من حول كردستان الوطن إلى حلم؟ الجزء الأخير
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 4697 - #22-01-2015# - 05:57
المحور: القضية الكردية
ملاحظة: هذه الحلقات بحوث فرعية للسلسة التي تصدر تحت عنوان (ماذا فعل المربع الأمني بغربي كردستان؟)
ظهور مفهوم كردستان الحلم
كثر عدد البنود الواردة في برامج الأحزاب الكردية، وجميعها كانت دون سقف الغاية القومية-الوطنية، وتزايد التعتيم على الهدف بقدر طغيان السلطات الشمولية على إرادتهم ونشاطاتهم. وبالتزامن معها بث النظام مفهوم الأجزاء الكردستانية، المختلفة عن بعضها، فقسمت جغرافية الوطن، تحت تنوع الثقافات التابعة للسلطات المحتلة، وتوسعت اللهجات، وبدأت تترسخ هذه المفاهيم بين الأحزاب السياسية والحركة الثقافية التابعة في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وتم تهجير كلية (كردستان الوطن) إلى حيث الخيال، فأدرجت كتابة مصطلح (كردستان الحلم) في الأدبيات المتنوعة، بين المثقفين قبل السياسيين، تحكمت الأنظمة الشمولية بهذا النهج وغلفتها بخبث، ضمن إطار على أنه الأكثر منطقيا وعقلانية أمام الجاري، لتسكيت الشعب. بلا شك، لا عتب على عدو هذا مآله، بل على الحركة الكردية التي تقبلتها أو تجاهلتها، ولم تعي مخططات العدو، ولم تعمل شيئا يذكر للحد منها.
قضوا على مفهوم الوطن الكردستاني ليحل مكانه الوطن بالجغرافية المسكونة والمحاطة بحدود مفروضة من خارج إرادة الكل المعاش ضمنها، وفي أفضل حالاته، أصبح ترديد (الوطنين) تتصدر أغلب النقاشات السياسية والثقافية الكردية أكثر منها في واقع الشعوب الأخرى، وتكررت الطروحات عن الوطن (المتشكل اعتباطيا) في المجالس السياسية، منها لإرضاء الأخر المعاش مع الكردي في جغرافية حددت في بداية القرن الماضي، أو لإرضاء الذات، أمام الرهبة المتنوعة الأشكال، ومن ضمنها الذاتية حيث التشتت الفكري في مواجهة اجتياح ثقافة السلطات الشمولية، والجمعية حيث الحدود الجغرافية المتشكلة ومعها هالة الخلاف مع الطرف الآخر وشراسة العدو الذي لا يعترف بالكردي بمطلقه. ووطن (الحلم) لم يتوانوا في تكرارها لتبييض غاية الأحزاب أمام حكم الجمهور عليهم، وجعل الأحزاب القوة الوطنية الوحيدة المعتمدة في المجتمع الكردي، فحملوا الكردي الازدواجية السياسية الثقافية، رهبة أو قناعة، ما بين الوطن المعاش ووطن الحلم، وجعلوا الأول أقرب إليه، في الحاضر المتضارب، يحللونه ويدافعون عنه كواقع، وكفكر أقنعوا العامة به، وسهلوا له التخلي عن الهدف الأسمى أمام الجغرافية المتشكلة جدلاً والمفروضة على شعوب المنطقة، فأجبروا على نشرها، من قبل الأحزاب الكردية المتقبلة طغيان الثقافة التي فرضتها السلطات الشمولية لديمومة استبدادها على الكرد، وأرضخوهم على تذويب المفهوم الكردستاني وتحويله إلى (كردستان الحلم) ومن ثم قاموا بمحاولات طمر أركانها التاريخية والثقافية والديمغرافية، بعد التأكيد على قبولهم لجغرافيتها الممزقة.
مرحلة سيطرة الأحزاب الكردية على مسار الحركة السياسية، تعتبر في البعد القومي، أدنى سوياتها، رغم ما بلغه المجتمع من التطور الفكري-الثقافي، والإدراك العام للمحاط والمفاهيم القومية، ففي عصرهم، أصبحت كردستان تسمى ب(وطن الحلم) بعكس فترة الإمارات، حيث كردستان كانت (الجغرافية الموجودة) أمام النظر، والمعاش فيها، وتلقفتها الثورات اللاحقة لعصر الإمارات على نفس النزعة، واستمرت معاشه بين ورثتهم من العائلات المتنفذة رغم عصر العزلة الذاتية الثقافية والسياسية، والمرافقة للتجهيل المتعمد من قبل السلطات والحكومات الشمولية والطاغية، لكنها كوطن كلي زبلت مع الزمن وعملت الأنظمة الاستعمارية على ضمورها، وسخرت لها الأحزاب السياسية، للقضاء عليها، فأتبعوا الولاء دون صراع يذكر، بحجة الحكمة، والرؤية الصائبة الملائمة للظروف، بعد أن تمكنت من إرضاخهم فكريا وثقافيا، ومزقتهم تنظيميا، وأعدمتهم اقتصاديا. بلا شك، ليس كل العتب على عدو هذا مآله، بل تتحمل كثيره الحركة الكردية التي تقبلتها أو تجاهلتها، ولم تعي مخططات العدو، ولم تعمل شيئا يذكر للحد منها.
مرحلة الصراع ما بين العودة أو العدم
أسندت منذ بداية ظهور مفهوم الوطن المعاش، الانتقادات الموجهة إلى المطلب الكردستاني كوطن عند بعض الشرائح المتبقية من الكرد، بمصطلحات متنوعة، تناثرت ما بين العنصرية القومية، والوطنية الحاضرة، والتعصب القومي في عصر الحضارة الوطنية، وكثيرا ما اتهم المطالبون بكردستان الكلية، بالغوغائية اللامنطقية، وقضيت تحت غطاء الثقافة الديمقراطية على (كردستان الوطن) وخلقت على أثر التقسيم الجغرافي لها، الثقافات المتضاربة في كثيرة بين الكرد في الأجزاء الأربعة، بل أن البعض من الأحزاب الكردية، ألغت المفهوم الكردستاني وبتخطيط في الواقع العملي، مع ازدواجية طرحها كدعاية بين الشعب، أسندتها بأيديولوجية لا قومية، وهي في الواقع الفعلي تعتبر مرحلة من المراحل التي قضى فيها على كردستان الوطن، وتطمير(كردستان الحلم) ونقلها إلى (كردستان العدم) واتهام المطالب بها بالتخلف الفكري الثقافي، فتجاوزت الخلافات على التنوع الثقافي إلى الصراعات حول التسميات الجغرافية لكل قسم. والغريب وفي هذه المرحلة الزمنية، حيث الصراعات المذهبية والقومية على أشده، وبروز مطالب عصرية تتلاءم والعلاقات الثقافية والسياسية والاقتصادية بين الشعوب، بدأت الحركات الكردية تواجه معارضة جديدة، خارجية وداخلية، لمطالبهم العصرية البديلة عن غياب كلية كردستان كمرحلة صراع حضارية(الفيدرالية) تحت مفاهيم الأنظمة السابقة مسنودة بذرائع جديدة، والأغرب أن بعض الأحزاب الكردية تساند هذه المعارضات والانتقادات تحت طروحات أيديولوجية تطمر فيها كردستان كقومية ووطن.
في الواقع النظري والعملي، وكما ورد معنا آنفاً، تعتبر مرحلة سيطرة الأحزاب السياسية في التاريخ الكردستاني، من أضعف المراحل القومية الكردية، ففي فترة انتشار الثقافات العالمية، وبلوغ القوميات قمة مطالبها، وفي الوقت الذي تسيطر فيه كل الشعوب على كردستان تحت أسماء متنوعة وبقوة وطغيان قومي، ورغم وجود التبريرات المقنعة للأحزاب، لكنهم بشكل عام، مدانون قوميا بتنازلهم عن الهدف والمطلب، وإلغائهم كردستان الوطن من إعلامهم ودورياتهم، ولو كانت على مراحل، رضخوا فيها لإملاءات أو حتى تهديدات السلطات الشمولية ومربعاتها الأمنية، بل البعض تهاونوا سياسيا وثقافيا أو سايروا الأنظمة فطمروها وعلى مراحل من أدبياتهم، وأحاطوا معاركهم مع المعارضين الكرد بجماليات الوعي السياسي للحاضر الجاري، والرؤية الصائبة لطريقة الصراع مع العدو، والأسلوب الأمثل لبلوغ الممكن كحقوق لشعب اسقط إلى سوية الأقليات، وكانت أبشع هذه التنازلات في الجزء الجنوب-الغربي من كردستان، رغم أن الحركتين الثقافية والسياسية هناك في كثيره كانت أكثر وعيا من الأجزاء الأخرى.
لا عتب هنا على العدو، بالحاق أبشع الأضرار بأعدائهم الكرد القوميين، كواقع دفاع عن قوميتهم، بل على الحركة الكردية المتخاذلة، وخاصة الأحزاب الذين سيقفون يوما أمام المجتمع الكردي وسيحاكمون على التدمير الثقافي والسياسي والقومي الذي ألحقوه بكردستان، وسيحاكمون على تقاعسهم مع السلطات الشمولية على خلقها لمصطلح (كردستان الحلم) والذي يستخدمه معظم الكرد اليوم، ونحن منهم، كوعي ثقافي للحاضر الجاري، وأصبحت للبعض هذه الحقيقة الدارجة الأن تزول لينتشر بين المجتمع الكردي عدمية المطالبة بكردستان الوطن، ولا يجادل مع البعض عليها، كواقع يعكس الحالة التشاؤمية الجارية بسبب الحاضر المؤلم.[1]