كردستان من التعتيم إلى الإنكار-الجزء الثاني
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 4799 - #07-05-2015# - 07:35
المحور: القضية الكردية
حذارِ من كتُاب البعث الجديد
تداخل لغوي من حيث المعنى، ومنهجي من حيث التطبيق، يكمن ما بين التعتيم والإنكار، فكما تفضل به الناقد إبراهيم محمود، موضحا الترابط اللفظي بينهما وشمولية التعتيم على حساب الإنكار، وعليه وددنا أن نوضح التالي للقراء: الانتقال من التعتيم إلى الإنكار في صيغة العنوان، تعكس مرحلتين: الإنكار، وهي المرحلة الجارية، يستخدم فيها الشريحة الثقافية الرافضة لجغرافية وتاريخ الكرد، هذا الأسلوب المتناقض، أو المحير، وهي نابعة عن عدم القدرة على التخلص من ثقافة البعث، الملغية للأخر، محاولين الابتعاد عن مرحلة التعتيم الماضية، والتي طبقتها السلطات الشمولية بحق الكرد عامة، ومنهم كرد جنوب غربي كردستان. فشريحة الكتاب المدعية بالوطنية أو المتبنية طرف المعارضة، ومفاهيم الثورة، رغم محاولة البعض منهم التحرر، إلا أن ثقافة التعتيم الماضية لا تزال مسيطرة، فيضطرون الاستمرار على نفس النهج التعتيمي، لكن، بشكل يتلاءم وأبعادهم القومية العنصرية، وعليه فالاعتراف بوجود الكرد يرفقونها بنقض حقهم في جغرافيتهم وتشويه تاريخهم، وهو ما يدرج ضمن منطق الإنكار، لأن الاعتراف بالوجود الكردي، وقضيتهم، التي تبحث على كل المستويات الدولية، وفي الإعلام العالمي، والمحلي، تجاوزت مراحل التعتيم.
لا شك هناك مصداقية في بعض المواضيع التاريخية التي يطرحونها، وكثيرا ما ترفق بأخرى متناقضة، كتلك التي تبحث في عيد نيروز وتاريخه، ومتى أعيد إحياءه، المعروض دون تنقيب عن الوثائق الكردية ذاتها، كأشعار أحمدي خاني، وملا جزيزي، وغيرهم، الذين يذكرونه كعيد قومي كردي، رغم ارتباط رموز فيه بديانة شعوب تلك المنطقة (الزرادشتية) علما، هناك تحريف تاريخي للأسطورة من قبل الفرس من عصر الإمبراطوريات الأولى، (ذكرها بالتفصيل الدكتور أحمد خليل في احد أبحاثه عن الملك الكردي ازدهاك) إلى جانب قضايا أخرى سياسية معظمها تندرج في خانة محاولات التعتيم على التاريخ الكردي، وتمزيق جغرافيته والتضييق عليه، كسرد أسماء المعالم والمدن الأثرية، والتي هي حقائق مؤكدة تاريخيا، فلا توجد وثائق تثبت أنه كان هناك مراكز سكنية عربية قبل الإسلام لها أهمية تذكر، كالقريتين، مكة والمدينة في الجزيرة العربية، إذا استثنينا اليمن حيث العرب العاربة، فكيف تظهر وثائق تفرض أسماء عربية على مدن في كردستان تعود تاريخها إلى ما قبل ألفي سنة وأكثر؟ فالتلاعب بالأسماء الأثرية لا تختلف عن عملية فرض الأسماء الشخصية العربية والتركية على الشعب الكردي، كما ولا تختلف عن الإحصائيات الديمغرافية الحاضرة والتاريخية للشعب الكردي في جنوب غربي كردستان، فهؤلاء الكتاب، يتناسون كل ما قامت بها السلطات المستعمرة لكردستان من عمليات التشتيت والتهجير والتعريب والتتريك وغيرها. الرد على هذه الدراسات والوثائق المعروضة من قبل الشريحة، تبين للآخر شكوكه في مصداقية وجوده وقوميته وأحقيته في كردستانه، وكأن الوثائق المعروضة تؤكد مصداقية ما ويتطلب دحضها بمثلها، وفي الواقع لولا شكوك الكتاب العرب والترك بوثائقهم وعدم أحقية استعمارهم لكردستان، لما احتاجوا إلى هذا الكم من الوثائق والتحليلات والتنقيب عن التاريخ لدحض أحقية الكرد بوطنهم، ولما قاموا بالبحث والتنقيب عن وثائق لفترات زمنية متضاربة، وكما ذكرنا سابقا، أن دراسة التاريخ لا تثبت بمجرد عرض مرحلة دون أخرى، أو انتقاء الملائم لمنطقه، وتناسي المراحل والوثائق التي تتعارض ومفاهيمه.
رسخت شريحة تحت غطاء المعارضة، في ثورات الشرق المعاصرة، مفاهيم، لا تختلف عن ثقافة السلطات الشمولية، تتعارض وشعار الثورات، وقد فعلتها البعض بإدراك وتخطيط، بينهم المنشقون عن السلطات نفسها، وهم لا يزالون يؤمنون بالثقافة ذاتها، ومجموعة خالفتها على مبدأ الصراع على السلطة والقيادة، تكتلوا فيما بينهم، فحرفوا الثورات لغاياتهم، وبقوة لا تقل عن صراع السلطات ضدها. وعندما ظهرت الشعارات الوطنية الصادقة، ومفاهيم التآخي، والمساواة بين الشعوب في المنطقة، والتي كانت ستؤدي إلى تقليص أو إزالة سيادة العروبيين على الأوطان، كانت ردة الفعل قوية، وسريعة، فظهرت موجات متتالية من التيارات الإسلامية السياسية العروبية، انتقلت من الليبرالية إلى الراديكالية، والطرفان نحا نحو ريادة القوة العروبية، والإبقاء على التمايز العرقي، وعرض مفاهيم الوطن بطريقة تتلاءم وطموحاتهم القومية، ولم يتقبلوا في عمقه شعارا ثوريا ضمن الثورات التي فجرها الشباب وهم يطالبون بتغيير الأنظمة بكليتها، الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، بعضها طالت في كثيره العلاقات الدينية، بين المجتمع والدين، وبين الأديان ومجتمعاتهم، فحدث التلاحم بين القوى الإسلامية السياسية والعروبية، وكانت ردة فعلهم عنيفا، ساعدت بشكل أو آخر سلطة بشار الأسد، تحت سقف المعارضة، على تحويل ثورة الشارع إلى ثورة الجامع( أي ثورة دينية)، ومن ثورة تعمل على إسقاط النظام إلى صراع معارضة تطالب بتغيير السلطة، وركزوا نشاطاتهم على تغيير الحاكم بشكله، وعليه تأخرت نجاح الثورات، ومنها الثورة السورية، وتوسع الصراع في سوريا، لينتقل من صراع بين الشعب ونظام بشار الأسد ومن سبقوه، إلى حرب أهلية على السلطة، وطائفية بين مذهب وآخر.
فمآسي الشعب السوري اليوم ومعاناتهم، يتحملها أيضا هؤلاء الذين ساعدوا السلطة في تحريف الثورة عن مسارها، وطمروا شعاراتها وأظهروا البدائل الهشة. المعارضين بطريقة أو أخرى حقوق الشعوب غير العربية، مثلما فعلتها السلطات الشمولية السابقة، ولو كانت منتقلة من واقع التعتيم إلى الإنكار المغلف بعباءات متنوعة، وهمشوا الأديان بشكل أوسع مما كانت عليه في السابق، ورسخوا نهج العنف من الإسلام السياسي...
يتبع...
د. محمود عباس
نائب رئيس رابطة الكتاب والصحفيين الكرد في سوريا.
الولايات المتحدة الأمريكية
MAMOKUDA@GMAIL.COM
[1]