غاية عزمي بشارة وقطر من مؤتمر العرب وتركيا 2/4
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 4299 - #08-12-2013# - 03:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
2- من المنطق إلى الانتهازية
يستمد السيد عزمي بشارة، وكان المسؤول الأول عن المؤتمر، قدراته وخططه من البنية الثقافية التي يعمل عليها، ومن الخلفية الفكرية التي استقطبها من ماهية دولة إسرائيل، الدولة الدينية القومية العلمانية المشتركة، مع تناس مخطط لجانبها العلماني، وهي الفكرة التي ينقب عنها، ويعمل على تطبيقها، وهو بناء دول عربية قومية دينية، ركيزتها العنصر العربي مع المذهب السني التجسيدي، لكنه يحاول أن يحرفها من تطرفها المرفوض من الدول الكبرى، والمناهضة للإرهاب، لذلك يبحث في نموذج حكومة حزب العدالة والتنمية، ليدمجها مع مفهوم البعث القومي، رغم الاختلاف والتضارب بين الصوفية التركية والعلمانية البعثية، والتي لدراية بها يبقي المجال مفتوحاً لمحاورات عديدة لإيجاد بديل آخر قريب من المذهب السني التجسيدي، ليس الوهابي.
تخلل المؤتمر حينذاك محاضرات قيمة، كان بالإمكان الاستفادة منهم في المجالات الاقتصادية والعلاقات الدولية، فقد عرض بعض الاختصاصيين أراء وخطط لمستقبل الدول العربية عامة وللدول المجاورة لتركيا بشكل خاص، ومن بينهم الأستاذ سمير عيطه، وعبدالمجيد عطار وعصام الجلبي، وعبدالوهاب القصاب وغيرهم، كما قدم البعض تحليلات تاريخية مغايرة للمألوف حول تركيا العثمانية والحاضرة أمثال الدكتور وجيه كوثراني والدكتور محمد نورالدين والدكتورة هدى حوا، والدكتورة وصال العزاوي في بعضه وغيرهم، بحث البعض منهم في المفاهيم السابقة حول الحكم العثماني، ونقض البعض منهم مصطلح النير العثماني، كما طلب البعض إلغاء الصفة الاستعمارية عنها، وتبيانها على إنه كان حكم إسلامي بشكل عام، والبعض من المحاضرين المنطقيين كانوا يبحثون في حواراتهم عن الصفة العلمية والأبعاد التي تؤدي إلى التقارب السياسي الاقتصادي العام والتي يمكن أن تكون بوابة لشرق إسلامي متطور.
بعض الأبحاث والمحاضرات كانت شيقة ومتنوعة، لكن غاية المؤتمر كانت أبعد من الطرح العلمي في تلك القاعة، وتجاوزت مجرد دراسات فكرية وخطط لتطوير الدول، فالخلفية تحرض على كيفية سرقة الجهود الثورية للشباب الثوري، وتغيير مسار الثورات التي تجتاح الشرق، والهدف الغائب هناك هو نشر الثقافة العروبية - السنية، والذي لا اعتراض عليه، فيما لو احتضن البعد الحضاري الديمقراطي في ذاته، وابتعدوا عن مفاهيم إلغاء الآخر المخالف أو المغاير، لكن التركيز على سيطرة الأنا العروبية في الدول التي أصبحت عربية بمطلقها في ظل الطغيان الثقافي العروبي التي اعتمدت عليها السلطات الشمولية للإبقاء على كيانها الدائم، جرد المؤتمر من الصفات الحضارية أو التعامل الإنساني مع الآخر، وأنعدم فيه مفهوم تلاقي الثقافات على رفاة أنانية نزعة الأنا الكلية، ورغم أنه لا يحق للفرد المطالبة بإشراك الآخر في مؤتمر مخصص للمفكرين العرب، لكن يحق للفرد من جهة أخرى مطالبة المحاضرين بعدم التحيز في دراسة التاريخ وطرحها من وجهة نظر أحادية الجانب.
الدول التي غيرت الثورات فيها العديد من المفاهيم وتكاد أن تأتي على الثقافات الشمولية السابقة، والتي بدأت تظهر فيها إلى حيز الحرية رغبات وأصوات الشعوب الأخرى غير العربية وأصبحت تنادي بالتعامل الديمقراطي في الوطن الواحد، منهم الكرد والأمازيغ والأقباط وغيرهم الذين كان وجودهم ملغياً في ظل الاستبداد، وبدأت تبان في الإعلام والمحافل الدولية راياتهم ومطالبهم بالمساواة وإعادة الحقوق التي كانت قد جردوا منها على مدى عقود وإن لم تكن قرون، فلم تلائم هذه الظاهرة شريحة واسعة من المفكرين العروبيين المبتغين الإبقاء على ثقافة الأنظمة الشمولية والاستمرارية على نفس الأساليب في التعامل مع الآخر، مع ضخ لمفاهيم عنصرية أخرى إليها، وكثيرا ما ظهرت مشاحنات بين قوى المعارضة من الطرفين، في أروقة المؤتمرات وفي الإعلام، فالمعارضة التي أصبحت تنتهج المفاهيم الذي من أجله عقد المؤتمر يصرون على إبقاء الأخر غير العربي- السني دونهم ويعتبرونهم موالين تابعين، وهذه هي الغاية التي كان التركيز عليه ضمن المؤتمر من قبل الذين حضروا له، وغايتهم الآنية منه خلق أو إيجاد مجموعة من هذه الشريحة الفكرية في الدول العربية، التي تتمكن من تغيير السلطات الشمولية مع الحفاظ على ثقافة الأنظمة السابقة، والبحث عن أفضل النماذج السياسية المذهبية لها، فكانت البداية بتفعيل هذا المفهوم ضمن المعارضة وإضفاء هذه الصبغة على الثورات وبشكل مكثف على الثورة السورية.
الفكرة واضحة كقاعدة لنشر ثقافة جديدة لقادم الدول الثورية، المفاهيم طرحها السيد عزمي بشارة من خلال أسئلته الشمولية الأولى التي بسطها في البداية كخطوط عريضة لجدول أعمال المؤتمر. هذا الأسلوب هو الذي عادة يتبع في السياسة، استخدمها العديد من إيديولوجيي الغرب وسخروا لها السياسيين والمفكرين والإعلام بكثافة،، ففي ضخ فكرة أو مفهوم ما ضمن المجتمع، يجب إحاطتها بجملة قضايا أخرى مهمة، وستليها دور التركيز السياسي والدعم الإعلامي والمالي للفكرة الرئيسة، وهذا ما حصل في (مؤتمر العرب وتركيا جدلية الحاضر ورهانات المستقبل) وبعده في السنتين اللتين لحقتاه، واليوم بدأ يظهر هذا المفهوم ويطغي وبشكل فاضح على المعارضة السورية، وفي تونس وليبيا ومصر انتقل الصراع إلى حواف أخرى بين هذا التيار الانتهازي وشرائح ثورية مدعومة من مجموعات أخرى مشوهة، والشريحة هي نفسها التي زعزعت بنيان الثورة السورية أمام السلطة الأسدية الشمولية، وهي التي تكونت من تلاقى العديد من البعثيين السنة من محاربي البعث القدامى والشخصيات المعارضة الدينية المعروفة والبعض من النخبة الوطنية التي شوهت في سجون النظام، واجتمعوا في حضور متقارب، ودمجوا المفهومين في بناء واحد، وتحت غطاء الثورة يصارعون معاً للاستيلاء على السلطة ولا يعيرون أي اهتمام للنظام الشمولي التي من أجل أسقاطه انبثقت الثورة وكسر الشباب الثوري السوري جدران رعب استبداد آل الأسد والمجموعة العلوية المحاطة به.
يتبع....
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]