غاية عزمي بشارة وقطر من مؤتمر العرب وتركيا 1/4
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 4295 - #04-12-2013# - 19:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
عقد في 18-#19-05-2011# في الدوحة مؤتمر ثقافي سياسي اقتصادي شامل، ضم إليه العديد من المفكرين العرب من عدة اختصاصات ومن معظم الدول العربية، تحت رعاية الحكومة القطرية وبرئاسة واستشارة السيد عزمي بشارة، الغني عن التعريف بنزعته الانتهازية وتغيير مواقفه الفكرية حسب المتطلبات الأنية، الشخصية الكاريزمية الذي انتقل من الكنيست الإسرائيلي إلى مستشار هلامي لإمارة قطر، مفكراً مخفيا لإنتهازيي ثورات الشرق، الرجل الذي يمثل اليوم النزعة العنصرية القومية العروبية المدموجة مع الموجة الدينية للإسلام السياسي السني، وهو الذي كان وراء الغاية المخفية في تلك الجلسات العديدة والطروحات المتنوعة ضمن المؤتمر.
يعتبر أهداف المؤتمر غير المباشرة، والتي خصصت لها محاضرات متنوعة، انحدار خطير ينزلق إليه الشرق، كان إلى جانب المفكرين العلميين والباحثين بمصداقية في قادم الوطن، مجموعة من المفكرين والباحثين الملتزمين ذو توجهين وبتخطيط مسبق أو المتبنين الفكر العروبي – السني، واحدة ركزت على كيفية تهميش القضية الكردية في سوريا والقضاء على تصاعد الوجود الكردي في العراق، ، بمنطق باحث ومحلل يريد تبيان الحقائق في ظاهره وتشويهها في باطنه، متناسين أو متخليين هنا عن العلاقات الوطنية بين الشعبين، الكرد والعرب، والتوجه الثاني كان لتحريف مبادئ الثورة السورية ومفاهيمها المؤدية إلى تصعيد الفكر الديمقراطي الحر في المنطقة. قام هؤلاء على أعتاب ثورة يؤمل منها إخراج المنطقة من هوة الضياع الذي أغرقها فيه ثقافة الأنظمة الشمولية، بالتركيز على تلميع وتثبيت ثقافة الاستبداد العنصري القومي وحملوها على الثورة، ليوئدونها ضمن ثقافة الطغيان القومي المذهبي، وهم يظهرونها في الأبعاد كحركات فكرية لنشر ثقافة مغلفة بالأفكار الديمقراطية والحضارية، يدعون على أنهم يدمجون بين العلمانية والروحانية لكنها في كليتها حركة موجهة من مجموعة مفكرين عنصريين وما يتبدى لا يتعدى الشكل، فالاستبداد القومي المذهبي تطرح عملاً وفعلاً من خلال مؤتمرات متنوعة وأكاديميات خاصة وبمساندة مفكرين، والمؤتمر المذكور أبرزهم.
حضر المؤتمر شريحة على دراية واسعة بالثقافات العديدة وأصحاب خبرة عالية يتبنون هذا النهج وذلك الانحراف الفكري، يترأسها مفكرون معروفون على مستوى الوطن العربي، كعزمي بشارة، وبأموال قطرية، ومعه مجموعة من أمثال الدكتور جمال باروت ومنير حمش المتشبعين من ثقافة البعث السوري على مدى عقود، والدكتورة وصال العزاوي رغم تحليلها القيم في هذا المجال الذي أبعدها عن مفاهيم السابقين في كثيره، وغيرهم، وفي الأبعاد الشيخ القرضاوي، وفي المعارضة السورية ظهر العديدون منهم، أمثال الدكتور كمال اللبواني وهيثم المالح ومجموعات التيار الإسلامي المتذبذب بين الليبرالية التركية والراديكالية الوهابية.
وأهم الغايات التي من أجلها عقد المؤتمر، هو التركيز على المفهوم العروبي -السني، وأصباغها بالنزعة الليبرالية، والتي على أثرها طرحت نموذج الحكومة الليبرالية الإسلامية التركية، كبديل مثالي عن السلطات الشمولية الحالية، رغم التناقض الفكري الديني المذهبي، والبنية الاقتصادية المختلفة والمتناقضة بين الدول العربية وتركيا، والتي نبه إليها بعض من هؤلاء المفكرين الذين شاركوا في المؤتمر لغاية علمية ووطنية نقية، ووضحها البعض بدقة، وكان هذا هو التوجه المعاكس للمفهوم العنصري في المؤتمر.
رغم أن المؤتمر في تسميته المطروحة ونوعية البعض من المفكرين والباحثين الذين حضروا وحاضروا تفضح الأهداف، وذلك بحصرها بين تركيا وحدودها الجنوبية حيث الجغرافية الكردستانية والمواد التي كانت أكثر تركيزاً عليها ونتجت عنها ظهور كتاب خاص ( مسألة أكراد سورية ) تبحث في جغرافية المنطقة وديمغرافيتها وتاريخ الكرد وعلاقات حراكهم السياسي الماضية والحاضرة، تبناه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، كتبه فريق من الباحثين الذين اشتركوا في المؤتمر، ومعظمهم متشبعين من ثقافة البعث ولا قدرة لهم التخلص منها، منهم محمد تركي الربيعو وحمزة المصطفى وحازم نهار برئاسة د. جمال باروت ومشورة السيد عزمي بشارة، وقد أثبتوا بهذا الإصدار على أن القضية الكردية كانت الأكثر معنية بالأمر من كل المواضيع الأخرى التي نوقشت في قاعة المؤتمر، دون أن يلمحوا إليها بشكل خاص، لا شك لا يعترض على مثل هذه الأبحاث القيمة لو بقيت في مجالاتها العلمية ولم تكن هناك شكوك في مصداقيتها، أو لو عرضت البحوث من وجهات النظر المختلفة وخاصة المعنيين بالأمر، لكن البحوث وفي عرضها المبان غرقت في ضحالة ثقافة التمييز العنصري، والرؤى الأحادية الجانب، والنتائج الوطنية أو الثورية التي ستبنى عليها ستكون موبوءة بكليتها، مع ذلك سوف نبحث في إجمالية المفاهيم والأفكار التي طرحت بمجردها العلمي، والتي تنقب عن البديل الإسلامي الليبرالي التركي، لسوريا القادمة أو الدول الثائرة على طغاتها في الشرق.
الفروقات في الرؤى المذهبية، واسعة ومتضاربة، بين الحزب الحاكم في تركيا وأحزاب الإسلام السياسي في الدول العربية، المتكالبة على ثورات الشرق بانتهازية، بينهما خلافات من حيث النزعة الصوفية ورؤيتهما للواقع الكلي في الدولة والعلاقات الاجتماعية في تركيا ومثلها في الدول العربية وأحزابها الدينية التي تنجرف إلى مفاهيم المذاهب التجسيدية في ماهية الله، وما يتفرع من هذا البعد المذهبي من قيم وعلاقات، والتي تكفر المتصوفين، من حيث تكوين الدولة أو العلاقات الاجتماعية، فالإيمان بالتجسيد المستمد من خلفيات تاريخية تعود إلى تأثيرات ما قبل ظهور الإسلام وبرزت بقوة في العصر الأموي، وهي نفسها التي مهدت سابقاً وتمهد حاضراً لتكوين وانتشار التيارات التكفيرية والمجموعات الإرهابية، بعكس النزعة الصوفية المسيطرة على المفهوم الديني العام في تركيا وضمنها حزب العدالة والتنمية التي تقطع كل الطرق على نزعات التطرف.
وبناءً على المعرفة التامة لهذه الخلفية المذهبية للدولة الطورانية ذات الأبعاد الصوفية العثمانية والعلمانية الأتاتوركية، قامت منظمة أرغانكون في السنوات التي كانت تحارب فيها الكرد من خلال حزب العمال الكردستاني بتشكيل مجموعات إسلامية سياسية متطرفة إرهابية، تحت تسمية حزب الله وكانوا من شرائح دينية لا ينتمون إلى المذهب الصوفي، بل كانت قياداتهم من التجسيديين ولهذا عند انتهاء مهمتهم كان إلغاء الحزب سهلا على المنظمة العسكرية السرية، وأزيلت بعد انتهاء مهمتها بسهولة من على أرض تركيا، وذلك لانعدام البنية الفكرية التجسيدية الملائمة لمثل هذه التيارات المتطرفة.
تطرق بعض المحاضرين إلى البنية الاقتصادية لتركيا واختلافاتها مع الدول العربية المجاورة لها، لكن النقطة التي لم ينبهوا إليها عن سابق قصد وتخطيط، هو أنهم همشوا أحد أهم الأسباب التي وقفت خلف التطور الفجائي والسريع للاقتصاد التركي، وأدت إلى الطفرة المميزة، ربطها معظمهم بظهور حزب العدالة والتنمية، وقدرة حكومة أردوغان الإسلامية في السياسة والاقتصاد، وذلك للوصول إلى الغاية المرجوة على أن الإسلام الليبرالي هو التيار الملائم لتكوين اقتصاد مثالي، وفي الواقع معظمهم المحاضرين في هذا المجال يعلمون أن السيولة التي ضخت إلى تركيا تجاوزت 75% من الدخل القومي العام لها، في الأعوام الأولى لمجيء حزب العدالة والتنمية، وكانت من الشركات الرأسمالية العالمية الكبرى والتي رغبت أن تستثمر أموالها في الشرق عن طريق الشركات التركية بشكل ظاهر ولغايات سياسية مترامية في أبعادها المخفية، ولا أظن أنهم لا يدركون أن البنية التحتية للاقتصاد التركي ليست بتلك السوية القوية لخلق مثل هذا الوتيرة الاقتصادية المتصاعدة النادرة في التاريخ، فلولا الضخ اللامحدود، ومعظمها من شركات خليطة يهودية وأمريكية وأوروبية، لما تمكنت حكومة أردوغان من تجاوز الانهيار الهائل الذي كانت تنجرف إليه العملة التركية، ولما تمكنت من القضاء خلال أقل من ثلاث سنوات على عجز الميزانية والتضخم الذي لم يعرف له حدود. واليوم وبناءً على البنية التحتية للاقتصاد التركي، إذا وقف ضخ السيولة إليها ستسقط ثانية في هوة التضخم وستتراجع سعر العمولة بأضعاف ما حصلت لليونان والبرتغال. تركيا تفتقد البنية التحتية من حيث مواد الطاقة والصناعات التحويلية، والتصنيع المتكامل ضعيف جداً مقارنة بالصناعات التركيبية والاستهلاكية ومواد البناء، مع انعدام شبه كامل لمواد الطاقة.
الغاية السياسية الرئيسة موهت، وبرزت مكانها العلاقات الاقتصادية، في معظم جلسات مؤتمر العرب وتركيا، وكانت مهمة البعض من المحاضرين المسؤولين على تسيير جلساته، تنحصر في إضفاء الصبغة المثالية على مفهوم الإسلام الليبرالي الصوفي في الحكم، كحكومة رجب طيب أردوغان، وذلك كطريقة مثلى لخلق بنية اقتصادية متينة، وللوقوف في وجه الإسلام التجسيدي التكفيري المتطرف ومعه المتطرف الشيعي الذي كان حتى قبل سنين يعتبر التيار المرغوب والمدعوم بين تيارات الإسلام السياسي.
يتبع...
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]