هل ستتحرر إيران؟ ما بين لوزان وحرب اليمن-الجزء الثاني
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 4779 - #16-04-2015# - 19:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
الإرهاب الإيراني والمنظمات المرتبطة بها، والتي ذكرها (باراك أوباما) في خطابه الأخير بعيد إعلان الاتفاقية مع إيران في (لوزان-سويسرا) لا تختلف عند الأمريكيين والأوروبيين، عن الإرهاب السني، وعن مفرزات المملكة العربية السعودية والدول الإسلامية الأخرى الحاضنة والمغذية للإرهاب، ودعمهم للتيارات الإسلامية السنية المتطرفة، بدءً من القاعدة إلى داعش والنصرة وحتى بوكو حرام وغيرهم، أخطر من الإرهاب الشيعي. فالدعم الأمريكي لدول الخليج، يرافقه الحذر من الثقافة التي تسود أغلب الدول الإسلامية السنية وخاصة السعودية، حيث الفكر الوهابي السلفي، وكثيراً ما يؤكده خبرائهم ومحلليهم والعديد من سياسييهم، ويعدونه المنبع الرئيس للإرهاب الإسلامي السني العالمي.
وعلى الأغلب أن عملية توريط دول الخليج وعلى رأسهم السعودية في حرب اليمن، والمبررة تحت حجة الدفاع عن الذات من الخطر الخارجي، وخطة استباقية للحد من خلق القلاقل مستقبلا داخل المملكة، لكنها في الواقع حرب استنزافية، تندرج ضمن استراتيجية مخططة لضرب اقتصاد الخليج. فبداياتها ظهرت، من خلال نزوح عشرات الألاف من اليمنيين إلى السعودية. ليس فقط اليمني الهارب من جراء الحرب سيحتاج إلى المساعدة بل كل الشعب اليمني سيدخل في عوز فيما إذا استمر الحرب، وهنا لا يستبعد اشتراك روسيا في رسم هذه الاستراتيجية.
في الواقع الفعلي، الحرب اليمنية (عاصفة الحزم)، تكتيك لاستنزاف إمكانيات السعودية ودول الخليج الاقتصادية، وخطط لصرف موارد النفط على السلاح، بدل الإعمار، والمؤدية إلى تباطء في وتيرة التطور الإنمائي الموجودة، وستؤدي مستقبلا إلى تململ المستثمر والشعب في الداخل، والأهم حاضرا، أن النزيف الاقتصادي، عسكريا، سيؤثر على:
1- دعمهم للمنظمات الإرهابية الإسلامية السنية، بشكل مباشر أو غير مباشر.
2- وعلى مركز قيادتها في العالم الإسلامي.
3- كما وستقلل دعمها للمعارضة المسلحة السورية السنية المتطرفة منها بشكل خاص. ولتغييب هذه الحالة، والتأكيد على أن العالم السني بدأ ينهض وينتصر، زيدت السعودية، من دعمها لبعض الأطراف المتشددة من المعارضة السورية المسلحة، والنجاحات الظاهرة لداعش والنصرة على الساحة الميدانية، في هذه الفترة على شبيحة بشار الأسد، من إدلب إلى المعبر الحدودي مع الأردن، والاستيلاء على مخيم اليرموك وغيرها، تؤكد ذلك.
4- إلى جانب تأثيراتها العالمية، يتوقع البعض أن تخفف من أعباء روسيا الاقتصادية جراء نقص أسعار النفط تحت تأثير زيادة الضخ السعودي المتزايد إلى الأسواق العالمية، لهذا يتوقعون أن لروسيا دور في جر السعودية إلى الحرب، دون أمريكا، لكن وكما يظهر في الفترة الأخيرة أن دور روسيا بدأ يتراجع في المنطقة، وتتبدى هذا من خلال ضعف تدخلاتهم في القضايا الساخنة في الشرق الأوسط، وتعويضا على ذلك وللتأكيد على عدم تأثرها بالحصار الاقتصادي، تقوم بعمليات عسكرية استفزازية، فأحياء صفقة الصواريخ س-300 المجمدة منذ سنوات لإيران، ومعها المناورات العسكرية في المياه الإقليمية حول بريطانيا، تندرج ضمن خطة التذكير بالذات الروسية القوية عسكريا.
لا شك أن الطرفين منابع للإرهاب، كل بطريقته ولمنظمات مختلفة، لكن ويبقى التكتيك الأوسع، وهي أن العديد من العمليات الإرهابية أو سيطرة منظماتها على مناطق، تخدم أحيانا الاستراتيجية الأمريكية، أو بالأحرى الدولة الخفية الأمريكية، وأوروبا، وبشكل خاص الشركات الرأسمالية العالمية.
ففرح الإدارة الإيرانية، والبعض من شعبه، بنتائج اتفاقية لوزان الأخيرة، مبنية على أمل الخلاص من التدهور الاقتصادي الذي يغرق فيه إيران سنة بعد أخرى، والخروج من التضخم المالي المرعب، المتصاعد يومياً. أئمة ولاية الفقيه بشكل أو آخر انتبهوا إلى خطئهم الاستراتيجي، وعليه، وبعد التوقيع الأولي على معاهدة لوزان، إذا نجحت، ورفع الحصار المأمول عنها، وحصلوا على قرار من مجلس الأمن، من المحتمل، أنهم سيتخلون عن:
1- بعض المناطق الساخنة التي صرفوا عليها الأموال والجهد والأسلحة، كاليمن.
2- وعلى الأغلب سيقلصون من دعمهم لمنظمات أخرى، لكن بتمهل.
3- ولن يتخلفوا في حال ظهور حل ما لسوريا بالتخلي عن بشار الأسد والبعض من سلطته. لكن تبقى سوريا بالنسبة لها، ولروسيا، مقارنة بغيرها، جغرافية استراتيجية، لذا سيستمرون بالتدخل في شؤونها العسكرية والاقتصادية والسياسية، لكن بحجم وقدرات أقل.
وتبقى عملية الصراع بينها وبين إسرائيل، والمثارة من الطرفين، بالقدر الذي تثيره ضد دول الخليج السنية، وفي الواقع، إصرار إسرائيل على عدم الاتفاق مع إيران لم يكن من أجل المفاعل النووية والخوف من بناء القنبلة الذرية، في الوقت الذي هي بذاتها تملك أسلحة نووية أكثر تطوراً ومنذ أكثر من عقدين، وهي تدرك تماما أن ما ستنجزه إيران لن تتعدى إطار ترهيب سياسي، لكن الإصرار على الإبقاء على الحصار الاقتصادي لإرضاخها، لغايتين:
أولاً: التأكيد على عدم محاربتها مباشرة أو عن طريق أدواتها.
والثانية: الحصول على اعتراف ما بكيانها كدولة، مثلما كان في عهد الشاه.
لا يستبعد أن تتحرر إيران، اقتصاديا على الأقل، إذا استمر أئمة ولاية الفقيه فعلا على تغيير استراتيجيتهم، وتراجعوا بشكل فعلي عن المستنقع الذي يغرقون فيه، وعلى الأغلب ، ورغم التصريحات النارية الجارية، سيعيدون دراسة كل حساباتهم السابقة، من حيث دعم الإرهاب ومصارعة العالم السني ومعهم الأمريكي والأوروبي، وسيحاولون إيقاف النزيف الدائم لاقتصادهم، وبالمقابل فإن السعودية ستغرق في المستنقع المماثل، إذا استمرت في حربها اليمنية، ودعمها للإرهاب السني عالميا، ولم تقم بالبحث عن حلول سياسية للقضايا التي جرفتها إلى عاصفة الحزم.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]