ماذا فعل المربع الأمني في غربي كردستان؟ الجزء الخامس
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 4701 - #26-01-2015# - 08:22
المحور: القضية الكردية
إسقاط أحكام اليوم على ماضي العائلات التي واجهت الفرنسيين، لا تحمل منطقا واقعيا ولن تؤدي إلى نتيجة صائبة، فكثيرا ما يقول نقاد اليوم: الحكمة كانت بأن تقوم العائلات المتنفذة آنذاك، والمثقفون الكبار حينها وجميعهم كانوا من ورثة الأمراء وقادة الثورات، على خدمة القوى الاستعمارية المجتاحة للمنطقة، ومساندتهم وتسيير مصالحهم، وتطبيق المكيافيلية، لمحاولة كسب ودهم، من أجل القضية الكردية، لكن النقاد يتناسون حقيقة مهمة، وهي أن القادم لم يأبه يوما للوجود الكردي، وهم الذين بدأوا بتقويض دور المثقفين الكرد القلائل والعائلات المتنفذة، وقربت الذين خدموهم دون إثارة القضية كشعب يطالبون بالحرية، بل وفي كثيره اسكتوا فيهم الرغبة الكردية، كشرط أولي للتعامل، فالفرنسيين بشكل خاص، لم يخططوا يوما ولم يتناقشوا في مؤتمراتهم عن الكرد كقوة يجب أن يحصلوا على ذاتيتهم منفصلين عن الأخر العربي أو التركي أو الفارسي، وكانت القوى الثلاث تأخذ اعتبارها في المحافل الدولية الكبرى دون الكرد منذ حينه، وكانت تطمر قضيتهم أمام كيانات الأخرين، وهي كانت السياسة المترسخة عندهم على مدى العقود السابقة قبل وصولهم إلى كردستان. لا شك المستعمر سيحارب المثقف والوطني بكل قواه، وكان الكرد أكثر المحتلين وطنية، وأثبات عليه كانوا من أوائل المنتفضين في وجه المستعمر الفرنسي في جنوب غربي كردستان وكذلك في جنوبه، والانتفاضات شملت جميع المنطقة الكردية من عفرين وكورداغ إلى عاموده وبياندور ودياري توبي، وحتى تلك الانتفاضات التي ظهرت في الداخل، كدمشق انطلقت من حارة الكرد وبقيادة العائلات الكردية المعروفة هناك. هذه الانتفاضات في وجه المستعمر الفرنسي، بنيت على ثلاثة أبعاد، البعد الديني والوطني والقومي، فقد فضلوا حكومة وطنية سورية على حكم الضباط الفرنسيين، ورغم كل الثورات ضد العثمانيين والمآسي معهم لكن عند ظهور المستعمر، فضلوا القرابة الدينية مع العثمانيين، ولم يغب عنهما البعد القومي الكردستاني، وكانت من أحد العوامل التي دفع بالبعض من المثقفين الكرد والعائلات الكبرى خلق تقارب، لكنها لم تثمر، لبعد ذاتي، وهو: بسبب استئثار هؤلاء المتنفذين الكرد مصالحهم الشخصية دون القومية، إلى جانب التشتت، وضعف القدرات الاقتصادية والرؤية السياسية. وموضوعي وهو: تلاعب المستعمر بالقوى الكردية، وضغوط مصالح المستعمر في المنطقة. ولا يستبعد هنا، ضعف إدراك رؤساء الكرد على بناء قوة من العشائر وإظهارهم أمام المستعمر ككيان بإمكانهم أن يغيروا المعادلة في المنطقة. ومن المنظور الحالي وكما يفرده نقاد اليوم، تُذم الوجهاء المثقفون الكرد الكبار، قبل معاتبة رؤساء العشائر، من منطلق عدم رؤية المستقبل بوضوح، وغياب الدراية بأن المستعمر قوة مؤقته وكان عليهم تشكيل الذات والتعامل معه بكل الطرق الممكنة، متجاوزين النفور المسبق.
ومن المؤسف أن الاستراتيجية نفسها، تتكرر اليوم في واقعنا الجاري ضمن الشرق الأوسط، حيث التناسي المتعمد للكرد، في بعض المناطق والاهتمام بأخرى حسب مصالحها، رغم أن الكرد وفي كل المناطق، تتداخل مصالحهم ومصالح الدول الكبرى، لكنها وللأسف، وبسبب التشتت الكردي، لا تبلغ سوية مناسفة مصالح الدول الكبرى مع 22 دولة عربية وتركيا وإيران، وفي المصالح تبتذل القيم والأعراف ولا وجود لحقوق الشعوب. لا شك كان هناك نقص من جانب الحركة الكردية (إذا تمكنا من أن نسقط العائلات المتنفذة والسياسيين والمثقفين القلائل تحت صفة الحركة) المؤدي إلى الإهمال من الجانب الأخر، لكن وهذا النقص بحد ذاته يعود معظمه إلى العامل الموضوعي ثانية.
رغم ذلك ويبقى العامل الموضوعي هو الأقوى في الموازنة، والاهم التي أدت إلى ما هم عليه الكرد حاليا، كشعب بدون كيان، وتحت طغيان سلطات شمولية تعبث بهم المربعات الأمنية. فنظرة سريعة إلى تاريخ معاملة الفرنسيين للكرد، من خلال علاقاتهم بزعماء العشائر الكبرى ستفند حكمة إسقاط اليوم على ذاك الماضي، وستبين أن أغلب العائلات عزلوا بعشائرهم وبتخطيط، همشت قوتهم، اقتصاديا وعسكريا، ضربوا العشائر الذين كانوا سند وركيزة هيبة العائلات الكبرى أمام الفرنسيين والسلطات التي اتبعتها، ولا شك ضعف الدراية كان السبب الأكبر في عدم ظهور التقارب، وعدم تفضيل المسألة القومية على الدينية والوطنية، كما وقللوا من دور المثقفين الكبار أمثال الأميرين وغيرهما الذين برزوا على الساحة السياسية في جنوب-غربي كردستان منذ الثلاثينات، عزلوهم بطريقة أو أخرى، حوصروا اقتصاديا وسياسيا، ويقال أن هذه الاستنتاجات ناتجة عن أحكام تخمينية اعتباطية، لا شك، لا يستبعد عامل البعد بينهم وبين المناطق الريفية الكردية حينها، وقد يكون لسببين: إما عدم تقبل هؤلاء المثقفين، الأميرين خاصة، المعيشة الريفية الصعبة، ولم يفارقوا المدن الكبرى للمعيشة الدائمة، وهو احتمال نجده ضعيفا، أو انهم كانوا تحت إقامة شبه إجبارية وكان هناك مراقبة على تحركاتهم، وكما نعلم فانهم كانوا في عوز مادي طوال فترة حياتهم، في الوقت الذي كان الفرنسيون يصرفون الألاف على البعض الآخر في كل مناطق سوريا.
طريقة التعامل الفرنسي والرؤية المسبقة للقوى الكردية، أدت إلى مجابهات متفرقة في أنحاء المنطقة الكردية، ولم تكن متزامنة مع أية انتفاضات للقوى السورية ضد الاحتلال، وهي بمجملها شبه عفوية ضد الضباط الفرنسيين، قادة المناطق، الذين لم يكن لهم أوامر مسبقة بالتعامل مع الكرد كقومية قائمة بذاتها، ولها خصوصيتها المنفصلة عن المراكز التي ركزت عليها القوى الاستعمارية في الشرق.
يتبع...
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]