وفاء لتاريخ حركتنا
#صلاح بدرالدين#
الحوار المتمدن-العدد: 6700 - #11-10-2020# - 21:58
المحور: القضية الكردية
انحراف الأحزاب الكردية السورية الراهنة ( خمسون حزبا ) لاتقتصر على الجوانب الفكرية والسياسية والثقافية بل تتعداها الى جوانب أخرى مثل قراءة تاريخ الحركة الكردية وتفسيره ودور الأفراد في تسطير ذلك التاريخ لذلك فان التصدي لهذا الانحراف الأخطر ( التزييف ) واجب كل المثقفين خصوصا الاختصاصيون منهم أو المتابعون .
جنبا الى جنب التشويه المتعمد لتاريخ سوريا وكردها من جانب النظم الحاكمة طوال عقود يحاول بعض الكرد تزييف حقائق نشوء وتطور المنظمات الكردية والروافع النضالية منذ حركة – خويبون – مرورا بقيام التنظيم الحزبي الأول وحتى الآن وذلك حسب مقتضيات دعائية حزبية أو غيرها واستهداف شخصيات قيادية مؤثرة كان لها دور في المسيرة الكفاحية بمراحل معينة أو رفع شأن آخرين بشكل مزاجي ومن دون مبرر .
لابد من التصدي الحازم للعابثين بتاريخ حركتنا الكردية السورية عن جهل أو سابق إصرار أو لأسباب آيديولوجية أو منافع حزبية ونشر المعلومات المضللة وغير المعتمدة على مصادر موثوقة حول خلافات قيادة ( الحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا ) وخصوصا ماينشرونه بشأن خلاف الراحلين ( عثمان صبري ود نورالدين ظاظا ) قبل مايقارب السبعين عاما وبعض هؤلاء العابثين لم يكونوا قد خلقوا بعد وكذلك ادعاء أحد الأحزاب الراهنة بانه امتداد تنظيمي للحزب الأم مع أن نحو عشرين عاما يفصل بين ظهوره وبين ميلاد الحزب الأم .
وحتى تكتمل شروط إقامة مؤسسة مستقلة من ذوي الاختصاص لكتابة تاريخ الحركة الكردية السورية اعتمادا على المصادر العلمية والوثاق والقرائن فانني أرى والى ذلك الحين أن يساهم كل مطلع من جانبه بقطع الطريق أقله على كل من يعبث بأي جانب من ذلك التاريخ ، وبحكم اطلاعي ومعايشتي لمعظم القيادات من الرعيل الأول واستجابة لطلبات العديد من الأصدقاء علي أن أوضح بعض الأمور مع الاستعداد الكامل لتلقي كل الملاحظات والتوضيحات ومناقشتها بموضوعية من جديد ان اقتضت الحاجة .
أولا – في عدد من المناسبات قرأت كتابات وبيانات صادرة من قيادة وأعضاء ( الحزب الديموقراطي الكردستاني – سوريا ) الحديث المنشأ تزعم أن حزبهم امتداد تنظيمي للحزب الأم وبصورة مفاجأة وبعد مضي اكثر من نصف قرن نشهد ( حركات ) غير موفقة بهذا الصدد واعتبار الراحل د نورالدين ظاظا سكرتيرا أسبق لهم وايحاء البعض بإشارات ضمنية على تعظيم مواقف المرحوم ظاظا في مواجهة غريمه ( المزعوم ) الراحل عثمان صبري وبما أن هؤلاء يفتقرون الى تاريخ نضالي يلجؤون الى – تبني - تاريخ الآخرين ولو على سبيل الاستعارة وبغفلة من الحقيقة .
ثانيا – الحزب الأم ( الذي يدعي الحزب الحديث العهد المسمى بنفس الاسم القديم منذ عدة أعوام ومن خارج كردستان سوريا ) ظل متماسكا وموحدا حتى عام 1965 أي خلال ثمانية أعوام من عمره ثم غادره الجناح اليميني واستقل كحزب آخر واستمرت الشرعية الحزبية بقرارات من الكونفرانس الخامس تحت اسم ( البارتي الديموقراطي الكردي – اليساري ) أي نفس الاسم القديم مضافا اليه ( اليساري ) تميزا عن اليمين الذي احتفظ بالاسم القديم وظل الأمر على هذا المنوال حتى عام 1970 عندما انعقد المؤتمر التوحيدي في – ناوبردان – كردستان العراق لتوحيد الحزبين واضافة كتلة من المستقلين ولم يدم التشكيل الجديد وانفرط عقده بعد انسحاب اليمين ثم اليسار أي عمليا انتهى مشروع وحدة حزبين ينتميان الى الحزب الأم طبعا هناك تفاصيل أخرى وتعقيدات لامجال لذكرها الآن ولكن يجب القول أن مشروع الحزب الجديد لم يكتمل ومنذ انفراط عقد حزبي اليمين واليسار لم يعد الوريث الشرعي موجودا الا بالأفكار والمواقف السياسية المبعثرة هنا وهناك ثم حصلت انشقاقات في صفوف اليسار واليمين وظهرت أحزاب جديدة فاقت أعدادها الخمسون حزبا .
ثالثا – في الوقت الذي أحيي الزعيم كاكة مسعود بارزاني على لفتته الكريمة بكلمته المنشورة قبل يومين حول ذكرى رحيل د نورالدي ظاظا أحد مؤسسي الحزب الكردي السوري الأول واشادته بتاريخ هذا المناضل ورفاقه الآخرين من الرعيل المؤسس ، ودعوته الكريمة بهذه المناسبة الى تضافر الجهود لتحقيق أماني الشعب الكردي السوري فانني أشير الى أن كلمته لم تكن موجهة الى حزب معين بل الى كل الكرد السوريين لأن الأخ مسعود على علم واطلاع بحقائق الأمور .
رابعا – لقد ناقشت موضوع الخلاف مع قطبيه لمرات عديدة ( اوصمان ونورالدين ) وكان جواب الاثنين متشابهان وهو نعم نشب خلاف تكتيكي بين الرجلين أو اجتهاد حول شكل الدفاع في المحكمة العسكرية ففي حالة الالتزام بما نص عليه منهاج الحزب ( تحرير وتوحيد كردستان بأجزائها الأربعة ) فان الآحكام المتوقعة ستكون قاسية وليس أقل من عشرين عاما أما في حال الالتفاف على ذلك البند فلن تكون العقوبة أكثر من عام ونصف حسب مادة الانتساب الى جمعية سياسية غير مرخصة واقترح الدكتور ظاظا الالتفاف التكتيكي أما عثمان صبري فتمسك بالالتزام ببنود المنهاج بشكل كامل .
خامسا – سمعت من الرجلين ولأكثر من مرة أنهما متفقان حول المسائل الأساسية للقضية الكردية السورية وهي الأهم والحاسم وأبرزها : هناك شعب كردي سوري من السكان الأصليين يعيش على أرضه التاريخية ، والايمان بوجوب أن ينال حقوقه المشروعة كاملة ، وأن النظام الشوفيني هو الخصم الأول في النضال والقوى الديموقراطية السورية هي الصديق المفترض لشعبنا ، وأن هناك ضرورة لتعزيز صفوف الحزب بين الأوساط الشعبية وممارسة مختلف أشكال النضال السلمي المتاحة ، والرجلان كانا حذرين من مخاطر تيار يميني استسلامي امام النظام كان حينذاك المرحوم حميد درويش من ضمنه وكان له أنصار بالقيادة وفي سجن المزة أيضا خلال الاعتقال وقد عمل هؤلاء مجتمعين على الإيحاء بوجود خلاف عميق بين عثمان وظاظا ومحاولة كسب الأخير الى صفوفهم وقد كان أمرا ملفتا للنظر عندما رفع المرحوم حميد صورة الدكتاتور القاتل بشار الأسد في صدارة قاعة شيدها باسم ( قاعة د نورالدين ظاظا ) وكيف أن حرم ظاظا ورفيقة عمره المطلعة على أفكاره رفعت دعوى قضائية على هذا التصرف معتبرة أن زوجها لم يكن يوما على وفاق من أنظمة الاستبداد بسوريا .
سادسا – هناك بعض الكتبة المتطفلين والمدعين بمعرفة أسرار الرعيل الأول يكتبون مواضيع حسب تمنياتهم وليس كما هو واقع وهم من أنصار شلل حزبية منشقة تآمرت على مشروع كونفرانس الخامس من آب وانحرفت عن نهجه بل أساءت اليه عبر انشقاقها باشراف السلطة ، تمارس عمليات ( الانتقام السياسي ) ضد مناضلين معروفين وتجيير التاريخ لتبييض وجوه أرباب الانشقاق الكالحة خصوصا من أيتام – محمد منصورة – وفرسانه السابقين الذين نفذوا أكبر جريمة سياسية في تاريخ حركتنا عندما حققوا رغبات النظام ومبعوثه الضابط الأمني – منصورة – الى القامشلي بشق أهم حزب كردي ( حزب الاتحاد الشعبي ) الوحيد الذي وقف بوجه النظام ونسج علاقات مع معارضيه من القوى السياسية السورية ورفع شعار تغيير النظام وكذلك الاعتراف المبدئي بحق تقرير مصير الشعب الكردي السوري .
سابعا - فترى أحدهم يكتب أن الراحل عثمان صبري ( تزعم الكونفرانس الخامس عام 1965 ) أو ( التزم بالماركسية اللينينية ) والحقيقة عندما انعقد الكونفرانس الخامس كان الراحل عثمان بسجن القلعة بحلب وجميع أعضاء الكونفرانس لم يكونوا على معرفة بالراحل فقط أنا رأيته من بعد لدقائق في زيارة الى السجن عام 1964 وبشكل شخصي وسلمت عليه وعلى رفاقه ( عبدالله ملا علي ورشيد حمو وكمال عبدي وآخرين ) ولم يكن الظرف مساعدا لمناقشة الأمور الحزبية فقط اشعرتهم بان الوضع الحزبي سيئ جدا وان القاعدة تفور وستبحث عن مخرج للأزمة ولم يعترض أي منهم .
ثامنا - نعم كلنا بالكونفرانس كنا من محبي معظم قيادة الحزب لأنهم قادتنا ومعجبين بمواقف آبو اوصمان الشجاعة وبحكمة المثقف الكبير د نورالدين ظاظا ولكن لم نكن نعلم تفاصيل مشروع عثمان صبري ولم نقرأ أية وثيقة فكرية وسياسية له حول الحركة والحزب وكنا ومعظمنا من الجيل الجديد نؤمن بالقيادة الجماعية والاعتماد على الذات وكل الوثائق التي صدرت – وماأكثرها – لم تكن أي واحدة منها من كتابة آبو اوصمان وهذا ليس انتقاصا لمقامه المبجل وكنا نحاول الابتعاد عن عبادة الفرد وقررنا بعد انتهاء الكونفرانس على الاتصال بجميع أعضاء القيادة السابقين للعودة الى مواقعهم السابقة ورفض الجميع ماعدا عثمان صبري الذي عاد كسكرتير للحزب بعد مضي سبعة اشهر على الكونفرانس ولاحقا الأستاذ المرحو م محمد ملا احمد توز أيضا والفضل في كل الإنجازات يعود الى أعضاء القيادة المرحلية المنتخبة من الكونفرانس ( ولم يكن عثمان صبري بينها ) والى القيادة الميدانية الثلاثية المنبثقة عنها ( محمد نيو – هلال – وكاتب هذه السطور ) وبانضمام آبو اوصمان وآخرين اكتمل معظم شروط قيادة مؤهلة مسلحة بالفكر والموقف السياسي لاتهاب من مواجهة الصعاب .
تاسعا – الراحل عثمان صبري ( وكل من يعرفه يعلم ذلك ) لم يكن ماركسيا ولم يكن على ود مع الشيوعيين وكان همه الأهم كردستان تركيا وعندما ترك الحزب عام 1968 توجه الى تركيا لاشعال ثورة كردية كما صرح امامنا ، وفي افاداته بالتحقيقات ومرافعاته باالمحاكم ( أحتفظ ببعضها ) كان يطرح دائما خطورة الحكم التركي وإمكانية تلاقي المصالح بين الكرد والنظام السوري في مواجهة تركيا وكان يصارح أيضا خلال المحاكم : ان تركيا لن تكتفي بولاية – هاتاي – أي انطاكيا والاسكندرون بل ستستمر بمشروع – آلتاي – أي الوصول الى حلب ومناطق سورية أخرى ولم يكن تقربه من – ب ك ك – في أواخر حياته قد حصل بشكل عفوي بل حصل لاسباب فكرية حتى ان جماعات – ب ك ك – وبتسهيل أحد أبناء المرحوم قامت بدفنه ولم تسمح لاحد بالمشاركة بواجب الدفن والعزاء ، أما بشأن الالتزام بالماركسية اللينينية فقد حصل ذلك في حزبنا وآبو ا وصمان لم يعد له صلة بالحزب ولم يكن موجودا في المؤتمر الذي جرى به الالتزام وفي كل الحالات سنبقى أوفياء لتضحيات وشجاعة هذا المناضل ونعتز بتلك المدة التي عملنا فيها سوية .
عاشرا – عملنا سوية مع الراحل عثمان صبري الذي كان سكرتيرا لحزبنا لمدة عامين ونيف وبقينا نحن ومعظم رفاقنا المؤمنين بنهج مدرسة آب عقودا بعد ذلك وبعد مغادرته لم يكتب أو يصرح يوما حول مشروع التجديد الذي تولاه حزبنا وتبناه كونفرانس الخامس من آب كرديا وسوريا وكردستانيا وامميا خاصة وأنه مشروع حي ومتواصل وهذا يعني أنه لم يشعر أنه مشروعه وعليه التزام الدفاع عنه بل صار مقربا من خصوم ذلك المشروع ولم نكن وكل محبيه يتمنون تلك الخاتمة لهذه الشخصية الفذة ، أما الراحل ظاظا فلم نعمل سوية في حزب واحد بعد ان عزل نفسه كليا عن المشهد وكان ذلك خسارة للحركة ولكن كان ذلك قراره ونحترمه من دون اغفال ان الرجل تعذب وواجه صدمات حادة ان كان من بعض رفاقه وأصدقائه أو من المحيط القومي العام وهو ألمح الى ذلك في كتابه ولاحظت آثارها خلال حديثه معي في زيارتين له قبل رحيله.
[1]