مخاطر التخندق الحزبوي على الكرد السوريين
#صلاح بدرالدين#
الحوار المتمدن-العدد: 5828 - #27-03-2018# - 22:19
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
تجاوزت المسميات الحزبية في الساحة الكردية السورية الرقم خمسين وهو عدد لايتوافق مع مجموع السكان الكرد الذين مازالوا على أرضهم بعد عمليات الهجرة والتهجير القسري نتيجة حرب النظام على الشعب أو التطهير السياسي – الحزبي من جانب سلطة الأمر الواقع التي تتحكم بها قيادة – ب ك ك – من قنديل والذي طال أكثر من نصف السكان الكرد منذ ستة أعوام وحتى الآن كما أن هذه السيولة في عدد الأحزاب لاتنم عن تنامي الوعي السياسي والتقدم الثقافي في مجتمعنا كما هو قائم في البلدان المتقدمة التي تخضع للنظم الديموقراطية في المجتمعات المستقرة يسود فيها السلم الأهلي والمتطورة اقتصاديا .
تكاثر الأحزاب المستحدثة في ساحتنا يحصل بقرارات وأمزجة فوقية ولحسابات صراعات الأحزاب ( الأم ) وهي بدعة رقمية وظاهرة مرضية خبيثة لاصلة لها بالبنية الاجتماعية التحتية أو التعبير عن مصالح الطبقات والفئات الأكثر تضررا من الاستبداد والقهر والاضطهاد واذا كانت توسم باسم الكرد من حيث العنوان العريض فلا تحمل أيا من تلك الأحزاب ولو جزءا من المشروع القومي والوطني الكردي أو تصورا واضحا لمصالح الكرد أوخارطة طريق لمستقبل بلادنا سوريا لامن حيث البرامج ولا الشعارات ولا السياسات الحكيمة ولا المواقف الصائبة ولا القيادات المجربة – المحصنة .
قبل نحو نصف قرن حصل في الحزب الكردي الأول ( الحزب الديموقراطي – الكردستاني – ثم الكردي في سوريا ) أول انشطار عمودي وأفقي لأسباب موضوعية واضحة بل وجيهة ومقبولة في التحليل النهائي حيث انبثق اليسار القومي الديموقراطي من صلب تنظيم الحزب ومن الوسط القاعدي والكوادر المتنورة لينقذ الحزب من مخطط اذابته وتحويله الى جمعية متناسقة مع سلطة النظام من جانب التيار اليميني في القيادة ونجح في ذلك كما أعاد تعريف الكرد كشعب وليس أقلية وحقه في تقرير المصير والقضية الكردية كجزء من الحركة الديموقراطية السورية وصحح ورسم العلاقات الوطنية السورية والقومية الكردستانية على الأسس السليمة كما أقام علاقات صداقة متبادلة مع قوى حركة التحرر العربي والفلسطيني ومنظومة الدول الاشتراكية – سابقا – وازدهرت في عهد اليسار الحركة الثقافية والفكرية والفنية كما تمت رعاية المنح الدراسية لفقراء الكرد وارسال المئات الى معاهد وجامعات الدول الاشتراكية .
وعزز اليسار ( البارتي اليساري ثم الاتحاد الشعبي ) التواصل مع الزعيم الخالد مصطفى بارزاني والوقوف الى جانب ثورة أيلول ولم تكن العلاقة حينذاك مع الأشقاء كما هي متبعة الآن فهم كانوا ينتظرون دعم ومساعدة كرد الأجزاء الأخرى ماديا ومعنويا وسياسيا وخاصة الكرد السوريين وكانت تلك العلاقة النابعة عن قناعاتنا المبدئية ونهجنا الثابت مكلفة بالنسبة لنا من جانبين : الأول كانت بمثابة تحد للنظام البعثي السوري وتهمة أمنية وقانونية كبرى خاصة وأن السلطة كانت تقف الى جانب خصومنا من اليمين خلال الصراع والثاني وكما ذكرت فان دعمنا للأشقاء ولقيادة البارزاني لم يكن لقاء ثمن مادي كما هوحاصل الآن تجاه بعض الأحزاب .
لقد تكررت في ساحتنا تجربة ( الجبهة الوطنية التقدمية ) التي أعلنها حزب البعث الحاكم وسهر عليها من أجل اسكات أي صوت معارض بالمستقبل واستيعاب الأحزاب والمنظمات خارج الحكم لاطالة عمر النظام قدر الامكان فقد جمع بالبداية نحو عدة أحزاب تحت لواء ( الجبهة ) مالبثت أن انشقت على نفسها ليجد الوليد الجديد كرسيه وحصته من الامتيازات ومكارم حافظ الأسد بسهولة وبنفس الاسم فقد تحول الحزب الشيوعي الى أربعة والقومييون العرب الى ثلاثة والناصرييون الى خمسة والاتحاد الاشتراكي الى اثنين أما حزب البعث والعائلة الحاكمة فبقي الواحد الأحد الأوحد لم يهزه ريح وبقي عقيما من دون توالد لأنه محروس من مجاميع الأمن والعسكر وكل موارد الدولة .
بعد سيطرة – ب ي د – الفرع السوري ل – ب ك ك – على مقاليد سلطة الأمر الواقع في المناطق الكردية منذ بدايات الثورة السورية وبعقليته الشمولية وتحزبه الآيديولوجي الأعمى باشر باعادة تطبيق تجربة ( الجبهة الوطنية ) واحدة في الجزيرة تحت مسميات أخرى حيث أعاد معظم الأحزاب الكردية الى حظيرته ومن رفض منها أوقع فيها الشقاق والانقسام فالبارتي صار أربعة واليسار ثلاثة والوحدة ثلاثة واليكيتي اثنان ثم توالدت نحو دزينتين أخريتين وبأسماء مختلفة وأخرى في منطقة عفرين اقتصرت تقريبا على حزب ( الوحدة ) الاشكالي والذي يدور حول قيادته هناك الكثير من علامات الاستفهام لتشكل في المنطقتين ( جبهة ) – ب ي د – الوطنية الواسعة !!! .
مانشاهده الآن من تكاثر ( أرانبي ) في الأسماء والمسميات الحزبية واقتصار الاهتمام العام بأخبار انشقاق الحزب الفلاني وولادة الحزب العلاني الى درجة انتقال الصراع الطبقي والاجتماعي الى صراع الأحزاب ومشتقاتها وتوقف الحياة السياسية على متابعة طرد السكرتير وأتباعه من هذا الحزب وذاك ليحل محلهم من هو أكثر حظوظا لدى ادارات سلطة الأمر الواقع وهو أمر مخطط له لالهاء الناس في أتفه الأمور ومن أجل نسيان المهام القومية والوطنية وفي المقدمة تأمين السبل من أجل اعادة بناء الحركة الوطنية الكردية السورية عبر المؤتمر القومي المنشود .
لاشك أن مايجري يضاعف التعقيدات والحواجز أمام حل القضية الكردية في سوريا ويقود الى تفتيت وحدة الصف القومي وينعكس سلبا على التلاحم الوطني بتبديل النقاش والاختلاف في الرؤا وهما أمران طبيعيان الى صراع عنصري تناحري باستحضار الخارج بدلا من تعزيز التفاهم الداخلي مع شركاء الوطن ويهدم كل ماقامت به الحركة الوطنية الكردية منذ عقود في مجال التفاهم الكردي العربي والحوار من أجل الاعتراف المتبادل بالوجود والحقوق والعيش المشترك بوئام وشراكة عادلة بضمانات دستورية في سوريا الجديدة المنشودة .
الواقع – الحزبوي - المؤسف الراهن الذي لابد من تغييره يقود الى الدفاع عن الحزب والقائد الملهم بدلاعن شرح مشروعية القضية الكردية ومطامح الشعب وتخوين الآخر المختلف حزبيا بدلا من مواجهة الاستبداد وتشخيصه كعدو رئيسي وعقد الصفقات الحزبية السرية ذات الطابع الأمني واخفائها عن الشعب بدلا من المكاشفة ومشاركة الجماهير في القرار سلما أو حربا لذلك نحن أمام مخاطر منهجية ومنظومة فكرية وثقافية لابد من التصدي لها كأولوية في مهامنا الراهنة.[1]