يا مثقفي القومية السائدة لاتعبثوا بتاريخ ووجود الآخر المختلف
#صلاح بدرالدين#
الحوار المتمدن-العدد: 6606 - #30-06-2020# - 01:09
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
استحوز المقال الذي نشره الصديق د احمد نسيم برقاوي منذ يومين بعنوان : دفاعا عن العرب اهتمام العديد من الكتاب والمثقفين والمتابعين من الكرد والعرب كما كانت له ردود فعل ساخطة بسبب مااحتواه المقال من تجني بحق المكونات الوطنية السورية من الكرد والتركمان والمسيحيين وكل ماهو غير عربي ولم يكتفي الكاتب بهؤلاء بل وصل الى شمال افريقيا ومصر ليسئ الى الشعب الأمازيغي وأقباط مصر وقد وجدت من المفيد أن أرد على المقال وأناقش مواقف الكاتب ايمانا مني بالحوار العلمي والموضوعي ومن أجل الحفاظ على مايجمع بين المكونات الوطنية من مشتركات وتعزيز العيش المشترك والعدالة والمساواة واحقاق الحق ونبذ كل مايفرق ويثير الفتن والاحقاد .
أول ماالتقينا – بدبي – قبل أعوام لدى أحد الأصدقاء المشتركين ومن خلال الحديث العام سألته مازحا : هناك من يقول أن البعض من تلامذتك بفرع الفلسفة في جامعة دمشق مصاب بمشاكل نفسية فكان جوابه – ما أنا مجنون – وبعد لقاءات عديدة في أكثر من مناسبة وبينها تواجده بلقاء محدود لبعض المعارضين السوريين جعلني آخذ مزحته على محمل الجد ...وموضوع آخر أثار انتباهي دفعني استفسر من صاحب الدعوة هل د احمد سوري فاجابني لا فلسطيني ولكنه مقيم بسوريا منذ زمن طويل طبعا كان من دواعي سروري وجود فلسطيني معنا بالاجتماع لانني شخصيا معجب بهذا الشعب الشجاع العاشق للحرية الى درجة التضحية من أجلها .
كما ذكرت وبعد تتالي اللقاءات مع صديقي البرقاوي الغريب الأطوار الذي استلطفت حركاته المفاجئة وقهقهة ضحكاته العالية بحيث يسمعها الآخرون من مسافة بعيدة ومغادراته المفاجئة لجلسات الاجتماعات أو حين جلوسه مع شخص آخر ثم حضوره المفاجئ مرة أخرى لينطق بأي شيء غير المواضيع المطروحة فيشتت الأفكار ويحول الجلسات الى نوع من الهزل والاستهانة بكل مايؤمن به الآخرون بما في ذلك مصائر البلدان والشعوب وتحديدا الحالة السورية حيث أعترف أنني لم افهم موقفه الحقيقي الحاسم من القضية السورية ثم علمت ان كل من جالسه واصل الى تلك النتيجة .
لاحظت على صديقي بعد كل اللقاءات نوعا من الضياع والمعاناة في إشكالية هويته هل هو قومي عربي ؟ هل هو وطني فلسطيني ؟ هل هو وطني سوري ؟ هل هو مع الثورة السورية بمعنى اسقاط نظام الاستبداد البعثي الشوفيني أم بين بين بسبب ماضيه القريب عندما كان له حظوة لدى الحاكم البعثي ورئيسا لقسم الفلسفة وأشياء أخرى مع أنني لاأرى تناقضا بين ان يكون الفلسطيني سوريا والسوري فلسطينا والعربي كرديا والكردي عربيا وذلك من حيث الفكر والموقف السياسي والعمل النضالي والمفهوم الوطني السليم والحس الإنساني ولدينا نماذج فلسطينية ملهمة رائعة نعتز بها بهذا المجال كالكاتبة والشاعرة ليانا بدر والكاتب الباحث ماجد كيالي والمناضل المثقف محمود خزام والكاتب والمخرج نصري حجاج والمثقف توفيق المشارقة واللواء المتقاعد مأمون هارون رشيد والقائمة تطول .
ان كنت قد خرجت بتلك الانطباعات الأولية عن صديقي الاأنني تركت المسألة للزمن عسى ولعل حصول تحولات إيجابية انطلاقا من ايماني بإمكانية التطور في سلوك الانسان ولكن على مايظهر فانه استسلم نهائيا لرياح الزمان وايحاءات المكان فمعلوم أن المشهد السوري العام وأمام استعصاءات المعارضة السورية وخذلان المجتمع الدولي والنظام العربي الرسمي الذي بدأ بالانفتاح على نظام الأسد وافتتاح سفاراته بدمشق وتلاطم موجات العنصرية الاعمى والافعال وردودها بين أوساط حزبوية آيديولوجية عربية وكردية بلغت درجة اعلان النفير القومي لدى البعض من القومية السائدة لاقتلاع الكردي ( المهاجر المتسلل الانفصالي ) من موطن الآباء والاجداد في هذا الوقت بالذات ونحن بامس الحاجة الى أصوات ودعوات للتهدئة يزج صديقنا نفسه طرفا الى جانب الشر والفتنة ويخالف نهج سيد الفلاسفة كارل ماركس ومقولته الشهيرة : شعب حر لايستعبد شعبا آخر .
كنت أتمنى أن يكتب صديقي بمضمون آخر وتحت عنوان آخر: ( دفاعا عن السوريين كل السوريين ) لا أن يقف الى جانب شوفينيي القومية السائدة وضد أبناء القومية المضطهدة ( بفتح الهاء ) فجميع فلاسفة عصر النهضة والفلاسفة الاشتراكيين والامميين صرحوا أو أوحوا أن هناك بونا شاسعا بين مضامين الفكر القومي لدى كل من الشعوب المستقلة بدول وكيانات من جهة وبين الدعوات القومية لشعوب وأقوام وقوميات ترزح تحت نير الاضطهاد والحرمان والتجاهل وكذلك المعرضة للتمثلية القومية وتغيير التركيب الديموغرافي لمناطقها التاريخية الاصلية والامر المعيب والمهين بآن واحد أن يعتبر صديقي القومية الثانية من حيث العدد بسوريا با ( الأقلية القومية ) وهكذا الحال بخصوص الشركاء التركمان السورييون الذين يشكلون نسبة كبيرة فصديقنا يعلم مايكتب فالاقلية تعني جماعة من السكان تسكن أراضي الغير ولاتستحق الحقوق القومية في منظور القانون الدولي والمواثيق العالمية ولايعلم الصديق ان هذه المقولة المهينة العنصرية تجاه الكرد والتركمان وغيرهم من صنع الفكر البعثي كذريعة لحرمانهم من الحقوق الأساسية وتهجيرهم لانهم غرباء متسللون ؟! .
خطيئة أخرى اقترفها صديقي عن سابق إصرار وتصميم عندما فصل الوضع الكردي بسوريا من حيث الحقوق عن باقي أجزآء كردستان في تركيا وايران والعراق باعتباره الكرد السوريين لايستحقون ان يقرروا مصيرهم السياسي والإداري في اطار سوريا الواحدة الموحدة ( لانهم أقلية قومية ) بل يمكن حسب زعمه ان يتمتعوا ( بحقوق قومية ) وهو دليل آخر على خضوع صديقنا لما اسلفنا ذكرها برياح الزمن الردئ – حسب توصيف الراحل الكبير ياسر عرفات أما مواقفه الانكارية لوجود وتاريخ وحقوق ( الاشوريين والكلدان والسريان والتركمان والارمن ... الخ) والاستهزاء بها فيدل على عدم معرفته بتاريخ سوريا أو قراءتها كما رسمتها وقررتها الدائرة الثقافية للقيادة القومية لحزب البعث على قاعدة الأحادية القومية والحزبية والعقائدية والطائفية والعائلية والفردية وبالمناسبة روج البعث الحاكم في جريدته النظرية الناطقة باسم الحزب منذ عام ( 1966 ) لفكرة ان الكرد مثلهم كمثل العرب المهاجرين باوروبا وامريكا لهم حق المواطنة فقط .
لاياصديقي استنجاد السريان والتركمان والكرد والامازيغ بالتاريخ ليس سخافة ولا ترهات حسب تعبيراتك القاسية المهينة فعندما يستحضرون التاريخ القديم والمتوسط فبذلك يدافعون عن وجودهم أمام سياسة الانكار السائدة الآن لدى مثقفي القومية السائدة أولاتعلم بقرارة نفسك أن السريان أو الآرامييون لهم دور تاريخي قديم في وجود سوريا المعاصرة ؟ ألا تعلم كاستاذ جامعي أن مصادرك الفلسفية معظمها من تأليف أو تراجم علماء يونان وسريان وبيزنطيين ؟ الا تعلم ان دول شمال افريقيا تسكنها غالبية أمازيغية في الجزائر مايقارب النصف في المغرب 60٪ ومنتشرون بتونس ومصر أيضا هل تنكر ان كردستان التاريخية تجزأت على مرحلتين الأولى بين الامبراطوريتين العثمانية والفارسية منذ معركة – جالديران – والثانية بعد اتفاقية سايكس – بيكو ؟ هل تنكر ان كرد سوريا وتركمانها ومسيحييوها من السكان الأصليين بسوريا ؟ .
صديقي لماذا تكره التاريخ وانت أستاذ فلسفة لماذا تتحسس من وجود عناصر ومكونات أخرى غير العرب حكموا المنطقة بل حررورها مرات وتصدوا للعدوان الخارجي يبدو انك تتحسس حتى من الايوبيين الكرد الذين حرروا بيت المقدس ولولا ذلك لكان اسمك الان ( موشي أو بنيامين أو عزرا ) لماذا تنكر حقيقة أنه مر على سوريا أقوام وهجرات وغزوات وكان آخرها الغزوات العربية الإسلامية كما يقول المؤرخ العربي المسيحي – فيليب حتي – الذي لايستطيع احد المزايدة على عروبته الإنسانية وماالعيب اذا ارجع بعض العلماء والدارسين أصل الفلسطينيين مثلا الى جزيرة كريت أو القحطانيين آو الجزيرة العربية انها دراسات واجتهادات وتراث انساني ليس الا .
صديقي الوطنييون الكرد السورييون ليسوا جميعهم منتمون الى الأحزاب الكردية الآيديولوجية التي تبلغ اعدادها الخمسون والغالبية الساحقة ليست مع سياسات وممارسات الأحزاب ورفضت وأدانت تمدد جماعات – ب ك ك – باسم جماعاتها او باسم – قسد – ونصفها من العرب نحو مناطق الرقة ودير الزور وأجزاء من الحسكة ولكنك وفي خضم فورتك ويقظتك القوموية المفاجئة نسيت أو تناسيت مامورس بحق الكرد السوريين من مخططات عنصرية ومشاريع تصفوية تحت ظل الحكومات والنظم الدكتاتورية منذ الاستقلال وحتى الان لقد غيروا تركيبة مناطقنا وهجرونا وغيروا أسماء البشر والحجر وحرمونا من حقوق المواطنة وصادروا أراضينا وحرمونا من الإصلاح الزراعي ومنعوا لغتنا وحرمونا من ثقافتنا هل نسيت ( الإحصاء الاستثنائي بالجزيرة هل نسيت مخطط الحزام العربي ) عندما ترى كل ذلك وتعترف بالمظلومية الكردية على مدى نصف قرن حينها قد يحق لك نقد الأحزاب الكردية .
عندما وضع البعثي – محمد طلب هلال – ( الذي رقي عضوا بالقيادة القطرية ثم وزيرا للتموين ثم سفيرا ببولونيا ) وكان رئيس شعبة الامن السياسي بالجزيرة حينذاك دراسته الشهيرة عندما كلف بالبحث عن سبل لتهجير الكرد من المنطقة والتقليل من أعدادهم توصل بعد جهد جهيد الى استنتاج – حرفي - بضرورة الاستفادة من تجربة الحركة الصهيونية في تهجير الفلسطينيين أصحاب الأرض وانشاء المزارع النموذجية للمستوطنين الجدد وقد اطلق الحزب الشيوعي وباقي أحزاب ( الجبهة الوطنية التقدمية ) أسماء ( مزارع الدولة – الكولخوذات – المزارع التعاونية – المنطقة الخضراء ) على ذلك الفعل القبيح المفعم بالعنصرية.[1]