الأزمة السورية في دوامة اللاحل
#صلاح بدرالدين#
الحوار المتمدن-العدد: 5985 - #05-09-2018# - 11:26
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
بعد ثمانية أعوام من اندلاع الثورة السورية ضد الاستبداد والدكتاتورية والتي كانت سلمية احتجاجية وتحولت بفعل رفض النظام الحاكم لتنفيذ أي مطلب شعبي اصلاحي الى حركة مقاومة ثم تطورت الى ثورة مسلحة بعد زج حكومة – الأسد – كل امكانيات الدولة العسكرية والأمنية والاقتصادية لمواجهة السوريين وممارسة القتل والتهجير القسري والتدمير الممنهج للمدن والمراكز حتى بلغ عدد الضحايا من القتلى والأسرى والمخطوفين الى أكثر من مليون والمهجرين والنازحين الى أكثر من عشرة ملايين أي نصف الشعب السوري نقول بعد كل ذلك يخرج علينا النظام باعلان الانتصار العسكري والسيطرة على مناطق متناسيا أنه ليس هناك منتصر في سوريا المدمرة بدون نصف شعبها وأن ما حصل هو اختلال التوازن العسكري لغير مصلحة الثورة والمعارضة بعد تدخل كل من المحتلين الروس والايرانيين والميليشيات الطائفية اللبنانية والعراقية وغيرها لنصرة النظام والحيلولة دون سقوطه واستخدام كل أنواع الأسلحة الفتاكة ضد معارضي نظام الأسد بالاضافة الى حبك المؤامرات وتنفيذ المخططات عبر اتفاقيات وقرارات ( فيننا وجنيف وأستانا وسوتشي وحميميم وووو ) لحرمان السوريين من أية فرصة في تحقيق طموحاتهم المشروعة باجراء التغيير الديموقراطي في بلادهم وتقرير مصيرهم السياسي واعادة بناء سوريا الجديدة التعددية التشاركية .
وحتى نكون موضوعيين علينا الاعتراف هنا بأن من أسباب تفاقم الأزمة وتراجع الثورة وتصاعد الردات المضادة داخل صفوف المعارضة سيطرة جماعات الاسلام السياسي وخاصة الاخوان المسلمين على مصادر القرار وافراغ الثورة من محتواها الوطني الديموقراطي والارتباط بالأجندات اللخارجية مما أفسح المجال لاستمرارية النظام الذي أظهر نفسه أمام الرأي العام بأنه حامي العلمانية ويواجه الارهاب الظلامي وجماعات الاسلام السياسي بعد أن سلم سيادة الوطن الى المحتلين الروس والايرانيين .
القرار السوري مختطف
مايدور الآن على الساحة السورية هو صراع الأطراف الخارجية بشكل مباشر وفي بعض الأحيان عبر الحروب المحدودة بالوكالة فالروس هم أصحاب الحظوة الأولى والقوة الأكبر التي تحتل البلاد عبر قواعد عسكرية بحرية وبرية ومطارات ولديهم مشاريع متوسطة وبعيدة المدى للبقاء في سوريا كبوابة للانخراط في شؤون باقي دول المنطقة من أجل المصالح الاقتصادية وتوسيع مناطق النفوذ وقد وقفت الطغمة الحاكمة في موسكو ومنذ البداية مع نظام الأسد الاستبدادي على الصعد الدبلوماسية والعسكرية والتسليحية كما اخترقت صفوف ( المعارضة ) عبر أجهزتها الأمنية الاستخباراتية وخلقت منصات وجماعات موالية لها بين العناصر المدنية والعسكرية في بعض الفصائل المسلحة وبعد النجاحات التي حققتها أبرمت صفقات سرية مع الادارة الأمريكية على شكل مقايضات وتوافقات تشمل سوريا ودول ومناطق أخرى في العالم .
نظام جمهورية ايران الاسلامية الذي كان على صلة متينة بالنظام السوري منذ عهد الأسد الأب وجد في الساحة السورية بعد اندلاع الحروب والمواجهات ملاذا ومرتعا مناسبا للتمركز والانطلاق نحو البحر المتوسط ولبنان وانشاء الهلال الشيعي مستغلا في سبيل ذلك الحساسيات المذهبية – الطائفية والأوضاع السورية المزرية حيث استغل قواه العسكرية – الميليشياوية وضعف النظام في اجراء التغيير الديموغرافي وطرد السكان الأصليين وجلب سكان شيعة من لبنان وايران والداخل السوري لبناء غيتوات مذهبية حاضنة لمشروع الولي الفقيه .
تركيا كطرف مساهم ومعني بالأزمة السورية عملت مابوسعها لخدمة مصالحها حتى لو كان ذلك على حساب القضية السورية وغيرت مواقعها وتحالفاتها السابقة وانتقلت الى جانب روسيا على حساب تخليها عن حلف الناتو والشركاء الغربيين كما انخرطت في صفقات اقتصادية مع الجارة اللدود ايران واستغلت الظروف القائمة لاحتلال عفرين والسيطرة على مساحات في عمق الأراضي السورية تحت حجة الحفاظ على أمنها القومي المزعوم .
اسرائيل كانت ومازالت المستفيدة الأولى من تطورات القضية السورية وهي تحظى بمراعاة وتعاطف جميع أطراف اللعبة في الساحة السورية خاصة وأنها تلقى آذانا صاغية من الأمريكان والروس وحتى الأتراك لطرد الايرانيين من سوريا والابقاء على نظام سوري ضعيف مأمون الجانب مثل نظام الأسد الذي ومنذ سيطرة حكومة آل الأسد قبل نحو خمسين عاما وحتى الآن لم يطلق رصاصة واحدة على الجانب الاسرائيلي من أجل استعادة الجولان المحتل أو حل القضية الفلسطينية بشكل عادل .
مسألة الدستور
روسيا كدولة محتلة رئيسية في عجلة من أمرها لفرض الأمن والاستقرار على طريقتها أي بالقوة والاذعان وكذلك توفير الشروط الأخرى ومن بينها صياغة دستور جديد لسوريا حتى يتراءى للعالم أن القضية السورية انتهت والحل متوفر لذلك طرحت مشروع دستور من صياغتها في مؤتمر – سوتشي – العام المنصرم وبناء على طلب نظام الأسد غيرت الكثير من بنوده بحيث ينسجم مع دستور البعث لعام 2012 أي بدون أي تبديل رغم الضحايا والدمار ويبقى كل شيء على حاله وكأن سوريا لم تشهد ثورة أو حروب أو مواجهات والآن اتفقت روسيا وتركيا وايران على الصياغة النهائية وحتى على أسماء لجنة الصياغة وهي ( 100 ) عضو خمسين من النظام و20 يقترحهم ممثل الأمم المتحدة و30 للمعارضة والمجتمع المدني !!؟؟ على أساس أن يتم اجتماع في جنيف في شهر سبتمبر القادم لدراسة الموضوع وحول هذه المسألة هناك اختلافات مثل بقية المسائل فالنظام السوري يسعى الى الابقاء على الدستور الحالي المعلن عام 2012 مع اجراء تغييرات طفيفة على بعض البنود اذا دعت الحاجة أما غالبية السوريين فيرون بضرورة صياغة دستور جديد يتناسب مع حجم التضحيات ويجسد لسوريا جديدة على أنقاض الاستبداد ديموقراطية تعددية تشاركية وجوابا على الجدل الحاصل حول أولوية المصالحة والحل السياسي أم الدستور فانه من المنطقي أن تسبق المصالحة والتوافق والانتخابات التشريعية وهيئة حكم انتقالي حسب مقررات جنيف1 ثم الدستور وغيره من القوانين فقط بذلك يمكن ارساء أسس سليمة ومستدامة ومضمونة للحل السياسي ووقف النزيف واعادة بناء البلاد وخلاف ذلك ليس أمام السوريين الا العمل على عقد مؤتمر وطني سوري لتحديد آفاق المستقبل وطرق النضال لتحقيق الأهداف .
ومايتعلق الأمر بالكرد السوريين فان أحزابهم الراهنة بالمجلسين ( تف دم والانكسي ) ليست صاحبة أي دور في صياغة الدستور وليست ممثلة بشكل مؤثر في اللجان المقترحة في حين أن الوطنيين الكرد المستقلين وهم الغالبية الساحقة من المجتمع الكردي يرون بضرورة تضمين الدستور لحقوق جميع المكونات الوطنية وفي المقدمة مراعاة حق تقرير مصير الكرد السوريين ولاشك أن الحالة الكردية الراهنة وتفكك حركته الوطنية بسبب انحرافات الأحزاب وسياساتها الخاطئة المدمرة تحتاج بشكل عاجل الى اجماع قومي وبرنامج موحد يجسد الحقوق الكردية المشروعة والسبيل الوحيد لتحقيق ذلك هو توفير شروط عقد مؤتمر كردي سوري جامع بغالبية مستقلة شبابية ضامنة من النساء والرجال ومشاركة حزبية وذلك بدلا من ( هرولة ) الأحزاب فرادى نحو دمشق وعقد الصفقات المذلة بالضد من مصالح الكرد وحقوقهم المشروعة.
[1]