نحو إعادة النظر بالعلاقات الكردستانية
#صلاح بدرالدين#
الحوار المتمدن-العدد: 7223 - #19-04-2022# - 19:41
المحور: القضية الكردية
الكرد شعب واحد ، او امة واحدة ، او قوم واحد ، لديهم لغة واحدة ، وعدة لهجات ، وطنهم التاريخي كردستان الذي اقتسمها العثمانييون ، والصفوييون بينهم قبل عدة قرون ، ثم قسم الاوروبييون ( فرنسا – بريطانيا – روسيا القيصرية ) المقسم الى أربعة أجزاء منذ مائة عام ، قاموا بانتفاضات ، وثورات ، وشكلوا حركات سياسية من اجل انتزاع حق تقرير المصير ، كانت الحركة القومية الكردية ببداياتها بمثابة خيمة للجميع ، وبعد تقسيم الجغرافيا تراكم تاريخ حديث يوثق علاقات حركتهم مع حركات الشعوب المتعايشة ( التركية ، العربية ، الايرانية ) ، ويؤسس لنمط جديد أيضا من العلاقات الكردية – الكردية على مستوى الأجزاء الأربعة ، الموزعة بين بلدان مستقلة متفاوتة التطور الاقتصادي ، والاجتماعي ، ومتباينة في الثقافة ، والحضارة .
منذ ظهور الحركة القومية الكردية ، وتبلور برامجها الفكرية ، والسياسية ابتداء من القرن التاسع عشر ، لم تفلح في إيجاد صيغة متفقة عليها بشأن العلاقات البينية ، وكانت تواجه على الدوام إشكالية القومي ، والوطني ، ومحاولات التوازن بينهما ، كما واجهت في مراحل عدة سطوة الكبير على الصغير ، والقوي تجاه الضعيف خصوصا بعد توسع التطور الراسمالي ، ونشوء سلطات حاكمة وسيطرة الطبقات العليا على مقاليد الحركة في بعض الأجزاء ، وتحكم التيارات المغامرة فيها في أجزاء أخرى ، واختراقات النظم الإقليمية الحاكمة لاحزاب وجماعات مسلحة .
تجارب ، ودروس ، وعبر
عندما نشب الخلاف في الثورة الكردية بكردستان العراق ، وامتد الى تنظيمات ( الحزب الديموقراطي الكردستاني – العراق ) أواسط ستينات القرن الماضي ، كان للحركة السياسية الكردية السورية موقفان : واحد مثله اليسار وقف مع قائد الثورة الملا مصطفى بارزاني ، وجناحه في الحزب الذي كان يترأسه ، وآخر اتخذه اليمين في الوقوف الى جانب المنشقين عن الثورة والحزب بزعامة إبراهيم احمد – وصهره الطالباني وعرفوا بجماعة ( 66 ) ، وللامانة التاريخية أقول لم يكن هذا الموضوع الخلافي الوحيد بين اليسار واليمين ، بل اختلفا أيضا حول جملة قضايا منها : هل كرد سوريا شعب ام اقلية ؟ وكذلك الموقف من النظام الحاكم ، والمعارضة الوطنية ، وسبل حل القضية الكردية ومسائل أخرى ، وموضوعنا الان مركز على الموقف من العمق الكردستاني وتحديدا كردستان العراق ، لذلك أقول اننا نحن الطرفان اليسار واليمين حاربنا بسيوف الاشقاء ومن اجلهم ولم نكن جزء مباشرا من أسباب الصراع ، وبعد جولات من اقتتال الاخوة ، عاد الطرفان بالنهاية الى لغة التفاهم ، والاتفاق ، والعمل معا في اطر السلطة والحكم بالاقليم ، ولم يتشاوروا يوما معنا ، ولم يشاركونا في محادثاتهما ، والنتيجة الطرفان اتفقا ، ونحن صمدنا في خنادقنا .
كأن التاريخ أعاد نفسه من جديد في الصراع بين شعب إقليم كردستان العراق وقوته الأساسية ( الحزب الديموقراطي الكردستاني - العراق ) من جهة و ( حزب العمال الكردستاني – تركيا ) من الجهة الاخرى ، وقد وقفنا كيسار واتحاد شعبي بالبداية ، ثم جماعات كردية سورية أخرى تاليا مع الاشقاء بالاقليم ، في مواجهة – ب ك ك – ( طبعا بالفكر والموقف السياسي ، والثقافي ) وهنا أيضا لابد من التنويه ان – ب ك ك - اصطف الى جانب نظام حافظ الأسد االمعادي لكرد سوريا وحقوقهم والذي كنا نسعى الى اسقاطه ، اما اليمين الذي انتهج سياسة – الاتحاد الوطني الكردستاني – العراق – بشأن هذا الموضوع ، فكان اقرب الى – ب ك ك – هذه المرة أيضا ، ومخاصما للبارتي في العراق .
وقد اتخذ الصراع بين الطرفين المتخاصمين ( الكردي العراقي والكردي التركي ) اشكالا عديدة وشهد مصالحات في بعض المراحل ، واشتد اكثر منذ اندلاع الثورة السورية قبل نحو عشرة أعوام ، مرورا بعلاقات ودية أحيانا ، وتواصل تجاري عبر الحدود المشتركة في معبري – سيمالكا – و – سحيل - .
في كل هذه الأعوام وباستثناء مرة واحدة في بداية الهجوم العسكري المشترك ضد بيشمركة البارتي الذي اتخذ قراره بدمشق في لقاءات شارك فيها كل من ( اللواء علي دوبا مدير المخابرات العسكرية السورية ، وفلاحيان وزير الامن الإيراني ، وجلال الطالباني ، وعبد الله اوجلان ، ووجهاء من عشائر بهدينان ) ذلك اللقاء السري الذي استطعنا بطرق خاصة نقل الجزء الأكبر من محاضره الى الأخ الرئيس ممسعود بارزاني ، وحينها كنت باربيل ، حيث استجبت لواجبي القومي ، ورغبة الاشقاء ، بعقد ندوة موسعة في قاعة الجزيري بدهوك رغم المخاطر الأمنية وبتغطية إعلامية محلية ودولية واسعة ، وابديت فيها وجهة نظرنا كصوت كردي حول طبيعة السياسة العوجاء ل – ب ك ك – وعدوانه على شعب الإقليم ، وتحالفاته مع الدول الإقليمية المعادية للكرد وقضيتهم ، أقول ماعدا ذلك لم يشاركنا الاشقاء يوما في مناقشة الموضوع بجدية وتفصيل ، ولم يضعونا في صورة مواقفهم ، وكما اعتقد فان الامر ذاته يحصل مع أحزاب ( الانكسي ) ، وهكذا تمضي الأمور كما اعتقد وبنفس الطريقة بين – ب ك ك – وحزبهم – ب ي د – في سوريا ، وبين – ب ي د – والأحزاب الكردية السورية الحليفة له بشان الصراع مع شعب إقليم كردستان العراق ، أي ان مواقف الكرد السوريين تبنى دائما من طرف واحد بشكل تطوعي وغير متكافئ .
وبهذه المناسبة لابد لي من ان اعيد للاذهان حقيقة أخرى تتعلق بموقف اليسار المبدئي منذ عام 1965 ( البارتي اليساري – الاتحاد الشعبي ) سابقا ، فقد كان ينطلق بشأن الصراعات داخل الحركة الكردية عموما ، من اعتبار وجود تيارين رئيسيين ، الأول قومي ، ديموقراطي ، معتدل يوازن بين القومي ، والوطني ، ويتخذ مبدأ الحوار السلي طريقا لحل القضية الكردية بالمنطقة ، ومن ابرز قوى هذا التيار ( البارتي الديموقراطي الكردستاني – العراق ) ، اما التيار الاخر فانه حزبوي ، آيديولوجي ، مغامر ، تجسد بداية با ( الاتحاد الوطني الكردستاني – العراق ) ، ثم انتقل الى ( حزب العمال الكردستاني – تركيا ، ب ك ك ) ، الذي يتزعمه حتى الان ، لذلك فان موقفنا القومي بشأن الصراع بين التيارين كان سليما ، وكنا أوفياء لمبادئنا عندما وقفنا الى جانب الاشقاء في أربيل .
لذلك أقول ان طبيعة علاقات الحركة السياسية الكردية السورية ، بمختلف تياراتها ، مع العمق الكردستاني بالجوار ، حملت إشكاليات ، ولم تكن في موقع الشراكة المتساوية ، بل كانت في موقع التابع غير المستقل ، والضعيف الملحق ، والمشهد الاشكالي هذا لايقتصر على حركتنا السياسية فحسب ، بل ان العلاقات القومية في الأجزاء الأربعة تعاني منها ، حيث الأقوى يهيمن على الضعيف ، وسياسة المحاور هي الطاغية ، وليست هناك برامج متوافق عليها لتنظيم العلاقات القومية حتى يومنا هذا .
اما كيفية إزالة هذه الإشكالية ، وترميم طريق العلاقات القومية ، وإعادة النظر في الواقع السلبي الراهن ، فتعد من اهم مهام الحركة الكردية في العصر الراهن ، والسبيل الى ذلك اكرره للمرة الالف هو العودة الى الترميم من الداخل، واحترام خصوصيات كل جزء ، والتعاون ، والتنسيق من دون التدخل بامور البعض الاخر ، ومايتعلق الامر بالكرد السوريين فعليهم إعادة بناء حركتهم ، واستعادة شرعيتها ، وتوحيدها من خلال المؤتمر الكردي السوري الجامع ، وبعد ذلك يمكنها الاعتماد على النفس ، والحفاظ على شخصيتها المستقلة ، وتقديم الدعم اكثر للاشقاء في كل مكان اذا دعت الحاجة ، واتخاذ القرار المستقل المناسب بالوقت المناسب.[1]