تداعيات - حزبنة - العلاقات الكردية - الكردية
#صلاح بدرالدين#
الحوار المتمدن-العدد: 7107 - #15-12-2021# - 21:02
المحور: القضية الكردية
مع ظهور ونمو الوعي القومي الكردي مع نهايات القرن الثامن عشر ، ومن ثم انبثاق نشاطات ثقافية ، واجتماعية ، وحركات سياسية ، وانتفاضات ، وثورات منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين ، يمكن القول أن هذه الحركة القومية الكردية بمفهومها الواسع ، قد اجتازت ثلاثة مراحل تاريخية في كفاحها من حيث المنطلقات النظرية ، والاهداف القريبة ، والبعيدة ، وبمعنى آخر من حيث الاستراتيجية ، والتكتيك ، وذلك بفعل حقائق الظروف الموضوعية ، والعوامل الجيو سياسية المحيطة الخارجة عن ارادتها ، والمتعلقة أساسا بالتقسيم المتدرج لموطن الكرد التاريخي كردستان ، من جانب الامبراطوريتين العثمانية ، والصفوية ، والقوى الاستعمارية الغربية المنتصرة في الحرب العالمية الثانية .
المرحلة الأولى – عندما كان كرد المنطقة عموما من غرب ايران ، وشمالي العراق ، وشرق تركيا ومناطق زاغروس ، وميزوبوتاميا ، وشمال شرقي سوريا الى تخوم الفرات جنوبا ، وحتى مشارف انطاكية ، والاسكندرون ، وكرد الشتات في دمشق ، ولبنان ، وفلسطين ، والأردن ، تحت ظل الإمبراطورية العثمانية المترامية الأطراف ، وفي تلك المرحلة كان التوجه العام لاية مشاعر قومية كردية ، كردستاني ، يشمل كرد المنطقة عموما من دون استثناء .
المرحلة الثانية – وتبدأ بالنتائج المترتبة على معركة جالديران ( 1514 ) عندما اقتسمت الامبراطوريتان العثمانية السنية ، والصفوية الشيعية ، موطن الكرد ، مما أدى ذلك عمليا الى فصل كرد الجانبين ، وحركتهما القومية ، عن بعضهما البعض ، وبذلك تكون وللمرة الأولى بتاريخ الكرد ، تجزئة االعمل القومي الكردي الموحد ، والشامل ، والهادف الى الاستقلال ، الى قضيتين قوميتين منفصلتين عن بعضهما البعض رسميا ، وجغرافيا ، في مركزين مختلفين بين الامبراطوريتين .
المرحلة الثالثة – لابد من الإشارة بان المرحلة الثانية تميزت ببقاء الأغلبية الساحقة من الكرد ، ومناطقهم ، تحت ظل النفوذ العثماني ، ونشأت حينها رابطة قومية سياسية ،وثقافية ، واجتماعية ، بين كرد بلدان ( تركيا ، والعراق ، وسوريا ) الراهنة ، مالبثت اتفاقية سايكس – بيكو ( 1916 ) بين الحلفاء ، والقيصر الروسي ، أن وضعت النهاية لذلك الرابط القومي الواسع ، مما تمخض عنها – تقسيم المقسم الكردي – ومضاعفة جزئين من كردستان التاريخية الى أربعة أجزاء ، وتحويل القضية الكردية الواحدة الى أربعة قضايا بعد ان كانت قضيتان في تركيا العثمانية ، وايران ، ودشنت المرحلة الثالثة هذه بشأن العمل القومي الكردي معادلة واقعية جديدة تتمحور حول ثنائية القومي ، والوطني ، ومهام التوازن الدقيق بينهما .
المرحلة الثالثة الطويلة هذه التي تمتد لنحو قرن ،. غيرت كثيرا من الموروث القومي الكردي تحت ظل مواطنه الجديدة ، وفعلت فعلها من النواحي الدستورية ، والقانونية ، ورسخت حقائق جديدة على ارض الواقع ، من النواحي الاقتصادية ، والاجتماعية ، والثقافية ، والنفسية ، والتي مازلنا نجهل حقائقها كاملة ، ويتهرب كتابنا ، ومثقفونا خاصة المغالون نظريا في الضرب على الوتر القومي العاطفي ، من الخوض في تفاصيلها ، اما عن قصور ، أو هروب من الواقع .
وامام كل ذلك ، وبالرغم من رسم الحدود الجديدة ، وتفكيك اوصال الشعب الواحد ، والوطن الواحد ، وازدياد عوامل الافتراق القومي ، لمصلحة الانتماء الوطني ، فان الوشائج القومية بين كرد الأجزاء الأربعة راسخة ، وامكانيات العمل القومي المشترك والتنسيق ، بين القوى السياسية الكردية ،على أسس الاحترام المتبادل مازالت متوفرة ، وحتى تباين الأفكار بين التيارات السياسية يمكن معالجته عبر الحوار السلمي ، اذا صدقت النوايا .
مخاطر حزبنة العلاقات الكردية – الكردية
أحد أبرز جوانب الازمة في الحركة القومية الكردية في الحالة الراهنة ، هو السيولة في اعداد الأحزاب ، فحسب التقديرات غير الرسمية الموثقة ، هناك مايربو على خمسمائة حزب في أجزاء كردستان الأربعة ، بين كبرى ، ومتوسطة ، وصغيرة ، ماعدا آلاف الجمعيات ، والتجمعات تتبع غالبا لها ،تلك الأحزاب .
وبغض النظر عن مدى جدية ، او نجاح ، او فشل تلك الأحزاب ، وكونها قومية متطرفة ، او معتدلة ، ديموقراطية ، او ليبرالية ، مدنية ، او عسكريتارية ، أو ميليشياوية ، مستقلة ، او تابعة ، نظيفة ، أو فاسدة فهذا ليس بموضوعنا الرئيسي في هذه المقالة ، بل مانصبو اليه هو البحث في ظاهرة خطيرة ، تمس جوهر ، وطبيعة العلاقات القومية ، عندما تنتهج الأحزاب طريق حزبنة العلاقات الكردية – الكردية ، بدلا من العلاقات الأخوية ، في اطار مفهوم – الكردايتي – أي التعامل مع الفضاء القومي من منطلق مصالح الحزب فقط وهي لاتعبر عن مصالح الغالبية الشعبية أولا ، ومن مصالح الحركة الكردية الجامعة تاليا ، فالحزب ليس امرا ثابتا ، بل يأتي ويزول ، وهو. أداة وليس هدفا ، ومهمته خدمة الشعب ، والقضية ، والشعب باق ، والقضية قائمة حسب ظروف المكان ، والزمان .
نحن كرد سوريا ولنا تجربة طويلة في العمل الحزبي ، ثبت لدينا بما لايدع مجالا للشك على الأقل في العشر سنوات الأخيرة بعد اندلاع الثورة السورية ، ان الحزبوية الضيقة خاصة من هياكل لم تتجدد ، ولم تعقد موتمراتها ، وفقدت الشرعيتين القومية ، والوطنية ، ومجموعات حزبوية – ميليشياوية ، او عسكريتارية ، قد الحقت الضرر البالغ بقضية الشعب الكردي ، وصارت عائقا امام توحيد الحركة الكردية السورية المفككة ، والأخطر من هذا وذاك النظر الى ماحولها بعيون حزبية ، وتجيير القضيتين القومية ، والوطنية لمصالح الحزب ، وبقائه حتى لو تم افناء الشعب ، أو هاجر قسرا بحثا عن الأمان ، ولقمة العيش .
من تداعيات حزبنة العلاقات القومية داخل كل جزء ، او بين الأجزاء الأربعة المس بقوانين التطور الاجتماعي الطبيعي في المجتمعات الكردية ، واضعاف الرابط القومي ومشاعر القربى النبيلة ، وتعميق الخلافات بين الكرد كشعب بدلا من حلها ، واحياء الحساسيات المناطقية باتجاه المغالاة ، والتطرف ، واثارة الانتماءات الدينية ، والمذهبية ، وتعميق الولاءات ( بحسب المصالح الحزبية ) لنظام الاستبداد ، او. أنظمة مجاورة .
في جميع الأحوال سنظل ككرد سوريين ، غير محصنين امام المخاطر ، والظواهر الغريبة السلبية كظاهرة الحزبنة والتبعية ، واضاعة الوزن ، والتوازن وغيرها ، مادامت حركتنا مفككة ، ولاسبيل امامنا سوى التكاتف ، والتكامل ، من اجل توفير شروط عقد المؤتمر الكردي السوري الجامع ، لاعادة بناء الحركة الكردية ، واستعادة شرعيتها ، وانتخاب مجالسها القيادية ، لمواجهة كل التحديات.
[1]