كوباني مدينة أمريكية
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 4617 - #28-10-2014# - 06:06
المحور: القضية الكردية
قبل أقل من شهر، صرح مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان الأمريكية العامة، أن كوباني قد تسقط، والتصريح كان يعكس رأي البنتاغون، وبدورها رأي الإدارة الأمريكية بشكل أو آخر، حينها لم تكن كوباني قد درجت ضمن الاستراتيجية العامة في حرب الحلفاء والناتو ضد داعش، كما ولم تكن ضمن الخطة المرسومة لكلية سوريا، لكن صمود مناضلي كوباني، وقوات الحماية الشعبية، ومعهم ضجة الإعلام الكردي العام، ونشاطات حركتهم الثقافية، وأقلام كتابها، نبهت الإعلام العالمي، بكليته، ونقلت قضية كوباني المدينة، رغم سقوط كلية المنطقة بيد التكفيريين والبعثيين والعشائر العربية الموالية لهم، من العمق الكردي الكردستاني إلى استراتيجية الإدارة الأمريكية، وجرفت بها إلى المحافل الدولية الدبلوماسية، نوقشت وبالتفصيل ضمن البيت الأبيض، وجلس عليها كبار الجنرالات والسياسيين الأمريكيين، وأخرجت كوباني من مجرد مدينة يدافع مناضليها عن ذاتهم إلى مدينة تدافع عن أمريكا والناتو، وأدرجت ومن أبوابها الواسعة إلى الواقع الاستراتيجي في الحرب الدائرة ضد المنظمات التكفيرية والإرهابية، فوسعت أمريكا من جغرافية المساحة التي تحارب بها المنظمات الإرهابية، لتندرج كوباني كمدينة استراتيجية، تقع في سوريا وضمن جغرافية كردستان المرفوضة من دول الجوار لتنتقل استراتيجية على الجغرافية التي يتحرك ضمنها الحلف الأمريكي ضد الإرهابيين، وهي بهذا مدينة تابعة لأمريكا، خطة وروحا، فخسارتها فيها ستظهر لسياسييها وعسكرييها تمهيد لقدوم الإرهابيين إلى جغرافية أمريكا، وهذا بالضبط ما تظهر في الإعلام بين فترة وأخرى، وهم يعكسون جزء من المحادثات الجارية في الأروقة السرية، وعليه نقلت المعارك الدائرة حولها وضمن شوارعها، من مجرد معركة بين الكرد والإرهابيين، إلى معركة بين أمريكا والإرهابيين، يقودها الكريلا ومعهم أدرجت مؤخراً البيشمركة، والأخيرة لعدة اعتبارات سياسية ودبلوماسية، إقليمية ودولية. وفي محصلة المشاورات الدولية، وداخل المحافل الأمريكية العليا، من الكونغرس إلى البيت الأبيض، انتقلت وتحت بنود استراتيجية، قضية الصراع على المدينة الصامدة من معارك محلية إلى قضية عالمية، ودخلت التاريخين السياسي والعسكري من أوسع أبوابها.
ورغم هذا التبيان الواضح لقضية الصراع على هذه المدينة، والتي هي بالنسبة للكرد قضية حياة أو موت لقسم من جغرافية وديموغرافية كردستان، لا تزال كوباني البوابة التي يبحث أعداء الكرد الولوج من خلالها لإعاقة الحلم الكردي. ورغم الحرب الأمريكية على المنظمات الإرهابية، وإدراج بعض تلك الدول في حلفها، مثل السعودية وتركيا وغيرهما، لكنها لم تتمكن من قطع تلك العلاقات السرية بينهم والمتعلقة بالكرد، ولا يزالون على علاقات سرية، وتعاملات خفية، والسلطة السورية وإيران لهم دور بشع في هذا، وبالتأكيد أمريكا على دراية بهذه المؤامرة، ولم تصدر بقرار رسمي إلا بعد أن تأكدت من حقيقتين:
الأولى: أنه لا سند أرضي لها في الشرق سوى الكرد، وكان ذلك بعد ضغط سياسي وعسكري واسع على إدارتهم في البيت الأبيض.
والثانية: بعد أن اتفقت على البنود الرئيسة فيما بينها وبين روسيا حول قضايا ساخنة، وضمنها القضية الكردية.
فرفعت الإدارة الأمريكية من وتيرة معارضتها للمؤامرة وبشكل عملي، وذلك بالمجاهرة بشكل رسمي من دعم القوة الوحيدة التي يمكن الاستناد إليها على الأرض في حربها مع الإرهاب، البيشمركة في العراق، والأن أدرجت كرد غرب كردستان ومن بابها الواسع في الحلف، وبناءً عليه، جرت اتفاقية بين روسيا وأمريكا والناتو، على أعتاب قضية أوكرانيا، مقابل ترجيح أفشال المؤامرة، والتركيز على كرد سوريا وبالضبط الفصل بين حزب العمال الكردستاني والتي تصر تركيا على إبقائها ضمن قائمة الإرهاب، لكن أمريكا وبتصريح رسمي عزلت أل (ب ي د) كحزب عن تحركات اللوبي التركي، والتصريح شرعت أبواب الأمريكيين للتعامل، ليس فقط في المجال العسكري بل وفي المجالين السياسي والدبلوماسي، لازال هذين المجالين غير مندرجين في الواقع العملي بعد، وهاتين الأخيريتين ستعتمد على مدى مرونة الكرد وخبراتهم، والدراية بطرق ارتباطاتهم مع القوى الإقليمية، ومدى تسخيرهم الإمكانيات المادية والفكرية لهما. ولهاتين الغايتين بزلت أمريكا جهودًا لا يستهان بها، وفرضت على أحزاب غربي كردستان المتضاربة والمختلفة على الكثير، الاشتراك في العمليتين السياسية والعسكرية، حتى ولو كانت شكلية، لكن المهم هنا بالنسبة للأمريكيين، وجود مبرر قانوني، وسياسي دبلوماسي، لمساندة الكرد في غرب كردستان على مواجهة داعش وغيرها من المنظمات الإرهابية، ومثلما يجدها الحكومات والسلطات الشمولية أعداء الكرد، أن كوباني هي بوابة الولوج إلى عمق كردستان، أصبح يجدها الأمريكيون القلعة التي ستكون أول انكسارات الإرهابيين على جدرانها.
وبدأت تظهر الحرب الدائرة في المنطقة الكردية حرب بالوكالة ليس دفاعاً عن أرض كردستان والأقليات الموجودة فيها والمهددة من الجهاديين الظلاميين، بل عن أمريكا والعالم جميعا، وعليه وبالمقابل خططت دول الناتو وضمنهم أمريكا برنامجا لا يزال غير كامل البنود، سيحصل الكرد بناءً عليه على الكثير، وهذا الكثير يعتمد مدى قدرتهم على:
1- تأجيل خلافاتهم الحزبية والإيديولوجية.
2- التحرر من علاقاتهم الاستراتيجية مع القوى التي تدبر المؤامرة عليهم، ومدى معرفتهم بأن الصراع بينهم ككرد وبين الحكومات الشمولية المستعمرة لكردستان لا تزال قائمة، وأن أي استمرار للعلاقات التكتيكية أو الاستراتيجية للأحزاب التي تدعي بانها تمثل الشعب، ستضع نهاية حتمية لما يخطط لكردستان قادمة، ربما ليس حاضرا، لكن القادم قد يعيد صفحات من تاريخ هذه الأمة.
3- ترسيخ العلاقات الكردستانية التي بدأت تظهر بعض بوادرها بشكل عام، وهذه العلاقات ستلعب الدور الرئيس وبمساندة أمريكا في أفشال الخطة العنصرية ضد الكرد.
4- كوباني المدينة التي جذبت أنظار العالم، يجب أن تصبح حلقة الربط بين كل الأطراف الكردية في غرب كردستان، وبإمكانها أن تلعب الدور الكبير في المعارضة الوطنية ضد السلطة الشمولية وأدواتها مثل منظمة داعش الإجرامية.
لا شك أن هذا التركيز الدولي على غرب كردستان ومن خلال صمود كوباني، سيزيد من العداء تجاه الكرد وقضيتهم، حتى من بعض أولئك الذين يرفعون الشعارات الوطنية، وهذا يتطلب من قادة الأحزاب الكردية والكردستانية، إحاطة تصريحاتهم الإعلامية بالحيطة والحذر، والأهم عدم التلاعب بين الاتفاقيات والواقع العملي على الأرض، وألا تظهر تراجع في محاولات تأجيل الخلافات، وهذا ما بدأ يتبين للمراقب السياسي من خلال تصريحات البعض من مسؤولي الأحزاب، وقد يكون رد الفعل هذا مبنياً على منطلقين:
1- استمرارية ضغط القوى الإقليمية على مسيرة الأحزاب، وضعف قدرة الاستقلالية من الإملاءات الخارجية.
2- عدم قدرة الخروج من الانتماء الحزبي، وطغيان ثقافة التباهي بالحزب كبديل عن أن الانتصار أو الفشل يعود إلى الوطن والشعب وليس للحزب، وللأسف هذا ما يلاحظ في صفحات التواصل الاجتماعي وفي الصفحات المنشورة للكتاب المنتمين إلى الأحزاب، والأوسع منه التمجيد اللامحدود للأحزاب، وكأن وراء هذه الدعاية الواسعة إملاءات من قيادة الأحزاب لأعضائها ومواليها، كنتيجة طبيعية لضغوطات إقليمية.[1]