عنوان الكتاب: سوريا: دور الاتفاقيات الدولية في عمليات التهجير القسري (2)
مؤسسة النشر: منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” و “رابطة تآزر للضحايا”
تأريخ الأصدار: 2023
بعد ست سنوات من تنفيذ “اتفاق” المدن الأربعة: مضايا والزبداني في مقابل كفريا والفوعة، الذي وُقّع في نيسان/أبريل 2017، بين إيران والميليشيات المرتبطة بها من جهة وعدد من الفصائل المعارضة الإسلامية المسلحة، (أبرزها جبهة فتح الشام، وحركة أحرار الشام) من جهة أخرى، بوساطة قطرية، يعيش المهجّرون ظروفاً إنسانية صعبة، فلم تكن الأيام كفيلة بالتخفيف من معاناتهم التي ذاقوها في أعوام الحصار الطويلة بل تحولت إلى معاناة من نوع آخر، إذ تشكّل ﺣﻴﺎتهم اليوم سلسلة من الخسارات ومشاعر الخذلان وعدم الاستقرار، فضلاً عن صعوبات تأمين تكاليف المعيشة الأساسية.
يصف الناشط الحقوقي، أحمد كويفاتي، ابن مدينة الزبداني المهجّر إلى إدلب شمال غربي سوريا، الآثار التي تركها الاتفاق على المهجّرين: “فقدنا الأهل والأصدقاء والأقارب، ضاعت أملاكنا وحُرمنا منها، فقدنا عملنا وكل شيء بنيناه، وأُجبرنا على العيش بعيدين عن كل ما نتمناه ونحبه“.
ويضيف أبو نضال الذي شغل منصب مدير الهيئة الطبية في الزبداني، ويعيش حالياً في عفرين شمال غربي حلب:
“كانت أصعب الأمور علينا هي انتزاعنا من أرضنا وجذورنا، نعيش في المهجر حالة مأساوية فالوضع في “المناطق المحررة” ليس على ما يرام من ناحية الوضع الأمني والمعيشي الصعب، كل شخص خارج دائرة العسكر وضعه المادي صعب جداً وأنا أكبر مثال على ما يعانيه المهجّرون من فقر، وهناك عدم استقرار نفسي نتيجة تعلّق مصيرنا ومصير المنطقة بالتجاذبات الدولية، وما يخيب آمالنا ويحبطنا أن إخواننا في (الجيش الوطني) أصبحوا مرتزقة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى“.
من جانبها تشير رؤى، (اسم مستعار لناشطة من مضايا مقيمة في إدلب)، إلى أن كثيراً من المدنيين الذين غادروا الزبداني ومضايا لم يكونوا مدركين أنهم يخرجون منها بموجب اتفاق، بل كانوا يبغون الخلاص من الوضع الإنساني السيّئ الذي عانوه جراء الحصار، فقد كان سكان المنطقة يموتون جوعاً ومرضاً بسبب نقص المواد الأساسية من غذاء ودواء، إلا أنهم صُدموا لاحقاً بسبب ما اكتنفه واقعهم الجديد من مشاق، تقول بهذا السياق:
“آثار كل جريمة لا تكون واضحة في بدايتها، وكذلك الأمر بالنسبة لاتفاق المدن الأربعة، فهذه الجريمة لم تظهر آثارها فوراً، حين قدمنا إلى إدلب كنا سعيدين جداً، لكن بعد مكوثنا فيها كانت المرحلة الصادمة، وصار الناس يقولون ليتنا بقينا في الحصار، وذلك بسبب الانتهاكات التي ترتكبها الجماعات المسلحة المسيطرة على المنطقة“.
أما من فضّل البقاء في الزبداني ومضايا فحاله ليست أفضل، في ظل سوء الأوضاع الأمنية، وانتشار تجارة المخدرات تحت سيطرة حزب الله اللبناني والفرقة الرابعة، وقلّة فرص العمل، واستيلاء الحكومة السورية على أملاك الأهالي، لاسيما المعتقلين والملاحقين غيابياً بعد توجيه تهم “الإرهاب” لهم، وفق ما تؤكده مصادر محلية.
ولا تبدو معاناة أهالي كفريا والفوعة المهجّرين بموجب الاتفاق أخف وطأة، فرغم اختلاف الظروف والجغرافيا تتشابه المصائر. فبعد أن نقلتهم حافلات التهجير من داخل الحصار المحكم الذي عانته المنطقتان ذواتا الغالبية الشيعية بريف إدلب، على يد “جيش الفتح/المعارض” توزعوا بمناطق سيطرة الحكومة السورية في دمشق وحلب وحمص واللاذقية وطرطوس، وهي مناطق غير مألوفة بالنسبة لهم، لتفرغ كفريا والفوعة بالكامل من أهاليهما الأصليين.[1]