نخبة المعارضة العروبية وتقسيم سوريا كردياً
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 4274 - #13-11-2013# - 16:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
سوريا كانت قد أغرقت في صراعات متنوعة ضمن حدود إثنية مذهبية، على مدى نصف قرن من حكم البعث – الأسدي، وجغرافية الفكر والثقافة والانتماء إلى العروبية أو السنية كانت تغلى تحت ثقل الطغيان والظلم والتمييز العنصري لهذه السلطة بكل أبعادها، والغريب أن تكون هذه النخبة المدركة لكل هذه الآفات، من الذين يمجدون الحقبة تلك، ويسخرون لها حاضراً طاقاتهم الفكرية وثقلهم ضمن المعارضة، وهم لا شك يعون تماماً أنهم بمواقفهم وتصريحاتهم تلك يناهضون المعارضة الحقيقية، ويعطون مبرراً لاستمرارية السلطة بل والنظام الثقافي النابع منه، وكأنهم يدافعون عنها بشكل مباشر إلى درجة يرفعون فيها عتب التهجير والصراعات القومية والمذهبية الداخلية عن كاهل السلطة، ويرمون بتبعاتها على القوى الكردية أو الذين لا يريدون سوريا عروبية أو سنية.
لا شك الثورة ومفاهيمها وأهدافها وشعاراتها مجال جدل، لكل طرف الحق في عرض مجازياته، وطرح مداركه، لكن مع ذلك تبقى للثورة السورية خصوصية واضحة، ووجود الكرد في أبعادها ساطعة، وإن كانت لبعض فصائله مفاهيم خاصة بنيت عليها استراتيجيتها، لكنها لا تختلف في كثيره عن القسم الأكبر من المعارضة العربية والسنية، والتي ترى ذاتها في الطرف الأصح من النضال ضد السلطة، وهو موضع نقاش واتهامات متبادلة، فرغم كل الاتهامات، التي أظهرتها بعض الشخصيات العروبية نهجاً والمحسوبة على المعارضة شكلاً وليس ثقافة وفكراً وفي مقدمتهم هذه النخبة العروبية ( والغريب أن المواقف الحاضرة لبعضهم مخالفة لمواقفها الوطنية المشرفة في ثورة الكرد عام 2004) يبقى للكرد الخصوصية الثورية والمدعومة بماض مشرف، يوم كانوا يجوبون شوارع الوطن ثورة، مع اختفاء كلي للمنتقدين العروبيون وراء تشويهات السلطة وادعاءاتها، حينها تمسكوا بالعروبة، مثلما يتمسكون بها اليوم، فلا اختلاف بين الماضي والحاضر، ومنهجية تمسكهم ضد الثورة الكردية السورية هي نفسها اليوم لكنها مغلفة بقوى المعارضة، ومعظم المعارضة العربية تعلم بان المجلس الوطني الكردستاني – سوريا كانت من أول المعارضات السورية التي رفعت شعار إسقاط النظام عام 2006، وبينت على أن أفضل الأنظمة لسوريا القادمة هو النظام الفيدرالي، بناءً على العديد من الدراسات ضمنها الديمغرافية والمذهبية والطائفية ضمن الوطن، حينها لم تكن معارضة عربية تتجرأ بالاقتراب، رغم تواصل قيادتها مع أغلب الموجود، وهذه المواقف هي التي بينت للمجلس المذكور مدى هشاشة مواقف المعارضة السورية منذ بداية تحريفهم للثورة الشبابية، مثل المجلس الوطني السوري ومن ثم الائتلاف الوطني وخاصة الشخصيات الانتهازية صاحبة المصالح المتسلطة عليهما.
من المهم جداً أن تبان للمعارضة العروبية أن الكرد ليس فقط فصيل ثوري، بل هم الثورة ذاتها، يعيشونها، ثقافة، ويحملونها بكل أبعادها الفكرية وأهدافها الموضوعية، فالوطن عندما يطلبون بإعادة بنائه ثورة، يبقون لجغرافيتها التقدير اللازم، حتى ولو كانت على خطوطها المرسومة في ماض مأزوم، جدل، ولماهية البناء السلطوي الشمولي المركزي وعلى حكوماتها المتعاقبة أراء ونقد، لكن لا يوجد لدى الكردي تلاعب في تبيان الموضوعية التي يجب أن تكون عليها الوطن القادم، فالعروبية والسنية في جغرافية تحتضن الكل المتنوع مرفوض، ليس في عرفهم فقط، بل في المنطق الثوري وعند المعارضة النقية، ونزعة الصراع مع الطغيان والسلطة الشمولية ستستمر، إن كان استبداد مركزية الأسد أو طغيان قادم مغاير شكلاً ومشابهه ثقافة.
فالاستبداد عند الكرد مهما اختلفت الأشكال، قومياً أو دينياً، يبقى مرفوضاً، فمثلما تريد المعارضة العنصرية سوريا عروبية، ومعارضة الإسلام السياسي، سنية، يريدها المواطن الآخر، نسيجاً سورية الأبعاد، تشمل الكل، بدستور حضاري ديمقراطي لا طغيان للدين أو العروبية عليه. فالكردي ضمن هذا الصراع سيبقى كردياً له خصوصيته، ونضاله من أجل إعادة اعتبار مشرف لكيانه الملغي على مدى عقود، سيبقى حاضراً بدون مواربة، مثلما كان ضد السلطة سيكون كذلك ضد المعارضة العروبية العنصرية، والمختفية تحت عباءة الثورة، والاتهامات المتنوعة والمبطنة بالعنصرية كالتقسيم أو خلق المربعات الوهمية ضمن الوطن، مرفوضة، والذين يشككون في نوايا الكرد غير الوطنية، هم الشريحة التي لم تتمكن من الخلاص من ثقافة البعث رغم انزياحهم إلى جانب المعارضة، ومن مشاكلهم المستدامة عدم التمييز بين الصدق والنفاق، فالواقع الحضاري الديمقراطي ومفاهيم الثورة الجارية تفرض ذاتها، الصدق في التعامل مع الآخر السوري الثوري، ورؤية منطقية لجغرافية الكيان الحاضر، وهي التي يراها المواطن السوري، الصريح مع ذاته ومع وطنه، فيرى بأن أفضل الحلول السياسية لبناء نظام كلي صحيح مشترك بين الجميع، هو النظام اللامركزي المبني على سوريا فيدرالية تحمي الكل من طغيان آخر قادم، والرافض لهذا النهج هو الذي لا يزال لا يتمكن من التخلص من الثقافة العنصرية الملغية للأخر، ثقافة الأنا الكلية، ثقافة الأسياد والموالي المستمدة من تاريخ غارق في القبلية العروبية.
[1]