فتوحات الخليفة البغدادي وخلفائه-الجزء الثاني
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 4827 - #04-06-2015# - 20:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
ولم تنقطع علاقات قادة صدام العسكريين مع هذه المجموعات، كما وجد قادة الشيعة طرق بالعمل والتعامل معهم، لكن السنة البعثية الصدامية أعمقهم اندماجا فيهم، التقت هذه الكتل في بوتقة واحدة وتلاقت مصالحهم في تلك الفترة، بعد عشر سنوات من الحرب. جمع البعض من قادة البعث وجنرالات صدام وبمساندة بشار الأسد وأئمة ولاية الفقيه، أغلب هؤلاء أيام الوجود الأمريكي في العراق، لخلق الدمار فيها، وإلهاء القوات الأمريكية بالداخل العراقي، للتغاضي عن سلطتي بشار والملالي.
وكان خطأ بوش الأبن أثناء تحرير العراق من السلطة الدكتاتورية، مدمراً وعلى نفس القدر من خطأ والده( على الأقل بالنسبة لشعوب الشرق الأوسط) فجيوش الأب وقفت على حدود العراق بعد أن تم طرد قوات صدام حسين من الكويت، وتركوه يعيد تكوين ذاته، وبنى ما ذكرناه، والثاني لم يقترب من حدود سوريا بعد أن نقل صدام حسين معظم أسلحته الكيميائية ومعها نجليه إلى سوريا، ويتكتم على هذا معظم الإعلام والقادة السياسيين، لخلفيات سياسية ودبلوماسية، مثلما أرسل 150 طائرة حربية إلى إيران، وانتهت أمرهم كخردة، ويعلم الكل كيف ولماذا أعيد عدي وقصي من مدينة حماه، وقتلا في الموصل، والمعلومات وصلت إلى الجيش الأمريكي عن طريق الاستخبارات السورية، مقابل الحفاظ على السلطة في سوريا، تنفس بشار الأسد الصعداء، مثل صدام حسين بعد وقوف الجيش الأمريكي على حدود الكويت. لملم بشار الأسد ذاته، بعد سنتين من تحرير العراق، مع إيران لمحاربة الجيش الأمريكي في نقاط ضعفه، وخطأ الاستراتيجية الأمريكية سهلت لهم الطريق، والخطأ ليس في قرار إدارة أوباما بسحب الجيش من العراق، بل في تكتيك البوشين، وتجميد جيوشهم في أحرج اللحظات، وعدم إكمال المسيرة لإزالة طغاة الشرق في الوقت المناسب، وتركهم يتلاعبون بالمنطقة بدون رقيب، فكان الثمن باهظاً، وأدت إلى انسحاب أمريكي مخجل من العراق، وسيطرة مفهوم الاستعمار الأمريكي في الواقع العربي السياسي والثقافي، بدل تحرير الشعب من الطاغية والبعث.
بعد الخروج من العراق انتقلت أمريكا أو بالأحرى إدارة أوباما إلى تفعيل الاستراتيجية الأمريكية بطريقة أخرى، وسوية سياسية أعلى من مجرد مواجهة الجيش الأمريكي، وهنا تحركت ضمن الشرق الأوسط وفي العراق بشكل خاص، للاستفادة من القوة التي شكلت المنظمات الإسلامية العروبية، ووجهتهم ضد القوى المشكلة والداعمة لهم، وخلقت بينهم صراع، وجهتها ضد القوى الإقليمية الأخرى في المنطقة، حيث البنية الملائمة لخلق التناقضات والصراعات وعلى ركائز متعددة منها مذهبية وطائفية، وانتماءات سياسية، ومن خلالها ستفرض جغرافية الشرق الأوسط الجديد، وداعش بذاتها كمنظمة إسلامية قومية عروبية، تتقبل مثل هذه العروض، ولا تتراجع في تقديم ذاتها كعاهرة لمن يقربها من مبتغاها هذه، وهي غاية البعث السابق، دولة عروبية كبرى، تحت الصبغة الإسلامية. وتندرج ضمن هذه الاستراتيجية مفهوم الثأر الأمريكي لجنودها الذين سقطوا في العراق بيد هؤلاء، وهذا ما سنذكره لاحقاً.
كما وتستفيد أغلب حكومات الدول الإقليمية منها، تبينها مجريات الأحداث وتؤكدها التناقضات، وإلا فلا قدرة لمثل هذه المنظمة المتكونة من مجموعات متطرفة دينيا وشاذة اجتماعيا وموبوءة فكريا، وبقيادات خبيثة وخبيرة، أن تبلغ هذا المدى من السيطرة والقوة، ولولا اشتراك كل هؤلاء في تكوينها، وتغاضي الدول الكبرى عنها في بداياتها، لما بلغت من القوة العسكرية ما بلغته، ولما تمكنت من جمع هذه الكميات الضخمة من الأسلحة لتصبح قوة قادرة على مواجهة طيران دول الحلفاء وجيوش سلطتين معا، ومحاربة نصف المعارضة السورية المسلحة، وخلق هذه الدعاية الإعلامية حولها وجذب آلاف المسلمين المتطرفين من الخارج إليها رغم كل الموانع والأخطار. إنها لعبة السلطات والحكام الفاسدين، على حساب شعوبهم، للحفاظ على ممالكهم وأنظمتهم الشمولية، يسهلون لهم الظروف من جلب الناس واجتياز حدودهم الجغرافية ومدهم أو التغاضي عن مدهم بالأسلحة والعتاد، فهي من أنسب وأقوى المنظمات، عسكريا وفكريا وطريقة، التي استطاعت أن توقف موجة الثورات في الشرق، وتطمرها إلى حين.
سقوط مدينتي (الرمادي) و(تدمر) تبين عن أحد أبشع حالات النفاق، والتلاعب بمصير الشعبين السوري والعراقي، اشترك فيها كل الجهات ولغايات متضاربة.
1- الولايات المتحدة الأمريكية تخلت عن الرمادي، تحت عدة حجج، متناقضة، بينتها الإعلام الأمريكي ومحللوهم، وقادة عسكريون وسياسيون، يذكرون بأنها كانت عملية تخل فاضح، أو تقاعس مبتذل من قبل إدارة أوباما، بعدم الاشتراك في الدفاع عن المدينة. قيل في البداية أن العاصفة الرملية كانت حائلا بينهم وبين تكثيف الضربات الجوية على قوات الدولة الإسلامية، تبينت فيما بعد أن الحجة غير صحيحة، لأن العاصفة لم تكن بتلك القوة، وقيل فيما بعد، أن عملية قتل (أبو سياف) ومهاجمة حقل العمر النفطي كانت تغطية مسبقة للتخلي عن المدينة، لئلا تكون بتلك الضجة التي تسيطر على الإعلام، فذكر بعض المحللين أن التخلي عنها كان رد فعل على معارضة البرلمان العراقي بقسمه الشيعي على العرض الأمريكي في تسليح عشائر الأنبار السنة والكرد.
2- وبالمقابل تخلت عنها الحكومة العراقية، وبتكتيك من الهلال الشيعي، لإعادة السمعة لمليشيات الحشد الشيعي الشعبي الملوثة في تكريت، إلى جانب محاولة التأكيد للقوى الكبرى بأن الجيش العراقي بدون الحشد المذكور لن يتمكن من مواجهة قوات داعش، فلم يتراجع الجيش العراقي فقط، بل أنهزم وترك خلفه كميات من العتاد كافية لقوات الدولة الإسلامية في (فتوحات إسلامية) حتى دخول بغداد إذا لم تسند الجيش العراقي بقوات من إيران أو الجيش الأمريكي...
يتبع...
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]