ماذا فعل المربع الأمني بغربي كردستان - الجزء السابع عشر
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 5123 - #04-04-2016# - 23:30
المحور: القضية الكردية
عند دراسة التاريخ السوري المعاصر، تتبين بأن الاختلافات لم تكن واسعة بين السلطات المتعاقبة على الحكم، في نهجها وتعاملها مع الكرد، باستثناء، أنه ومع مرور الزمن وتغيير الأوجه، تصاعد النهج العروبي، وطفحت النزعة، لتتسلط على السطح السياسي العملي بعد الانفصال، فاشتد الضغط على المجتمع الكرد، وحظرت مجالات البحث بالقضية القومية، وأغلقت أبواب التعامل الوطني، وظهرت إلى العلن المخططات والقوانين الاستثنائية بحقهم، واستخدمت كل الأساليب الثقافية والفكرية والاجتماعية للقضاء على الشعور بالانتماء إلى الجغرافية المتشكلة فجأة بعد معاهدة جائرة، وعملت السلطات المتلاحقة على طمس رغبة الكرد بإيجاد مكان لهم في سوريا السياسية ما بعد عبدالناصر، بوضع حظر على السجلات المدنية وتوظيف أشخاص في دوائر التسجيل يفاقمون من الروتين والتلكؤ لعدم تسجيل المكتومين، أو الذين تحضروا، بحجة منع الهجرة الخارجية، وعدم امتلاك الكرد القادمين من الخارج للأراضي السورية. ووضعت العراقيل أمامهم ليكون شريكا في البناء أو الوحدة الوطنية، وتوضحت توجهاتها العروبية المنفية للأخر في البنود العنصرية التي درجت ضمن الدساتير السورية المتتالية، إلى أن استقرت على عروبة سوريا وألغيت القوميات الأخرى، وتتبعوا وعن طريق لجان شكلت خصيصا لهذه المهمة، عمليات ألغاء الكيان الكردي من الأدبيات الثقافية والسياسية، وإزالته كشعب من النسيج السوري، ورسخت الثقافة هذه تحت الاسم الذي أطلق على الجمهورية السورية، لتستقر بقرار من البرلمان على الصيغة النهائية (الجمهورية العربية السورية) وعليه طمروا الوجود الفعلي لكل القوميات غير العربية وفي مقدمتهم الكردية، وبناء على الدستور حذفت جميع الأديان والطوائف ما عدى الإسلام والمذهب السني، وتم التركيز على عروبة سوريا1، ومن حينها بدأت سوريا تغوص وتغرق في مستنقع العنصريتين القومية والطائفية.
بعد عملية الانفصال، سيطر التيارين العنصريين، الإسلامي العروبي، جزئياً، من خلال الإخوان المسلمين، والعروبي الفاشي، من خلال الهيكل المتبقي من البعث العربي الاشتراكي2، والذي ترأسهم مجموعة من الضباط العروبيين، أمثال صلاح الجديد، ومحمد عمران، وغيرهم من جماعة (اللجنة العسكرية)3 الخلية التي أنشأت في القاهرة عام 1959م بعد أن نفاهم عبدالناصر، وكان بينهم حافظ الأسد وضابطين من الطائفة الإسماعيلية هما عبدالكريم الجندي، قائد الحملة الموجهة لضرب الأردن في فترة الأيلول الأسود4، وأحمد المير قائد قوات الجبهة في حرب #06-12-1967# م مع إسرائيل والذي مني بخسارة فادحة، في الوقت الذي كان حافظ الأسد وزيرا للدفاع، المتملص من الفضيحة ليضعها في ذمة المير، وأنضم اليهم فيما بعد 16 ضباطاً بينهم سليم حاطوم وأمين الحافظ. هؤلاء هم الذين فشلوا في السيطرة على السلطة بالمحاولة الانقلابية البعثية الأولى عام 1962م، لإسقاط حكومة ناظم القدسي وخالد العظم، اللذين كانا من مجموعة حزب الشعب، ذو النهج القريب من البعث في بداياته. وكان ضباط اللجنة العسكرية يحاربون الجناح السياسي في حزبهم، والمتمثل بأكرم الحوراني وميشيل عفلق وصلاح الدين بيطار، مؤسسي البعث العربي الاشتراكي، علما أنهم كانوا الوسيط بينهم وبين الحزب، وكان لهم تأثير مباشر على سلطة ناظم القدسي وجماعته، بإصدار الدفعات الأولى من القوانين العنصرية ضد الكرد، ومن جملتها، عملية الإحصاء الجائرة، الملغية لنصف الشعب الكردي من الجنسية السورية، بعملية لم تستمر أكثر من يوم، تضمنت الاستعراب والتعريب، والتهجير معا، وقد كانت تتمة لمشاريع سابقة خططت لها جماعة عبد الناصر، وقد فاقم حزب الشعب وبرئاسة ناظم القدسي من عروبته ليغطوا على عدائهم للوحدة العربية والتي ظهرت بأنها ضد العروبة، ويبرروا انفصالهم، فجدوا معاداة الشعب الكردي وقضيتهم أرضية خصبة لهذه القضية.
كما وفرضوا على الكرد الحظر السياسي الثقافي، تماشيا مع قرار جمال عبدالناصر بحظر جميع الأحزاب في سوريا، علما أنهم كانوا بالمقابل يعيدون البعث إلى الساحة، ففي سنة الانتخابات البرلمانية، حظروا على ممثلي البارتي الديمقراطي الكردستاني، الدكتور (نورالدين ظاظا) والشيخ (محمد عيسى الشيخ محمود) الاستمرار بالانتخابات حتى النهاية، رغم نجاحهما الكاسح، وحصولهما على الأغلبية المطلقة للأصوات، وكان قد تجمع خلفهما أو بالأحرى خلف الحزب، كل الشارع الكردي من عفرين وجبل الأكراد حتى ديركا حمكو، وحجة سلطة (ناظم القدسي) أو ما كان يسمى بسلطة الانفصال، كانت صريحة وواضحة، عدم السماح للأحزاب القومية بالاشتراك في الانتخابات، والكرد الذين أدخلوا إلى البرلمان السوري، كانوا أعضاء في حزب الكتلة الوطنية، أو حزب الشعب الذي كان مؤسسه رئيس الجمهورية وعراب الإحصاء ناظم القدسي، والمحامي رشدي الكيخيا، وكان الحزبان عروبيان المنشأ والتوجه، ومثلوهما داخل قاعات البرلمان، فلم يتمكن البرلمانيون الكرد وعلى مدى السنوات التي ظلوا فيها نوابا أن يرفعوا قضية كردية واحدة، ومن خلال دراسة أرشيف البرلمان لتلك الفترة، لم تتبين بأنه قدمت عريضة تخص مشكلة من مشاكل المنطقة الكردية الثقافية أو السياسية أو الاقتصادية، باستثناء ما قدمه سابقا النائب محمد الباشا، حول عملية تسجيل المكتومين الذين كانوا يعتبرونهم قادمون من كردستان الشمالية أي الأراضي التركية، وغيرها من القضايا البسيطة التي توزعت ما بين نواب الكرد في عفرين والجزيرة، ولم ترقى إلى سوية القضية الكردية، ولم تسمح لهم أو لم تكن ضمن اهتماماتهم عرض مطالب البارتي أو مطالب الشعب الكردي الثقافية، كالتدريس باللغة الكردية، أو الاقتصادية، كبناء مصانع، أو السياسية، كالسماح للبارتي بممارسة نشاطاته بشكل علني، والتي كانت قد أصبحت بعد الانفصال في حكم العدم خاصة بعد الانشقاق المذري، والذي حدث على خلفية تدخل أيادي خارجية. وتقلص دور الوجود الكردي كجزء رئيس من النسيج السوري، وفي هذه القضية ظهر حينها تقريرا مفصلا من إذاعة أل ب ب سي حول التمييز العنصري الذي مارسته السلطة السورية بحق النائبين الكرديين ممثلي البارتي، والشعب الكردي في سوريا، وقضية الانتخابات.
في هذه الفترة كانت الاتصالات تجري بين ناظم القدسي وعبدالكريم قاسم على الوحدة الفيدرالية بين العراق وسوريا، فانتهجا مسيرة مشتركة لضرب الكرد، مثلما قام عبدالكريم قاسم بالحرب على كرد العراق، وبدأت الثورة المسلحة هناك، بقيادة الزعيم القادم حديثا من المهجر المرحوم ملا مصطفى البرزاني، كذلك نفذ حكومة حزب الشعب في سوريا أو بالأحرى الحكومة المشتركة من البعث والإخوان المسلمين وحزب الشعب، بتقويض الحركة الكردية السياسية الوليدة حديثا، وكان الاجتماع الذي حصل بين ناظم القدسي وعبدالكريم قاسم في تاريخ #14-03-1962# م على الحدود السورية العراقية5، تكريسا للنهج المعادي للكرد، إلى جانب القضايا الأخرى.
والوزارة التي شكلت حينها من قبل خالد العظم، في أيلول عام 1962م،6 عكست النهج العروبي بشكل واضح، فصعدت وزارة الداخلية النهج المعادي للكرد، وقامت بتوسيع صلاحيات مراكزها الأمنية في المنطقة الكردية، للقيام بالاعتقالات السياسية وتسريح الموظفين الكرد، ومحاربة الحركة السياسية والثقافية بكل الطرق التي تجدها مناسبة للقضاء عليها. فأمرت مديريات التربية على تسريح نصف المدرسين الكرد، وتابعت عن قرب عمليات نقل عدد كبير منهم إلى المناطق النائية عن أماكن سكناهم، كما وفرضت على معظم الدوائر الحكومية تسريح العديد من الموظفين الكرد، وتدخلت في أمور وزارة الزراعة ومديرياتها في المنطقة الكردية على تقنين الدعم الحكومي للمزارعين، وفاقمت من الفوضى بين امتلاك وتوزيع الأراضي التي كانت سارية في المنطقة، وبدأت تتوسع عمليات الاستيلاء على الأراضي من قبل شرائح متنوعة من الناس، تحت حجة الإصلاح الزراعي.
ومن جهة أخرى كانت المراكز الأمنية تقوم بدورها وبشكل مباشر وعشوائي على سجن العديد من الحزبيين، وملاحقة الجميع، وغيرها من الأعمال الترهيبية. والأغرب تقديمها تقارير عشوائية وملفقة عن عدد سكان الكرد المتزايد في غربي كردستان، كالبيانات الصادرة من قوى (الأمن الداخلي) و(مديرية الأمن العام) والمرسلة إلى وزارة الداخلية في السلطات المتعاقبة قبل الوحدة وحتى أحصاء 1962م، وهي نفسها الإحصائيات التي استند عليها (محمد جمال باروت) كمصدر رئيس في كتابه عن الجزيرة، إلى جانب استخدامه لكتابه السابق كمرجع، وتقرير قدمه (أكرم الحوراني) في تلك الفترة عن عدد سكان الجزيرة! ليبين أن الهجرة الكردية إلى غربي كردستان كانت حديثة، وأن نسبتهم تزايد بسببها، ويعرض على أسسها تاريخ المنطقة، وعليه أندفع البعض من الكتاب العرب مؤخرا ليستخدموه كمصدر أساسي للتهجم على القضية الكردستانية في غربي كردستان.
كان بإمكان، المراكز الأمنية، تخريب البنية التحتية الديمغرافية والاقتصادية والسياسية في المنطقة بسهولة، للصلاحيات الواسعة التي أعطيت لهم، فكان باستطاعة أبسط عنصر من الأمن زج أي كردي في السجن بدون حجة أو مذكرة توقيف. أدت هذه الصلاحيات المدعومة بالقوانين الجائرة، إلى جعل المنطقة تعيش حالة الاستعمار العروبي، وترسيخ مرحلة التمايز بين المنطقة الكردية والمناطق الأخرى من سوريا، اقتصاديا وثقافيا، والتي كانت قد بدأت بها الحكومات العروبية السابقة للوحدة والتي نظمتها حكومة عبد الناصر.
وبعد أقل من سنة من عملية الإحصاء قامت اللجنة العسكرية البعثية بانقلابهم الثاني واستلموا السلطة، وتم نفي الرئيس ناظم القدسي، الذي مات في المهجر7...
يتبع...
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
الهوامش:
1- نظامي حزب البعث والناصري، يؤكد الأول في مؤتمره التأسيسي المنعقد في #07-04-1947# م بانه حركة قومية انقلابية، وفي الفقرة الثالثة من البند الأول، يركز على أنه للعرب. وفي المادة العاشرة يلغون عمليا القوميات غير العربية من المنطقة. فعلى هذا النهج وضع دستور سوريا، ففي البند الثالث، يحدد الإسلام والمذهب السني دين الدولة ورئيس الجمهورية.
2- من ضمن بنود اتفاقية الوحدة، حل الأحزاب، التزم بها حزب البعث العربي الاشتراكي، وحل ذاته، وخلال فترة الوحدة لم يبقى منه إلا الاسم، باستثناء مجموعة من الضباط.
3- خلال الوحدة تم تسريح العديد من ضباط الجيش السوري، وأرسل عدد من البعثيين إلى مصر، وهناك وبمبادرة من العقيد محمد عمران تم تشكيل اللجنة العسكرية والتي ضمت في البداية (محمد عمران، صلاح جديد، عبد الكريم الجندي، حافظ الأسد وأحمد المير) وبعد العودة إلى سوريا تم توسيع اللجنة إلى 16 ضابطاً، هؤلاء هم الذين قاموا بالانقلاب البعثي وعمليا أحيوا الحزب من جديد وأعادوه إلى الساحة.
4- أيلول الأسود هو الاسم الذي يشار به إلى حرب بدأت في شهر (أيلول) من عام 1970م، بين الجيش الأردني والمنظمات الفلسطينية المتواجدة في الأردن. راحت ضحيتها عشرات الألاف من الطرف الفلسطيني وأكثر من 110 جندي أردني و1300 من المدنيين.
5- اجتمع الرئيس ناظم القدسي بالرئيس العراقي عبد الكريم قاسم في شتاء 1961م-1962م في (الرطبة) على الحدود السورية العراقية من أجل التقارب السوري العراقي والتمهيد لتشكيل كيان فيدرالي بين الدولتين.
6- تضمنت التشكيلة 3 وزراء بعثيين، ووزيرين من الإخوان المسلمين، ووزير من الجمعيات الإسلامية و3 وزراء من حزب الشعب الذي أسسه كل من ناظم القدسي ورشيد الكيخيا، ومركزه مدينة حلب.
7- سبق الرئيس ناظم القدسي من حزب الشعب، إلى دار الآخرة في المهجر الرئيس شكري القوتلي حزب وطني، ورشدي الكيخيا عميد حزب الشعب، ود. عدنان هاشم الأتاسي حزب الشعب، وعبد الفتاح أبو غدة، إخوان مسلمون، وخالد العظم، ديمقراطي، وميشيل عفلق حزب البعث، وأكرم حوراني البعث العربي الاشتراكي، د. نور الدين الأتاسي حزب البعث، غسان جديد حزب قومي سوري، قتل، أديب الشيشكلي، حزب التحرير قتل، محمد عمران حزب البعث قتل، صلاح البيطار حزب البعث قتل. نزار صباغ، الإخوان المسلمون قتل، بنان على الطنطاوي (زوجة عصام العطار) قتلت طبقاً لعنوان سكن زوجها. إلخ لأن القائمة طويلة وطويلة جداً خاصة بعد استيلاء البعث والأسدين على السلطة.
المراجع:
1- موقع هؤلاء حكموا سوريا
2- الصراع على السلطة في سوريا: الطائفية والإقليمية والعشائرية في السياسة. نيقولاس فان دام
3- تاريخ سوريا المعاصر، من الانتداب الفرنسي إلى صيف 2011، لكمال الديب
4- من تاريخ سوريا المعاصر 1946م-1966م، لغسان محمد رشاد
5- التكوين التاريخي الحديث للجزيرة السورية، لمحمد جمال باروت
[1]