نموذج يحتذى به في الحركة التحررية الكردستانية
#صلاح بدرالدين#
الحوار المتمدن-العدد: 7088 - #26-11-2022# - 10:55
المحور: القضية الكردية
مقدمة
تجربة كردستان العراق في الكفاح القومي – الوطني ، قديمة ، وأصيلة ، وغنية ، تبدأ قبل أكثر من قرن ونصف القرن ، ومن صفحاتها التاريخة المضيئة ما جرت من احداث في عدد من مناطق كردستان وتحديدا بمنطقة – بارزان - ، وتناقلها المستشرقون الاوائل مثل القس الأمريكي الانكليكاني – ويغرام - كشهادات حية غير قابلة للنسيان ، وأخص بالذكر الدور البارز الذي لعبه الشيخ – عبد السلام بارزاني – في تجسيد إرادة الكرد ، ومزج التطلعات المناطقية الاجتماعية ، بالدعوة القومية التحررية ، وذلك عندما وجه مذكرته الشهيرة الى البلاط العثماني ، طالبا فيها تحقيق المطامح القومية في الإدارة ، والثقافة ، والحرية ، وقد وهب حياته ثمنا لذلك النهج ، وتلك المطالب المشروعة ، أمام تعنت ، وشوفينية ، واستبدادية السلطة العثمانية ، التي قررت اعدام الشيخ المنتفض في سجن الموصل .
استمرارية الكفاح بكافة اشكاله
لم تهدأ ساحة كردستان العر اق منذ بداية القرن التاسع عشر وحتى الان ، فقد واصل شعبها من زاخو وحتى السليمانية مرورا ببارزان ر نضاله العادل ، وبمختلف الوسائل الممكنة ، والاشكال المتوفرة ، من انتفاضات مسلحة ، وثورات ، وحركات سياسية ، وتنظيمات سرية ، وعلنية ، وجمعيات ثقافية ، ( وحتى اعلان مملكة ) ، فبالاضافة الى المنظمات القومية الداخلية التي نشأت بكردستان العراق مثل منظمة – هيوا – وغيرها ، انتهاء بالحزب الديموقراطي الكردستاني الذي كان البارزاني الخالد اول رئيس له ، فقد كان لقادة حركات – بارزان – مابعد الشيخ الشهيد عبد السلام ، خصوصا بعهد الراحل مصطفى بارزاني ، صلات ، وعلاقات تعاون مع الحركات القومية الكردية في تركيا ( ثورة الشيخ سعيد بيران ) ، وايران ( جمهورية مهاباد الكردستانية ) ، وسوريا ( حركة خويبون ) .
تجربة كردستانية اولى ووحيدة في تحقيق الحكم الذاتي ، والفدرالية
من بين مختلف التجارب في أجزاء كردستان ، تبقى التجربة الوحيدة الناجحة ، والتي كان ثمنها باهظا في الأرواح ، ولكنها سطرت آيات من البطولات ، والفداء ، وقدمت نموذجا رائعا من القادة العظام أمثال الخالد ملا مصطفى ، وغيره من المناضلين الشجعان ، وقد حققت على ارض الواقع مكاسب تاريخية في العصر الحديث ، بدء بالحكم الذاتي لعام 1970 ، ومرورا بإقامة برلمان كردستان بعد اجراء انتخابات حرة عام 1992 ، والاعلان عن الفيدرالية التي اعتمدت رسميا في الدستور العراقي بعد الإطاحة بالنظام الدكتاتوري ، وبذلك تكون المرة الأولى بالتاريخ الحديث الوصول الى حل القضية الكردية في جزء من كردستان ، على أساس الحوار ، والتوافق بين الكرد والعرب في العراق ، والتسليم بوجود كردستان في الدستور ، وبالفدرالية نظاما ، وشكلا سياسيا قانونيا .
مبدأ حق تقرير المصير كقاعدة لحل القضية القومية
منذ بدايات الكفاح القومي ثم الوطني بكردستان العراق ، انطلقت الحركات السياسية من مفهوم حق تقرير مصير الشعوب ، كمبدأ جسدته هيئة الأمم المتحدة في ميثاقها ، واعتمدته حركات التحرر في العالم ، وتبنته الثورات الفرنسية ، والأوروبية الأخرى ،والأمريكية ، وثورة أكتوبر العظمى ، ومازال هذا المبدأ بمثابة منارة لكل الشعوب المضطهدة التواقة للحرية والاستقلال ، وما دعوة السيد الرئيس مسعود بارزاني في أيلول / سبتمبر عام 2017 ، لاجراء عملية استفتاء تقرير المصير الا التزاما بذلك المبدأ الخالد ، والتي كانت نتيجتها تمسك اكثر من 96٪ من شعب كردستان العراق بخيار الاستقلال ، وفي هذه المرة أيضا وقفت السلطة العراقية المركزية ، والمجتمع الدولي ضد إرادة شعب الإقليم ، والمبادئ الإنسانية ، والأعراف الأخلاقية .
التعددية القومية والوطنية في تجربة كردستان العراق
هذه التجربة ومنذ بداياتها ، وبشهادة الجميع جمعت بين الجانبين القومي ، والوطني ، أو الشكل القومي ، والمضمون الوطني الشامل ، وذلك باعتراف دستوري ، وقانوني بوجود ، وحقوق قوميات ، واتباع اديان ، من السكان الأصليين بكردستان مثل التركمان، والكلدان ، والاشوريين ، والارمن ، والعرب ، ومختلف الطوائف ، والمذاهب المسيحية ، والمسلمة ، حيث التسمية الرسمية تتوقف على ( شعب كردستان العراق ) وليس الشعب الكردي فقط ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر هناك المفهوم الوطني العراقي أيضا ، حيث الإقليم جزء من العراق الفدرالي ولشعبه دور وتاثير في العملية السياسية العراقية ، وبمصير البلد ،ومستقبله بحسب توزيع السلطات ، والصلاحيات في الدستور المتبع .
التجربة نموذج في حل القضية القومية بالمنطقة
معلوم ان هذه التجربة ومنذ ثورة أيلول 1961 ، وثورة كولان ، واتفاقية آذار للحكم الذاتي ، وإعلان الفيدرالية ، كانت تتعرض للخطط ، والمؤامرات الداخلية ، والإقليمية ، وكانت مخططات تصفيتها تحبك معظم الأحيان في عواصم الدول المجاورة ، المقسمة لكردستان ، ولكن بفضل صمود شعب كردستان العراق ، وحنكة قيادته ، تمت صيانة التجربة ، وتطويرها ، وترسيخها ، والحفاظ عليها ، الا ان أصبحت الان نموذجا يحتذى بها ليس على صعيد حل القضية الكردية في الجوار ، بل على صعيد البقية الباقية من حركات الشعوب التي لم تحقق بعد أهدافها .
ومن الواضح ان العديد من الأطراف الإقليمية التي كانت معادية لاي حق كردي او كردستاني بالمنطقة ، بدات بالتراجع بعد فشلها في تصفية هذه التجربة الرائدة ، والاعتراف بها ولو على مضض ، ولكن مازال البعض من تلك الأطراف يواصل حربه على تجربة الإقليم بوسائل مختلفة عبر الوكيل المعتمد وهو حزب العمال الكردستاني – ب ك ك – وشراذم من المرتدين ، والانتهازيين في بعض مناطق الإقليم .
التجربة بطبيعتها مناقضة لشتى أنواع الإرهاب
قد تكون تجربة شعب كردستان العراق ، الوحيدة بين تجارب حركات التحرر القومي – الوطني بالمنطقة ، والعالم ، التي لم تستخدم وسائل التصفيات الفردية ، ولا استهداف المدنيين ، والمناطق السكنية ، ولا أساليب الخطف وغيرها من اعمال العنف ، كما انها ومنذ البداية ميزت بين الأنظمة والحكومات ، وبين الشعب ، والأهالي ، واعتبرت مواجهة إرهاب الدولة و واسقاط نظمها من الأولويات ، وقد ظهر كيف ان تنظيم – داعش – الإرهابي وضع في مقدمة أهدافه بعد السيطرة على – الموصل – الزحف نحو أربيل ، وباقي مناطق كردستان العراق ، وتحديدا الخط الممتد من – مخمور – مرورا باربيل – وبلدة – صلاح الدين ، وشقلاوة ، نحو الشمال ، والشمال الغربي انتهاء بزاخو ، والحدود العراقية التركية ، ولكن شعب الإقليم ، وبيشمركته البواسل كانوا بالمرصاد ، وواجهوا قطعان داعش في مساحات شاسعة بطول يفوق الالف كيلومتر و وقدموا العشرات من الشهداء بينهم قادة عسكرييون كبار ، واثبتوا للعالم ان تجربتهم لن ولن تتعايش مع أي نوع من الإرهاب ، إرهاب دولة ، أو ميليشيات او تحت راية الأديان ، والمذاهب .
الحملة الأخيرة بخصوص بعض المهاجرين
أعداء تجربة شعب كردستان العراق ، يواصلون حملاتهم الإعلامية ، ولن يتركوا وسيلة الا ويستخدمونها في حملتهم الظالمة المضللة ، وآخرها محاولة استغلال وجود عدد من العائلات المهاجرة من على الحدود بين ( بيلاروسيا وبولونيا ) ، ومن المفارقات أن جماعات الميليشيات الطائفية الولائية المتحكمة في بغداد وبعض انحاء العراق ، والتي تشكل السبب الرئيسي لهمجيتها والتمرد على القانون ، والنظام ، في تهجير مئات الالاف من العراقيين الى مدن كردستان العراق والخارج ، هي التي تقف وراء تلك الحملات ذات الطابع السياسي .
جميع القوى القومية الديموقراطية الكردستانية ، وسائر الوطنيين الصادقين يقفون الى جانب تجربة الاشقاء الواعدة ، ونهج القيادة السياسية المعتدل ، والصائب ، ويعتبرون ان مواصلة نجاحات تلك التجربة ، تصب في مجرى نضال الكرد بكل مكان.[1]