مؤتمر العرب وتركيا حضور لنشر ثقافة موبوءة
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 4304 - #12-12-2013# - 22:15
المحور: القضية الكردية
4-د. جمال باروت في عرضه لتاريخ ديمغرافية كرد غرب كردستان.
يموه الدكتور جمال باروت في محاضرته عدة قضايا ووقائع مهمة أخرى جرت في المنطقة الكردية، ويجانب المصداقية في العديد منها، رغم إنها قضايا جدلية في تاريخ الكرد بين سلطة الأسد – البعث الشمولية والشعب الكردي، وأصبحت بكليتها معروفة لكل مثقف ملم بالتاريخ الكردي وتعد اليوم من المسلمات التي لا تحتاج إلى تبيان أو شرح، لكن طرحها في مؤتمر على مستوى مؤتمر العرب وتركيا، وبحضور هذا الكم من المفكرين والباحثين، لها خلفيات فاضحة، ستؤذي مستقبل الشعب السوري في قادمه، وبعد زوال السلطة الحالية، ومن هذه المسلمات التي يحاور عليها الدكتور حسب وجهة نظر أحادية الجانب ومستمدة من ثقافة النظام الشمولي الأسدي- البعثي:
1- طرق الاستيلاء على أراضي الفلاحين الكرد وتمليكها لعائلات المستوطنين العرب، وبالمقابل نقل البعض من الفلاحين الكرد إلى خط العرض المطري دون 100 ملم.
2 - عملية بناء 42 مستوطنة نموذجية في المنطقة ذات الديموغرافية الكردية المطلقة والممتدة من رأس العين ( سري كانيه ) إلى مدينة ديركا حمكو في شمال وشرق سوريا، وعلى عمق لم يتجاوز خمس كيلومترات عن الحدود التركية، رغم أن الحزام العربي كان مخططاً لخمس عشرة كيلومتر عمقاً إلا أنهم تجاوزا في بعض الأماكن إلى أكثر من خمسة وثلاثين كيلومتراً، وهي من أخصب المناطق الزراعية في سوريا وكانت حتى ذلك الحين الوجود الكردي مطلقاً مع قرى كردية من الديانة المسيحية مثلهم مثل الأصلاء من الكرد الإيزيديين، وبعد بناء المستوطنات العربية بدأ تجريد الفلاحين الكرد من أراضيهم تحت حجة المكتومين أو الأجانب، والاستيلاء على أراضي الملاكين تحت حجة تحديد سقف الملكية، ومن المهم التذكير أن العرب الذين جلبوا إلى المستوطنات النموذجية تلك لم يكونوا كلهم مستقدمون من المنطقة التي غمرها مياه سد الفرات، وهذه معروفة للكل بسبب التعارف والتحاور ومعرفة موطن أغلب العائلات الموجودة في تلك المستوطنات.
3- والأغرب من كل ما سبق هي عملية تشويهه لحقائق بينة للجميع، كتعريب أسماء القرى والمدن الكردية، فأقرب مثال القرية التي ولدت فيها أسمها (نصران) وهو اسم له خلفية تاريخية، رغم إن ساكنيها مسلمون كلهم لكن أجدادنا لم يعترضوا على نوعية الاسم بل كانت مفخرة تاريخية، لعراقتها، وبعد عملية الاستيلاء على نصف أراضي العائلة ومن ضمنها أراضي هذه القرية وإعطائها للعائلات العربية التي جلبت في منتصف الثمانينات وبالضبط عام 1984، وهي الفترة التي لم تكن هناك شيء اسمه الغمر، أو فيضان مياه سد الفرات، غير الاسم مع عملية الاستيلاء وأطلق عليه أسم (منصورة) تيمناً باسم رئيس الأمن العسكري في القامشلي، نكاية بإصرار الوالد محمد عباس أبن الشهيد عباس عباس على رفض الاستيلاء والتعريب.
4- الأغرب في محاضرته، تطرقه إلى النسبة السكانية، وعدد الكرد إلى مجمل سكان سوريا، يطرحها وكأنه لم يسمع بنظرية مالتوس عن التزايد السكاني والمتوالية الهندسية، وهنا بالتأكيد ليست في صالح الكرد، لأن نسبة الأقلية تتناقص بعد عقود من الزمن، وهنا لا أود شرحها للقراء، لكن التلاعب الذي يقوم به الدكتور وبخبث، عندما يعرض الإحصائية الوهمية والتي ليس لها وجود، إحصائية عام 1985 وعدد الكرد في المنطقة، وتكرمه بإضافة الكرد الأجانب إليهم، وتناسيه الهجرات إلى الداخل السوري التي أتبعت مرحل الحزام العربي والحصار الاقتصادي للكرد، وما تبعها من مقارنات، وغايته النهائية أن يوهم العالم والمستمع على أن سوريا كانت تقوم بإحصائيات لشرائحها المتعددة، والإحصائية الوحيدة كانت في الثلاثينات من القرن العشرين بالضبط عام 1937 حينها كانت تحصر العدد في القرى المتواجدة فيها الكرد بشكل دائم، ولم تتضمن الذين كانوا ينتقلون بين مناطق كردستان بين فصلي الشتاء والصيف، وهي الإحصائية التي قام بها الفرنسيون، مع طغيان للتخمين عليها، والنسبة الكردية حينها تجاوزت 29% فقد كان يضم كرد جبل الأكراد والكرد في كل المدن السورية الكبرى.
في الواقع البعثي الكل ينعدم ضمن الجنسية العربية السورية، ولا وجود لذكر الكرد لا في الإحصائيات ولا حتى في السياق الكلام السياسي، وما ساقه من النسب والأعداد التي طرحها بعد جمع وطرح وتقسيم وعرض لمغالطات لم تكن بسوية باحث معروف حول عمليات تحديد النسب السكانية، أثناء المحاضرة، تشويه لذاكرة الشعب السوري، وخداع للمستمع، ونفاق على الهيئات الدولية المعنية بالأمر، وأي حديث أو طرح علمي سكاني حول نسبة الكرد في سوريا سيبقى في التخمينات، وسيتأرجح ما بين عشرين إلى الصفر الباروتي للكرد في سوريا، فبدون إحصائية دقيقة وبعد سنوات من حكم ديمقراطي وزوال الطاغية لا يمكن الحديث عن النسب السكانية، وما عرضه الدكتور جمال باروت كانت نابعة من الخلفية العروبية البعثية والثقافة العدمية، وإلغاء الأخر.
الخلافات بين الكرد والعرب أو الأخرين، الذين يحتلون كردستان، الوطن الذي لا يمكن إنكاره في عصر الوضوح هذا، لا تقف عند حدود الإلغاء أو إثبات الذات. فالقضايا العالقة بين الشعوب، لا تحل بنفي الآخر أو بالانتقاص من ماهيتهم أو تمييع جغرافيتهم أو تشويه تاريخهم وإذابة ديمغرافيتهم، فالبشرية بلغت أعتاب عصر يمكن التنقيب عن كل ما ذكر، وإيصال المعلومات إلى المحافل الدولية في اسطع حقائقها، فالبشرية تنتظر طفرات حضارية إنسانية يمكن على أعتابها العيش معاً في وطن يحتضن الكل دون إلغاء أو أن تعدم هناك مفاهيم الانتقاص من قيم الإنسان الأخر، أفضل الأخلاقيات هي عندما تبدأ الشريحة الفاعلة من ذاتها، وهي تدرك أن ما تقدمه إلى الواقع هو نفسها ما تريده من الأخر إن تفرشه لها من التقييم والاعتراف بكيانها، فإلغاء الآخر مهما كانت دونيته لا يأتي سوى برد فعل عكسي يجلب التشويه المقابل، فكل الشعوب لها صفحات مليئة بالسواد وفترات من التاريخ غارقة في الضحالات الفكرية والثقافية والأوبئة الأخلاقية، وبالمقابل تحمل النقاء والقيم الأخلاقية المثالية، وعلى الشريحة المثقفة والواعية أن تبحث عن القيم التي يمكن عليها أن تتلاقى مع الأخر وتفتح تلك الأبواب معها لتولج إلى الضمير الإنساني، لتتفاعلا هناك الثقافات التي ستبنى عليها الحضارات، وتزدهر الأوطان التي سيعيش فيها كل الشعوب المتواجدة في الجغرافيات المتداخلة على مر العصور، فالغاية النهائية للإنسان السوي هو أن يعيش بأمان وسلام مع الآخر المغاير ويبحث عن حياة يشعر فيها الكل بالحرية والمساواة والاستقرار، وللأسف هذا ما لا يبتغيه بعض الباحثين المحاضرين في هذا المؤتمر والذين نشروا الكتاب المذكور سابقاً في الجزء الأول، وإنها تدل على التشوهات في نوعية الثقافة التي يتشربون منها، والدراية الواسعة والثقافة المتشعبة لا تشفع لهم ولا تمسح عنهم الأوبئة التي تلازم أفكارهم ومفاهيمهم.
المغالطات المقصودة في محاضرة الدكتور جمال باروت عكست الخلفية الفكرية التي اعتمد عليها عند طرحها، وتحليلاته لم تؤدي إلى البعد الوطني الذي أراده، فالتغطية على عملية التمييز العنصري وتشويه تاريخ المنطقة الحاضرة، تحت غطاء المعرفة المطلقة بتاريخها، لم تخفي أبعاد المفهوم الذي من أجله حضر أمثاله هذا المؤتمر العروبي-السني العنصري، فكان من بين المجموعة الذين كثفوا جهودهم للتركيز على إبراز النموذج الإسرائيلي في بناء الدولة القومية، والنموذج التركي لحزب العدالة والتنمية في الإسلام الليبرالي، لذلك كان بارعاً في تحويراته التاريخية لغرب كردستان، وكان مهماً جداً له أن يجانب الواقع والحقائق ويغير في التاريخ ويضعها حسب الثقافة التي نشرها البعث حينها، ولو بخلفية أكثر دراية ووعياً، وهي عملية ثقافية لإزالة الوجود الكردي من المنطقة وتقزيم دورهم السياسي في الثورة وفي سوريا القادمة.
أي عمليا نحن شهود على التحضير لبناء سوريا قادمة غارقة في المركزية السياسية بطغيان الثقافة العروبية – السنية، والملغية فيها كل الشرائح السورية الأخرى، وهم بهذا يقضون على أهداف الثورة السورية ويشوهون مفاهيمها، ويحورون التاريخ والديموغرافيا التي يتكون منها فسيفساء سوريا الوطن.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]