ماذا فعل المربع الأمني بغربي كردستان؟ الجزء السادس
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 4704 - #29-01-2015# - 21:15
المحور: القضية الكردية
طريقة التعامل الفرنسي والرؤية المسبقة للقوى الكردية، حركت في الكرد عدة دوافع لمجابهة القادم الغريب، وأدت إلى انتفاضات متفرقة في أنحاء المنطقة الكردية، والتي لم تكن متزامنة مع انتفاضات القوى السورية العربية ضد الاحتلال، رغم أن الدافع الوطني والديني كانا حافزان قويان، لكنهما بمجملهما شبه عفويان، وقد أثيرت في كثيره تعامل الضباط الفرنسيين، قادة المناطق مع عشائر المنطقة. وعلى ما يبدوا أن قادة الكرد لم يكونوا على المستوى المطلوب لإثارة اهتمام الفرنسيين للتعامل معهم كقومية قائمة بذاتها، علما ومن خلال حوادث جرت آنذاك، تبين أنهم وبعد فترة استقرارهم في المنطقة، وجدوا أن لها خصوصيتها المنفصلة عن المراكز التي ركزت عليها القوى الاستعمارية في الشرق، مع ذلك وللعاملين الذاتي الكردي أولا والموضوعي المتعلق بمصالح المستعمر في الشرق كله، لم تدرج القضية الكردية كواقع مستقل أو منفصل عن كلية الدول المستعمرة والتي كانوا في طور تكوينها، كسوريا والعراق وتركيا بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية.
كانت انتفاضات الكرد في منطقة الوجود الفرنسي، بقيادة زعماء عشائر شبه أميين، وارتكزت على مقومات شبه عفوية، حركتهم شعور الانتماء العشائري، والقرابة الكردية، ونبذ الغريب صاحب التعامل المتعالي، وقد غاب عن هذه التصادمات قادة الكرد المثقفين والمدركين للسياسات الدولية، أمثال جلادت وكاميران بدرخان، وآخرين، والذين كانوا (كما ذكرنا آنفاً) في شبه إقامة جبرية في عواصم البلدان المستعمرة لكردستان، أو كانوا يستأثرون حياة المدينة على المعيشة الريفية.
وبلمحات سريعة على تاريخ بعض العائلات الكردية في جنوب –غربي كردستان، التي واجهت الفرنسيين وخلفيات الصراع سنجد أن أحكام النقد الحاضر على الماضي تخرج عن إطاره المنطقي، وتبين أن العامل الموضوعي هو الأرجح، ليس لأن الفرنسيين ضد الكرد، بل لأن الكرد لم يكونوا قوة يؤثرون بها على المستعمر القادم وقبول تكوين كيان خاص بهم، وهي ما آلت إليه المنطقة الكردية وأدت إلى عدم تكوين كيان كردي مستقل في الفترة التي قسمت فيها جغرافية الشرق الأوسط، وتأسست الدول الموجودة حاليا، سنتعرض لتاريخ البعض كأمثلة.
كورداغ كانت لها باعٌ طويل ونصيبٌ كبير بقيادة آل ديكو في مقاومة استبداد العثمانيين، وعند ظهور الفرنسيين، والتنكير المباشر لنفوذ العائلة مع محاولات إذلال العشائر هناك، والتي لم تكن بتلك القوة التي تفرض ذاتها على القادم للتعامل معهم كقوة ذات كيان، فبسبب التعامل المنفر انتفضت العائلة لمواجهتهم، فكانت مواجهة بين الكردي الضعيف والقادم القوي، وكانت المقاومة في صورته البينية رد فعل لمعاملة الضباط الفرنسيين الذين صرفوا الكثير من وقتهم للقضاء على العناد الجبلي الكوردي وكسر شوكتهم في المنطقة، أما في بعده المخفي، صراع من أجل تكوين الذات أمام الفرنسيين، لكنه كان صراع من قوة منفصلة عن بقية العشائر من جهة ومن جهة أخرى لم تكن الأبعاد القومية على سوية تكوين كيان كردي مستقل، كانت فرنسا تعلم أن العائلة لها تاريخها ونفوذها، كقوة كردية في محيطها الخاص، وكانت بيدها ذمام المبادرة في خلق التقارب معها، لكن الحذر من القوى المجاورة والمعادية للكرد، تلكأ الفرنسيون، وبالمقابل هذه العائلة مثل معظم العائلات الكردية، لم يدركوا أبعاد المستعمر ومصالحهم، نتيجة لذلك لم يحاولوا الاستفادة منها لمصالحه القومية، ففضلوا عزل العشيرة، وتم تهميشها من قبل الفرنسين نتيجة لما ذكرنا، وآل ديكو من ضمن العائلات الكردية العديدة التي درجت ضمن هذا المنهج.
كتب روجيليسكو الفرنسي إلى جانب غيره من المؤرخين، عن هذه العائلة الكردية آل ديكو الآمكية (( AMKAN دفاعها ومعاركها ضد المحتلين التركٍ والفرنسيينٍ و حركة المريدين الإسلاميين، وتاريخ جدّهم الكبير جهانگير أمام الأتراك مروراً بحنّان ديكو آغا وسيدو ديكو آغا يوردها أغلب من يبحث في تاريخ كورداغ، كما ويذكرون عن معاركهم مع الدولة العثمانية في سهول كلس إلى جبال هاوار وگليه تيران ومقاومتهم للحركة الإسلامية الإرهابية (الحركة المريدية) في عشرينيات القرن الماضي والتي كانت مدعومة من المخابرات التركية والألمانية لضرب الخطوط الخلفية للفرنسيين، ويبدوا أن الكرد المثقفين وآل ديكو خاصة لم يستطيعوا أن يدرجوا صراعهم ضد الحركة الإسلامية، إلى دفع الفرنسيين للتعامل مع آل ديكو كقوة كردية أن تكون لها كيان كردي لا يثير القلاقل في وجههم، كما وعوملوا بطريقة دفعت بهم ليكونوا أعداء للفرنسيين في كورداغ، ليس لأنهم طلبوا العداوة بل لأن الفرنسيين منذ بداية ظهورهم في كورداغ، لم يجدوا القوة الكافية للتفاوض معها، فحاولوا تقليص نفوذ هذه العائلة الكردية المتنفذة، لذا اعتبرتهم مقاومة محسوبة على الحركة الوطنية السورية والدينية.
ومن خلال دراسة أحد المعارك التي خاضها آل ديكو، تبين الخلفيات الأخرى لصراعهم مع الفرنسيين، ففي معركة وادي النشاب المشهورة -GELIYÊ-;- TÎ-;-RAN -عام 1921 قام آل ديكو ورجالهم وعلى رأسهم سيدو ديكو بقطع طريق السكة الحديدية في ذلك الوادي مما أدى إلى تدهور القطار المحمّل بالجنود الفرنسيين، المرسلين عبر السكك الحديدية إلى كردستان الشمالية لمؤازرة القوات التركية ضد الثورة الكوردية هناك، وهذه الواقعة تظهر أنه كان هناك اتفاق ما بين الأتراك والفرنسيين ضد القضية الكردستانية بشكل عام.
لا شك، هذه العائلة من ضمن العائلات الأخرى التي حاربتها سلطة البعث لاحقا بعد الفرنسيين، كما وحاول الأسد وفروعه الأمنية من طمر تراثها الكردي واسمها وسمعتها في كورداغ.
دراسة مختصرة لتاريخ مقاومة بعض العشائر الكردية الأخرى للفرنسيين، في جنوب –غربي كردستان، تبين أن الصراع مع القادم الجديد لم يكن من منطق مقاومة المستعمر، بقدر ما كان على خلفيات ...
يتبع...
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]