المصير الكردي بين الرؤيتين الرومانسية والواقعية
#صلاح بدرالدين#
الحوار المتمدن-العدد: 5532 - #26-05-2017# - 20:40
المحور: القضية الكردية
الخطاب الرومانسي المنطلق من طموحات انسانية لاحدود لها وبكل مشروعيته الحقوقية وأحاسيسه الوجدانية النبيلة موغل أغلب الأحيان في الخيال العفوي يتخطى الواقع ويتجاهل العوائق والمعادلات السياسية القائمة التي تحميها وترسخها جيوش وأجهزة الأنظمة والحكومات والمجتمع الدولي وهيئات منظمة الأمم المتحدة وقد أنتج هذا الخطاب بالساحة الكردية عامة والكردية السورية على وجه الخصوص جملة من الطروحات والشعارات قد تنفس عن كرب مهموم وتفرح المغموم في لحظتها من دون أي أثر يذكرعلى الواقع المعاش والمعادلات السائدة ومن المؤكد ستكون لها أثارا عكسية في معظم الأحيان .
ومن تجليات ذلك الخطاب الرومانسي ما نقرأه ونسمعه في الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي يوميا من جانب أناس من الكرد السوريين تحديدا الذين لايقررون مصير كرد سوريا فحسب بل مستقبل كردستان العراق أيضا بالنيابة عن شعبه : ( الدولة الكردية المستقلة على الأبواب – كردستان المستقلة من جزئي العراق وسوريا الموصلة الى البحر الأبيض المتوسط ثم كونفدرالية مع اسرائيل - الحاق منطقة الجزيرة السورية باقليم كردستان العراق واعلان الدولة – دولة كردستان المستقلة ستحظى باعتراف دولي واسع وحماية عسكرية من اسرائيل والسعودية – ووووو) .
أما الخطاب الكردي الواقعي فيستند الى مبدأ حق تقرير المصير الكردي مثل أي شعب بالعالم صغيرا أم كبيرا كمسلمة ثابتة ويتعامل مع الوقائع المحلية والحدود الدولية وحقائق القانون الدولي ودوروتأثير مصالح القوى والدول بصورة موضوعية ويرى أن للكرد كشعب في أي جزء ومكان الحق في اقرار مصيره حسب ارادته الحرة آخذا بعين الاعتبار ضرورات توفر الشروط الذاتية والموضوعية الداخلية والخارجية لأية خطوة باتجاه تقرير المصير ويعتقد أن أي حل للقضية الكردية في أي جزء وبلد لايمكن أن يكون ناجزا وعادلا ودائما الا بتوفر شروط ثلاث : الأول نوع من الاتفاق الطوعي والاجماع القومي بين غالبية القوى والفعاليات في الحركة الوطنية الكردية والثاني التوافق مع الشريك العربي السوري من القوى الديموقراطية والثالث وجود نظام وطني ديموقراطي ضامن دستوريا للحل المنشود .
عودة الى الشروط الآنفة الذكر لتوضيح أن المناطق الكردية السورية الأساسية أصبحت شبه فارغة خاصة من العنصر الشبابي في حين كانت نسبة الشباب قبل خمسة أعوام أكثر من ستين بالمائة وتكرس الانقسام السياسي وانتقل الى العداء بين الفئات الاجتماعية وقيادات الأحزاب ذات المصلحة في تسعير الصراع التناحري ولم تعد قضايا الكرد السوريين مجال بحث بل أن الطاغي هو التعبير بالوكالة عن مصالح ورؤا وأجندات الآخرين من أنظمة اقليمية حاكمة أو مراكز قومية لذلك لانجد بين الأطراف الحزبوية المتصارعة من يحمل المشروع الوطني الكردي السوري أو أي برنامج واضح لحل القضية أو يجسد الشخصية الكردية السورية المستقلة هناك فقط مزايدات ومناقصات كلامية فارغة من أي محتوى فكري – ثقافي – سياسي .
على الصعيد الوطني السوري وبالرغم من الانفتاح الواضح على الحقوق والمطالب القومية الكردية من جانب الثوار وتنسيقيات الشباب وقطاع واسع من منتسبي الجيش الحر في بدايات الانتفاضة الوطنية السورية الا أن سيطرة القوى والأحزاب والتيارات التقليدية الاسلامية والقومية والشيوعية والبعثية على مقاليد الثورة وضعت نهاية لذلك الانفتاح حيث بدأنا نسمع من يريد نفي الوجود الكردي التاريخي ناهيك عن الحقوق وكأن هؤلاء يزكون ماقام به نظام الاستبداد من تنفيذ مخططات عنصرية سابقة مثل حرمان الكرد من حق المواطنة وتعريب المناطق وتغيير التركيب الديموغرافي لذلك من الصعب أن نجد قواسم وتوافقات حول الحل العادل للقضية الكردية .
أمام هول وزخم الأحداث الكبرى في الاقليم والعالم وحدوث الكوارث جراء عمليات الارهاب وازاء تحديات خلط الأوراق وتخطي القيم الأخلاقية وتشويه الوجه المضيء للمبادىء والقيم الانسانية والحقوقية تبقى الحفاظ على واحياء المشتركات السامية بين بني البشر كمسلمات تنير دروب الحرية والسلام والعيش المشترك مثل مبدأ حق تقرير مصير الشعوب والأقوام والنظام الديموقراطي والتوافقات الوطنية والحوار السلمي ونبذ العنف والنزعات العنصرية والطائفية وشوفينية القومية الأكبر وفي هذا السياق يجب وبالضرورة اتخاذ الحيطة والحذر من مغامرات تيارات معينة بالحركة الكردية وبسبب قراءات خاطئة للخارطة السياسية المحلية والاقليمية والدولية التورط الانتهازي في استغلال الفرص حتى لو كان الثمن ارتزاقا وتحويل الشباب الكردي وقودا لأجندة الآخرين والقفز فوق المراحل التاريخية وتعظيم شأن مظاهر الأمر الواقع المؤقت وكأنه أزلي لمصالح حزبوية ضيقة ماتلبث أن تتحول وبالا على المجموع .
بخلاف الذين يريدون ارباك الساحة الكردية عن سابق اصرار وينفذون مخططات الأعداء في تكريد الصراع وتسعير الفتن القومية مع الشعوب التي يتعايش معها الكرد ويزعمون أن كردستان تمر من – الرقة - وهم منضوون في التيارات المغامرة هناك فقر وضحل فكري وثقافي يدفع البعض من السذج الى الرومانسية المغالية بحيث يتعاملون مع المسألة القومية الكردية بمنظار نهايات القرن التاسع عشر وغاب عن هؤلاء أن مرحلة ( الحركة القومية الكردية الموحدة ) خلال الامبراطورية العثمانية قد انتهت منذ زمن بعيد بعد تقسيم شعوبها من دون انقطاع صلات النسب والانتماء الى القوم الواحد طبعا وأن هناك حركات كردية في كل جزء من الأجزاء الأربعة لها تاريخها وظروفها ومنشؤها وخطابها السياسي وبرامجها وقادتها ووضعها الاجتماعي الخاص بها كما هو الحال مع العرب الموزعون في 22 دولة كمثال .
حتى الرومانسييون الكرد المتشددون تجاه – سايكس – بيكو – والمتحمسون في الوقت ذاته لتفكيكها يغيب عن أذهانهم أن تلك الاتفاقية الدولية بين فرنسا وانكلترا وروسيا القيصرية وفي ما يتعلق بالكرد لم تلغي دولة كردية قائمة بل كانت نتيجتها توزيع الكرد بين أربع دول بدلا من امبراطوريتين ( العثمانية والصفوية ) ومطالبتهم باعادة النظر فيها ( من دون مطالبات جديدة اضافية ) تعني اعادة كرد سوريا والعراق مجددا الى تركيا كامتداد لامبراطورية بني عثمان .
أما في مسألة المراهنة المفرطة على الخارج ( أمريكا والغرب واسرائيل ) لانجاز حق تقري المصير الكردي فلاأرى جدوى من ذلك ليس لأن الشعب الكردي لايستحق المساعدة في تحقيق الطموحات المشروعة مثل أي شعب مضطهد آخر وليس من باب الاستهانة بالعامل الخارجي ولكن لسبب جوهري آخر وهو أن مصالح تلك الجهات الخارجية لاتتطابق آنيا مع مصالح الكرد بل تميل باتجاه التصالح والتفاعل مع دول قائمة غنية قوية ذات نفوذ بالشرق الأوسط عداد سكانها أكثر من 500 مليون ومنها من تقتسم الكرد وتضطهدهم فهل هناك حافز – كردي – وجيه راهنا لاستمالتها ؟ لاأظن ذلك والمثال الأقرب أن رئيس الولايات المتحدة وفي كل خطاباته في ( قمم الرياض ) ولقائه مع ممثلي أكثر من 55 دولة وشعب بالشرق الأوسط ماعدا الكرد لم يشر الى الحقوق الكردية لامن قريب أو بعيد .
البيت الكردي في كل جزء مفكك الى درجة الانهيار والاحتراب الحزبي والصراع التناحري وعلى الصعيد القومي ليس هناك من رابط سياسي منظم أو مؤسساتي جماعي بين كرد الأجزاء الأربعة سوى المشاعر والمجاملات التي - لاتغني ولاتسمن من جوع – في بعض الأحيان والعداء وتخوين البعض في أكثرها وبطبيعة الحال فان مسؤولية ذلك تقع على عاتق الأحزاب الكبيرة وأمام صلف التيار المغامر بالحركة الكردية ومضيه في التدمير فان التيارات الديموقراطية والمعتدلة لم تتخذ أية خطوة لرص الصفوف ولادارة الصراع الفكري والثقافي والسياسي للحد من مخاطره .
وهكذا في الوقت الذي لايجوز الاستسلام للواقع المؤلم هذا وأمام وهن حبال العامل الخارجي فان العامل الذاتي الكردي في أضعف حالاته ولم تكتمل شروط قوته بل يعاني الأزمات والأمراض والتحديات والأولوية كما أرى لمعالجة الذاتي بالعمق ومن ثم الانتقال الى الموضوعي الخارجي وهنا فان الاجراء المفتاحي هو العمل الجاد المتفاني من أجل اعادة بناء الحركة الوطنية الكردية وأخص هنا السورية والبحث لاستكمال مهام اعادة تنظيم الكتلة التاريخية من الوطنيين والحراك الشبابي الثوري والمستقلين وتتويج تلك المهام بمؤتمر وطني لصياغة البرنامج السياسي وانتخاب القيادة الكفوءة النزيهة لمواجهات التحديات وتحقيق الأهداف .[1]