ثقل الكرد السياسي إقليميا
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 4622 - #02-11-2014# - 09:44
المحور: القضية الكردية
بعيدا عن التعصب والرؤية الذاتية المتعالية، كإطار التباهي بالعائلة، الكرد لم يكن لهم دوراً سياسيا إقليميا مهماً، ولا دوليا مقارنة بالثقل الديمغرافي، أو الغنى الجغرافي، ونادرا ما تعمق الباحث الكردي في مقارنة منطقية بينه وبين القوى التي تتحكم بالمنطقة، من خلال العلاقات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية الإقليمية أو الدولية، فالكرد وفي معظم المسيرة التاريخية درجوا أو اندرجوا ذاتيا ضمن الحلقات الاستراتيجيات السياسية المتداخلة، وفي الحالات التي كانوا خارجها، لم يكن يمثلون سوى جزء من الكل الكردي، وعليه في معظمه بقوا كشعب ملغي من الثقل السياسي وبدون وزن لأثبات الوجود، والحركات التي كانت تنفذ من العملية وعلى مسيرة التاريخ الماضي لم يتمكنوا من الخروج إلى الفضاء الدولي إلا من خلال المصالح التي تطلبتها بعض الأطراف الدولية، وبشكل جزئي لم يتعدوا إطار جغرافية دول معينة، كالثورات الكردية التي غذتها البعض وساندوها حتى سوية معينة.
حوادث استثنائية وليست مسيرة الشعب الكلي أو ثقلهم السياسي المشتت والاقتصادي المنهوب على مر التاريخ، كان وراء ما برزوا فيه أحيانا في الحالات الماضية واليوم على الساحة الدولية، فمصائب كحلبجة الكيميائي وشنكال المنهوبة من قبل التكفيريين الإسلاميين البعثيين، وكوباني الصامدة كمدينة في وجه هجمات الأشرار المدعومين من كل الحكومات المستعمرة لكردستان، أخرجت القضية الكردستانية، إلى رحاب دولي لم يكن يحلم به القوى السياسية الكردية والكردستانية قبل شهور، رغم أنها لا تزال مجزأة وليست على مستوى كردستان الوطن.
فعدم إمكانية الخروج من الإطار المغلق عليه من قبل القوى الإقليمية، تندرج ضمن الأسباب التي حددت من بلوغها إلى سويات المحافل الدولية أو التعامل معها كشعب على مستوى دولة أو شعب لا يقلون عن الفرس أو الترك وأغلب الدول العربية منفردة، وهي في المحصلة من ضمن أخطاء القوى الكردية والكردستانية السياسية، وأبعادهم التكتيكية والاستراتيجية التي ربطوها بالقوى الإقليمية المسيطرة على كردستان، والتي تهمش الكرد وتسخرها لغاياتها القومية والوطنية، والغريب أن الكرد هم الذين يدفعون بذاتهم إلى حلقات الارتباط، ويضعون نفسهم في خدمة القوى الإقليمية، وكثيرا ما لا تحتاج هذه الدول إلى خدماتهم، فيهملونهم لعقود، وينسقونهم ضمن الحلقات الأضعف في كلية الصراعات الإقليمية، بل وأحيانا بدون ذكر لوجودهم في الاتفاقيات الدولية أو ضمن العلاقات الدبلوماسية الخاصة بالمنطقة، وبإهمال تام لثقلهم، لذلك ففي حالتي الضياع أو الإهمال من الجهتين الإقليمية أو الدولية، يتحملها الكرد ذاتهم قبل القوى الدولية ومصالحها، والتي تظهر في أبعاد أخرى مخالفة للمطروح.
معظم الكتاب والباحثين الكرد وغير الكرد الملمين بالقضية الكردية، يلقون بالعتب على التشتت السياسي أولا وعدم الثقة بالذات الكردية ثانيا، والتي خلف كلتا الحالتين تقف السلطات الشمولية والحكومات المستعمرة لكردستان، التي خلفت ثقافة تدمير الإرادة، وعدم معرفة الثقل الحقيقي للذات الكردية، وهذه الأخيرة، عدم الثقة بالنفس، دفعت بالقوى السياسية الكردستانية للبحث عن حماية لذاتها ومنظرين من خارج نطاقها لتنوير المسيرة، وكأن الطريق معتم بدون إنارة الأخرين أو مسك الأيادي من قبل المرشدين الغرباء، ولهذا فكثيرا ما كانت تعتم على القضية الكردية في الحوارات السياسية الإقليمية، وتهمل قواهم السياسية، وتدرج حركة الشعب كأضعف الحلقات وأخف الأثقال المؤثرة في الصراع الإقليمي، لكن وعلى أعتاب بروز قضايا عديدة اليوم، وفي فترة ثورات الشرق التي غيرت الكثير من الموازين، برزت القضية الكردستانية وقواها السياسية رغم تشتتها وخلافاتها وتبعيتها الجارية حتى اللحظة، إلى أعلى المحافل الدولية، وبثقل إقليمي تكاد أن تتجاوز معظم الدول المجاورة.
لكن وللأسف، الأطراف الكردية الكردستانية التي ترتبط بالهلال الشيعي في صراعها المذهبي - القومي، ضمن المنطقة، والقوة الكردستانية التي لا ترى ذاتها إلا من خلال التبعية للقوى السياسية التي أصبحت تعرض بالمقابل قضية المذهب السني كرد فعل للمد الشيعي، حتى ولو كانت التبريرات الكردستانية إيديولوجية أو تكتيكية- استراتيجية، تبقى مستمرة في خدمة الأسياد ولمصالح المهيمن، في الوقت التي تعمق الدولتين المهيمنتين، إيران وتركيا، الخلافات الكردية-الكردية دون أن يحاول الكرد كقوى سياسية أو شعبية الاستفادة من المعارضات المضادة لهاتين القوتين، في الوقت الذي يمرران من خلال الصراع الإيديولوجي الاستراتيجي والسياسة المذهبية مصالحهما القومية، والكرد في هذا الصراع يخسران وجودهما القومي، وعلى مر التاريخ تمكنتا من استغلال النهج الديني وسخرتها بخبث وحنكة لذاتية مطلقة، وللمصلحة ذاتها كثيرا ما اتفقت بين بعضها وتجاوزت خلافاتها الإيديولوجية المذهبية والاستراتيجية لتقضى على القضية الكردستانية حين بروزها، كما هي الأن والمؤامرة التي أظهرنا بعض تفاصيلها قبل شهر.
وفي كل المراحل كان الكرد من القوى التابعة التي خدمت بنزاهة للغير، وصارعت بعضها بشراسة، وهي نفسها اليوم وفي خضم الصراعات المتفاقمة على مجرى الثورات الجارية على الساحة الكردستانية لا تزال تتصارع، وكل جهة لها حجتها المقنعة لمتبعيها والتكيات الحزبية بجماهيرها، وكلما كانت القناعات أعمق كلما ازدادت حدة الخلافات الكردستانية، وتفاقم الصراع بين الجماهير الكردية، وهذه بدورها تنقص من ثقل الحركات الكردية في العالم الخارجي، وتسهل من قدرة القوى التي تستغلهم، لتستخدمهم كأدوات لتمرير أجنداتها ومصالحها وتبقيهم قوى مهمشة من خلال طرح القضية الوطنية الكلية والإيديولوجية العامة للشرق الأوسط.
ولولا قضيتا شنكال وكوباني وظهور خطر المنظمات الإرهابية في المنطقة، وخروجها من الجغرافية المغلقة إلى الرحاب العالمي، لما ظهرت البوادر الأولى للتقارب الكردستاني، والتي تعد أول بادرة تعاون كردستاني علني دوليا وتحت اعترافات دولية عالمية ولأول مرة في التاريخ، علما أن مثل هذه المداخلات والمساعدات حدثت على مر التاريخ الكردي، لكنها كانت محصورة ضمن الواقع الكردستاني وخلف الكواليس، والأمثلة عديدة، وأقربها، جمهورية مهاباد، وثورات برزان، وثورة شمال كردستان وعلى مدى ثلاثين سنة، وكانت تعتم عليها من قبل الكرد والأعداء معا، ولكل منهما أسبابهما وغاياتهما، لكن قضيتا شنكال وكوباني اللتين اقتحمتا الأروقة الدبلوماسية والسياسية العالمية ومن أبوابها الواسعة، جلبتا انتباه أكبر القوى العسكرية العالمية، وبحثتا على أوسع الطاولات أهمية، وأدتا إلى انجراف القوة الدولية وعلى رأسها أمريكا وأوروبا ليضغطان على الكرد وقواهم الكردستانية، ولغاية مصالحهم الذاتية استعجلتا بالضغط على القوى السياسية الكردية لخلق تقارب كردستاني للدفاع عن أرضها، وهي الأرض التي تندرج اليوم ضمن جغرافية الصراع مع الإرهاب، كما وبرزت على السطح ضغوطات على القوى الإقليمية كتركيا التي كانت تهمش الكرد، لتزيل عن غطائها الاستعماري، حتى ولو جزئياً، وهنا بدأت تظهر اللحظات الحساسة لكتابة التاريخ الكردي القادم بصفحات جديدة، وطريقة ملئها تستند إلى عدة عوامل منها:
1- التحرر بشكل تدريجي من الذيلية الفاضحة أو التبعية الاستراتيجية للقوى التي تتحكم بقرارات القوى السياسية الكردية وتنهب خيراتها، وهي الهلال الشيعي بكل أطرافها، والسني بكل دولها، ولا نعني قطع العلاقات الاقتصادية أو الدبلوماسية، بل الخروج من منطق التبعية وحلقة الإملاءات وعدم تمرير أجنداتهم على حساب القضية الكردستانية.
2- العمل بشكل سريع ومكثف للاستفادة من الدمج الحاصل بين مصالحها ومصالح الدول الكبرى في المنطقة، السياسية، وتوسيعها لتتشعب ضمنها المصالح الاقتصادية، وعدم النظر إلى هذه الدول كدول استعمارية كما تدرجها السلطات الشمولية المستعمرة الحقيقية لكردستان، فالكرد مستعمرها الأول والأخير لم تكن هذه الدول الكبرى بل الدول الإقليمية.
3- التعامل مع القوى المتصارعة في المنطقة، الصديقة كالشعوب، والعدوة كالحكومات والسلطات الشمولية، من منطلق الكرد شعب ذوي كيان تاريخي وجغرافي، ونعني منطلق الدولة، حتى وهي في غياب جغرافي غير معترف دوليا، منطلق وطن جار لسوريا وتركيا وإيران والعراق، وكردستان بأربع أجزاء ضمنهم هذه الدول مع الشعوب الأخرى لبناء وطن حر ديمقراطي بالمقابل.
4- الانتباه إلى أنه كلما كثف التركيز العالمي على القضية الكردستانية، تزايد معه تقارب أعداء الكرد (السلطات الشمولية) ووجود التبعية يسهل لهم قطع دابر خروج الكرد إلى المسرح العالمي بقضيتهم، والظهور على المحافل الدبلوماسية العالمية.
5- يجب تأجيل الخلافات الإيديولوجية، إذا كانت غاية الأطراف الكردية السياسية هي الوطن الكردستاني، فكل الإيديولوجيات مصيرها الموت بدون كردستان الوطن.
6- لا شك هناك قضايا تخص كل إقليم في كردستان، وهي من الأهمية بمكان ذكرها، كقضية تقسيم منطقة غرب كردستان والتخلي عن أجزاء جغرافية تحت حجج ومفاهيم ذاتية أيديولوجية لا تخدم كردستان الكل وستدخل التاريخ كوثيقة أبدية سلبية، إلى جانب الخلاف على المراحل الأولية لكردستان الكل، فالتدرج السياسي والجغرافي ينطلق من حق تقرير المصير وفي الواقع العملي من الفيدرالية، بدونهما سيخلق الكرد جدار العزل بينهم وبين الوطن القادم، إذا أرادوا أن يكون هناك القادم.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]