحدث باسمها وهي أبعد من تتمكن من تمثيلها، لا عسكريا ولا سياسيا، ونشرت في حق القومية الكردية والطوائف غير المسلمة، مفاهيم أشذ مما كانت تنشره سلطتي البعث والأسدين، وعليه خلقت بينها وبين أغلبية الكرد هوة مليئة بالخلافات، ونبتت عليها الأحقاد، خاصة بعد أن تبنتها قادة معروفون من بين المعارضة العروبية السورية، وبها طمسوا معظم المفاهيم التي ظهرت مع الشباب الثوري.
ورغم كل ذلك، من حيث الانطباع السائد، ما عرضته في مقالتي هذه هو الواقع البادي للعيان؛ لكن في بعده الخفي، فالكرد ومعهم القوى الثورية في المنطقة في صراعهم ضد سلطة بشار الأسد وداعش، علاوة على تقوم به تركيا مع الدول الخليجية ومن طرف آخر حيث الهلال الشيعي وما يدور في فلكه ليست سوى حرب بالوكالة تقوم بها الدول الكبرى من أجل مصالحها في المنطقة متمثلة في قوتين متواجهتين. قوة صاعدة تبحث عن مكان لها وأخرى قديمة لا تطيق رؤية الغرباء. في هذه الحالة، منطقة شرق الأوسط تخوض حربا نيابة عن الغير رغما عن أنفها، ومن ضمنها المنطقة الكردية.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]