مؤتمر العرب وتركيا حضور لنشر ثقافة موبوءة 3/4
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 4300 - #09-12-2013# - 22:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
3-محاضرة د. جمال باروت في تاريخ غربي كردستان
نزعة الأنا العروبية والسنية شملت الكثيرين وتبناها عدد من المفكرين والباحثين الذين حاضروا في المؤتمر، لكن البعض منهم تطرفوا في كثيره، ومن بينهم الدكتور جمال باروت، الذي تطرق إلى موضوع يخص الثورة السورية في الكثير من جوانبها، الباحث المعروف الذي شارك ضمن كل أفعال البعث وسلطة الأسد في عمليات التعريب للمنطقة الكردية للقضاء على وجودها الديموغرافي، وهو من جملة المخططين في عمليات بناء المستوطنات النموذجية العربية في المنطقة الكردية عملياً، أثناء ما كانت تقوم به السلطة الشمولية في الستينات والسبعينات وما بعدها، كان الدكتور جمال باروت من المتخصصين المشاركين في تغطية المراسيم الرئاسية العنصرية والقوانين الاستثنائية بدراسات وتحليلات قومية الملبسة بالوطنية وشرع الكثير بما قامت به حكومة البعث والأسد أنذاك، وأوهم الدول المعنية بمبررات مضللة حول التعريب والتغيير الديمغرافي في غرب كردستان، وما قدمه في محاضرته ضمن المؤتمر كانت ضمن نفس السياق الفكري البعثي بكليته، علماً إنه ناقض نفسه في عدة محاور تاريخية، وكان على دراية تامة بما يقوم به، خاصة عند عرضه للهجرة الكردية من منطقة السيطرة العثمانية إلى المنطقة التي أفرزت مع جغرافية سوريا، متناسيا، وبنفس الطريقة التي اتبعها البعث على مدى عقود وشاركهم فيها شريحة واسعة من المثقفين العرب، أن تحركات الشعب الكردي بين اطراف كردستان سبقت الوجود الجغرافي السوري بقرون، فالدكتور يحاضر في أمثلة وشواهد تاريخية ضحلة ويسندها بوثائق هشة، مصادرها مطعونة في مصداقيتها العلمية التاريخية، أستخرجها من مكتبة البعث ومفهومه، فعلى سبيل المثال حاضراً لا الحصر التاريخي، عائلتي آل عباس المالكة لأراض وقرى على بعد عشرون كيلومتر شرق مدينة القامشلي، التي يقول الدكتور عن كلية المنطقة والتي ضمنها منطقتنا إنها لم تكن مسكونة قبل بداية القرن الماضي، يملكون مستندات تثبت على أننا نسكنها منذ اكثر من قرنين من الزمن، بقرى ثابتة كقرية (دوكر) والتي عمرها تزيد على ثلاثمائة سنة، ولدينا وثائق تاريخية وسندات تمليك تعود إلى نهاية القرن الثاني عشر الهجري للمنطقة والقرى التي تسكنها حاليا، وصورة من إحدى هذه السندات نشرت في كتاب ( أغا والشيخ والدولة) لمؤلفه الهولندي مارتن فان براونسن في نسخته الأولى، تثبت إن العائلة مع عائلات أخرى معروفة بعشائرها، أمثال حجي سليمانا وأل مرعي وأل اليوسف، وفي منطقة تل كوجر أل نايف باشا، وهناك عائلات معروفة تاريخها وسجلاتها في غرب قامشلو وحتى أطراف الرقة، وغيرهم كثيرون، وفي قرى كانت حينها عامرة في المنطقة، سكنوها عقود قبل تلك الوثائق، والقرى لم تكن مجاورة للحدود التي رسمت فيما بعد بين تركيا وفرنسا بشكل غير كامل في بداية العشرينات من القرن الماضي، والدكتور على دراية بكل هذا لكنه يفسرها ويحللها حسب متطلبات اتجاهه الفكري والبعد الثقافي الذي يتبناه، وبالمناسبة عرض والدي أبن الشهيد عباس عباس الذي ناهض الفرنسيين في عام 1923 واستشهد على يدهم وبخيانة تاريخية، تلك الوثائق على ديوان الرئيس حافظ الأسد عندما جردت عائلتنا من الجنسية السورية، ضمن حملة أجانب تركيا، وكان من ضمن المجردين رئيس أركان الجيش السوري توفيق نظام الدين الكردي، ولسبب ما طلب ديوان حافظ الأسد نسخ أصلية من سندات التمليك تلك، مع وثائق أخرى ضمنها رسالة رئيس سوريا الأول تاج الدين الحسيني للعائلة، كان يتضمن تقديرا لآل عباس وتعزية جدا متأخرة للشهيد عباس عباس. وللمعلومة فأنه هناك رؤساء عشائر تسكن حتى اللحظة في كردستان الشمالية تحتفظ بسندات تمليك صادرة في عهود سلاطين بني عثمان بعضها تعود إلى أكثر من ثلاثة قرون ولأراض تجاور جبال سنجار المعروفة بملكيتها لأصلاء الكرد الإيزيديين منذ فجر التاريخ، فقد كانت تلك الأراضي التي ألحقت بسوريا مرعى لمواشيهم ودوابهم بملكية خاصة، وهذه الوثائق التاريخية لا تزال موجودة عند العديد من العائلات الكبرى.
ما قدمه الدكتور في محاضرته كانت في كثيره مبنية على خطط محمد طلب هلال الصادرة في كراسه العنصري المعروف والذي كان في غاية السرية ضمن حلقات البعث آنذاك، مع إضفاء صبغة وطنية لمجارات الحاضر الثوري في سوريا، وكلها تبحث حول كيفية القضاء على الوجود الكردي في المنطقة، وهو الكراس نفسه والخطط ذاتها التي يعتمد عليها الدكتور جمال باروت في عرضه التاريخي الديمغرافي ضمن جغرافية سايكس بيكو الملغية أصلاً من الكل، ملغيا هنا كلية الجغرافية الكردستانية الواحدة، والديموغرافية المسكونة فيها، عارضا منطقه الذاتي المبني على ثقافة إلغاء الآخر والذي يبين على أن الكرد في غرب كردستان هم أجانب تركيا، متناسيا أن المنطقة هي غرب كردستان بكليتها وجزأت من كردستان الكبرى، والشعب في هذه الجغرافية هو المكون الذي لم يتغير إلا بعمليات التعريب المستمرة، وقد عرضت المثال السابق القريب كوثائق حاضرة لئلا نخوض في تاريخ شوه من قبل السلطات الشمولية المجزأة لكردستان، متناسيا وبدراية أن العلاقة بين جغرافية سوريا الحاضرة والمنطقة بكليتها يتعارضان من حيث بحثه في هجرة يضعها على طرفي حدود لم يكن لها وجود قبل بداية العشرينات من القرن الماضي، فالتحليل ملغي بمنطق أبعاد الهجرة وعدم وجود جغرافية محددة بل كانت الجغرافية في الخلافة العثمانية مرسومة كسنجقات كردستانية، تمتد حتى جبال سنجار، وتحركات العشائر الكردية ضمن الجزيرة منتشرة ما بين طوروس وسنجار بدون أن يكون هناك واقع دولة، وسوريا بحاضرها ظهرت بعد اتفاقية سايكس بيكو المرفوضة من الكل إلا من المثقف العروبي كأمثال الدكتور جمال باروت ومن يشاركونه في الثقافة وحسب اللحظة الانتهازية المتفاقمة خاصة عندما تظهر القضية الكردية والوجود الكردستاني على الساحة، وأخطاء الدكتور في عرض الثورات الكردية دلالة على التلاعب بإصرار وتخطيط في تاريخ المنطقة، وتناسيه ثورة الشيخ سعيد التي أدت إلى هجرة كردية معظمها شملت عائلات معروفة، لها خلفية سياسية وفكرية، يراد منها إلغاء الوجود الديموغرافي الكردي من جغرافيته، حتى عندما عادت بعض تلك العائلات إلى مسكنها بعد سنوات والبعض سكنوا الجزيرة، لم تكن عملية الانتقال أو الهجرة الآنية بين دولتين بقدر ما كان بين كردستان واحدة قسم سياسيا بين استعمارين للمنطقة، فهم كانوا يتحركون ضمن نفس المنطقة التي كانت لهم فيها أقارب ولم تكن تفصلهم حدود سياسية حتى القريب من التاريخ، إلا بعد التطبيق العملي لاتفاقية سايكس بيكو وما تبعها من اتفاقيات بين تركيا وفرنسا وبريطانيا، وليست كما يذكرها على أنها ظهرت على خلفية اتفاقية أنقرة الأولى أو الثانية، والتحضير لأمثلة مهزوزة لتاريخ كرد سوريا دلالة على تخطيط دقيق لتشويه الواقع الجغرافي الديمغرافي في المنطقة. وبالمناسبة فإن المغالطات المقصودة تصل إلى سوية لفظ كلمة (الكرد) فهو يلفظها بكسر الكاف لا بضمها، والنطق الخاطئ ظهر في بدايات سيطرة البعث من قبل شريحة للتقصد الهجائي، وانتشرت مع الثقافة الموبوءة التي ضخت بين المثقفين السوريين وبشكل خاص العرب منهم.
يتبع....
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]