الثورة السورية واشكالية التمثيل والقيادة
#صلاح بدرالدين#
الحوار المتمدن-العدد: 3920 - #23-11-2012# - 18:34
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
فتحت اجتماعات دوحة قطر التي تمخض عنها الوليد الجديد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية الباب على مصراعيه مجددا أمام قضيتي تمثيل وقيادة الثورة اللتان تتصدران موضوعات أطراف المعارضة السياسية داخل البلاد وخارجها في اطارصراعها المبكر جداعلى السلطة خاصة بعد تلقي النظام خلال عشرين شهرا ضربات موجعة وأستطاعت قوى الداخل الثوري الحاق الهزيمة بمعظم مخططات النظام العسكرية – الأمنية وتحرير أجزاء واسعة من سيطرة السلطة الحاكمة وبعد الحكم القاطع الغالب من جانب المجتمع الدولي على وجوب رحيل هذا النظام الاستبدادي الجائر الذي بات توقيت زواله في متناول اليد عاجلا قبل أن يكون آجلا مما وجه الأنظارنحو تلمس آفاق بداية مرحلة جديدة في الأزمة السورية عنوانها الأبرز آلية ووسائل الخطوة الأخيرة وطريقة التعامل مع مكونات النظام المعقدة وسبل البحث عن بديل له الذي بني وتعزز وتسلط عبر مؤسسات وقواعد اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافة وخطاب خلال مايقارب نصف قرن بتفكيكه جذورا وبنى فوقية وتصفية آثاره ومن ثم اعادة بناء الدولة التعددية التشاركية الجديدة أم بالتسليم به والتصالح معه بعد تعديلات شكلية .
الانتفاضة الثورية الربيعية التي فجرها الشباب أساسا طلبا للحرية والكرامة من دون تخطيط يذكر ضمن موجة ربيع الثورات وبخصوصياتها السورية المحلية جاءت مفاجئة في زخمها المتصاعد لأوساط النظام كما لم تكن في حسابات الحركة السياسية الحزبوية التقليدية معارضة وموالاة في الداخل السوري وخارجه التي لم تكتفي باتخاذ موقف النأي بالنفس في أشهرها الأولى بل التشكيك السياسي وتوزيع الاتهامات وزرع العراقيل ولم يعد البعض منها الى رشده الا بتتالي المؤتمرات والاجتماعات وأهمها مؤتمر أنتاليا – تركيا وبعد مضي أربعة أشهر ( هيئة التنسيق ) أو ستة ( المجلس الوطني السوري ) أو ثمانية ( المجلس الكردي ) الى غيرها من المجموعات والتيارات والكتل والشخصيات وفي مسافات محدودة وذلك عبر الافصاح عن سياسات مختلفة غير متطابقة بالضرورة مع أهداف الثورة ومسارها بين تأييد مشروط وركوب الموجة ومحايد ولاحاجة هنا وانصافا للحقيقة القول بوجود جماعات وفئات وأفراد من الطيف المعارض وقفت مع الثورة منذ نشوئها ومازالت تناضل من أجل انتصارها .
هذه المعارضات ومن دون استثناء لم تحظ بشرف اشعال الانتفاضة الثورية بل أن البعض من مكوناتها كان يحاور النظام حتى عشية الانتفاضة وجمد – معارضته – لأسباب واهية وأن الكثيرين من رموزها كانوا جزءا من نظام الاستبداد واذا كان هؤلاء مرحب بهم بعد العودة الى صفوف الشعب فانهم لايمتلكون الحق لااليوم ولاغدا في استحواز شرعية تمثيل وقيادة الثورة مهما حاولوا في كسب أصوات – مزكية – من هذه التنسيقية أو تلك الهيئة أو تينك الكتيبة من الجيش الحر بل الأمر يحتاج الى أكثر من ذلك وفي وقته المناسب.
معارضات – الشتات - هذه التي يتوزع أفرادها بين مجتمعات وشعوب شرق أوسطية وأوروبية وأمريكية على وجه الخصوص ويخضعون لقوانين وتقاليد وثقافات لاتمت بصلة عميقة الى الحالة الوطنية السائدة من الصعب أن تتخذ مواقف معبرة تماما عن معاناة وطموحات وارادة الطبقات والفئات والأطياف الوطنية وبعكس الداخل الثوري الذي شهد تطورات هائلة كما ونوعا ( مجاميع الجيش الحر والحراك الثوري الجماهيري والتنسيقيات الشبابية والحاضنة الشعبية ) لم تحسم بعد مسألة فهم طبيعة الثورة وأهدافها وتطلعاتها خاصة بشأن مسألتين في غاية الأهمية الاستراتيجية وهما مهمة تفكيك سلطة الاستبداد جملة وتفصيلا كمرحلة أولى ومضمون وجوهر مهمة اعادة البناء نظاما سياسيا ودستورا في المرحلة الثانية فخصوم عملية التفكيك - التي تحظى بالأولوية الآن - داخل المعارضة وهم معروفون وتصريحاتهم وكتاباتهم وبياناتهم لم تجف حبرها بعد وبذريعة ( الحفاظ على وحدة الدولة والمجتمع ورفض العسكرة ) لم يكتفوا باعلان تحفظاتهم على استراتيجية الثورة في المقاومة والدفاع عن النفس وتخطئتها وأحيانا اتهامها بالخضوع للأجندات الخارجية والارهاب عبر وسائل الاعلام بل نادوا بالحوار ومارسوا التواصل السري مع أقطاب النظام الحاكم أمثال : نائب الرئس فاروق الشرع ومستشارة الرئيس بثينة شعبان ورئيس الأمن القومي علي المملوك والهدف الأساسي من كل ذلك هو الحفاظ على أسس وهيكلية ومؤسسات النظام من دون تغيير عبر ابرام صفقة في اطار اشتراك بعض المعارضة في حكومة ائتلافية واجراء انتخابات معلومة النتائج سلفا ومامن شك أن أصحاب هذا التوجه هم أنفسهم لن يكونوا عونا لنهج اعادة بناء الدولة الديموقراطية التعددية ودستورها الجديد الذي يكفل الشراكة والمساواة بين المكونات الوطنية القومية والدينية والمذهبية ويضمن حقوق الكرد المشروعة وشراكتهم في تقرير مصير البلاد .
من المفارقة والغرابة في آن واحد أن يختار الائتلاف الوطني الذي أعتبره أفضل المعارضات الطريق الخطأ في بحثه عن الشرعية عندما يمنح الأولوية للعامل الخارجي ظنا منه أن اكتساب شرعية الداخل بجانبيها الثوري والوطني يمر عبر عواصم الخليج والجوار السوري والغرب الأوروبي وأمريكا وليس العكس فأية شرعية هذه عندما تعلن دولة ما عن اعترافها اللفظي بالائتلاف ممثلا شرعيا وحيدا وتستمر في تعاملاتها السابقة مع النظام الحاكم بدمشق ألم يعلن اصدقاء الشعب السوري في مؤتمرات ثلاث ( استانبول وتونس وباريس ) وبالعشرات الاعتراف با المجلس الوطني السوري واعتباره ممثلا شرعيا ؟ وهل اكتسب المجلس بعد ذلك شرعية الداخل الثوري ؟ أم أنه أخفق وأصيب بالخيبة والخسران وانكشف أمره للقاصي والداني على أنه مجرد وسيلة يستثمرها الاسلام السياسي للتسلق على جدران الثورة ومطية للاخوان المسلمين للاطباق على مصير شعبنا والتحكم بارادته حسب أجندتهم المعروفة ان مايخشى منه هو أن تلي هذه الاعترافات مطالبة بتشكيل حكومة – بالسلق السريع - بالمنفى تتبعها عملية حوار بين حكومتين غير متكافئتين باشراف وتوافق دوليين والتوصل الى أنصاف حلول لن يكون بقاء النظام الحالي بكل مؤسساته وبناه موضع خلاف .
بات واضحا أن لاحل للقضية السورية واستتباعا لأزمة المعارضات واشكالية تمثيل الثورة وقيادتها الا من الداخل ومن خلاله الذي يعجز حتى الآن وبكل أسف من انجاز مهمته التاريخية في توحيد أدوات الثورة وقواها الحية لتتحول الى مؤسسات قيادية شرعية مقررة ومن احد الأسباب الرئيسية في هذا التقصير كما أرى هو استحالة التواصل والتناقش والاجتماع على أرض محررة آمنة وبصورة حرة ومستقلة بعيدا عن تدخلات الآخرين الا بتوفير منطقة الحظر الجوي التي يتملص أصدقاؤنا من ذلك حتى الآن لسبب بسيط وهو رغم اعترافاتهم السخية بالائتلاف وقبله المجلس الا أنهم وهذا بيت القصيد : لم يعترفوا بالثورة بعد كممثل شرعي وحيد لكل السوريين ولنعمل اذا يامعشر السوريين الوطنيين الثائرين من أجل نيل الاعتراف الاقليمي والدولي بثورتنا الوطنية أولا وليس بمعارضاتنا التي لم تتهيأ بعد لقيادة المرحلة الراهنة في كفاحنا الوطني.[1]