نتائج انتخابات البلديات في تركيا تهز أركان أردوغان ونظامه الفاشي
هيفيدار خالد
شكّلت نتائج انتخابات البلديات التي أجريت بتاريخ 31 آذار المنصرم في شمال كردستان وتركيا، صفعة قوية لأردوغان وحزبه، حزب العدالة والتنمية، وتلقّى ضربة موجعة بخسارته في العديد من بلديات المدن أمام المعارضة لترسم لنا مجريات الأحداث هذه بداية مرحلة جدية ليس في تركيا فحسب بل في المنطقة برمتها.
اعتاد رئيس النظام التركي رجب أردوغان منذ أن تقلّد السلطة في تركيا عام 2003 استغلال منصبه خدمة لأجنداته، ونجح في تغيير نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي، مما منحه صلاحيات كبيرة في التحكم بكافة القطعات والأفرع الموجودة في البلاد، ولا سيما على مستوى السياسة الخارجية؛ إذ انخرطت تركيا خلال عهده في عدد من الصراعات الإقليمية، وعمل جاهداً من أجل استعادة الدولة العثمانية بثوبها الجديد، وذلك من خلال التدخل في الشؤون السياسية للدول المجاورة، سعياً منه لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وبدأ بالفعل بمعاداة الدول المجاورة، وخاصة فيما يتعلّق بالعلاقات مع سوريا والعراق ومصر إبان حكم الإخوان لمصر، وليبيا أيضاً، وصعّد من تدخلاته لتصل إلى المستوى الدولي فقد تدخل في شؤون دول مثل اليونان وقبرص وشرق المتوسط.
يسعى أردوغان منذ وصوله إلى السلطة، قبل أكثر من عشرين عاماً، إلى تحقيق مصالحه بالقوة عبر سياسة التهرب من الالتزامات والمراوغة، والكذب، والخداع، واستطاع من خلال تدخله في سوريا، احتلال المزيد من أراضيها وتدمير البنى التحية في عشرات القرى والمدن التي سيطر عليها، إلى جانب كل ذلك ابتز الغرب والاتحاد الأوروبي بورقة اللاجئين السوريين الذين فتح لهم الأبواب على مصراعيها إبان بدء الأزمة في البلاد عام 2011، وهدد أوروبا مراراً وتكراراً بفتح حدود بلاده، أمام اللاجئين السوريين للدخول إلى أوروبا وبالفعل استطاع الحصول على مبالغ مالية كبيرة تقدر ب ثلاثة مليارات يورو من أوروبا بحجة تقديمها للاجئين السوريين.
السياسات التي قادها أردوغان والتي وصفها الكثير بالخطيرة جداً، أثرت على المنطقة والداخل التركي على وجه الخصوص، ولا سيما على وعي الناخب التركي الذي لم يعد يثق بوعود أردوغان ومشاريعه الوهمية، بالإضافة إلى دعم أردوغان المباشر للتنظيمات والجماعات الإرهابية، وتحويل تركيا إلى مرتع لها منذ أكثر من عشر سنوات، بالإضافة إلى أن الفئة الشابة الناشئة بدأت تغيّر توجهاتها بعد أن أدركت أن أردوغان يسلك التيار الإسلامي لتحقيق أهدافه ومصالحه، بما يتعلق باستعادة أحلام الدولة العثمانية؛ لذا عبر الناخب التركي في هذه الانتخابات عن رأيه، وعن سخطه وغضبه من سياسته الخاطئة بحق الشعب في تركيا وعلى وجه الخصوص الشعب الكردي؛ فلم يصوّتوا له.
شكلت انتخابات البلديات في تركيا بالنسبة لأردوغان صدمة قوية وزلزالاً مرعباً في الوقت نفسه، وهذا ما اعترف به أردوغان على الهواء مباشرة، وأقر بخسارته وخسارة حزبه، بشكل كاسح، بعد أن فازت المعارضة التركية بمعظم بلديات المدن الكبرى، والتي تضم أنقرة وإسطنبول وإزمير ومرسين وأضنة وأنطاليا، بالطبع هناك مجموعة من الأسباب التي تقف وراء خسارة أردوغان منها، ما يتعلّق بالأزمة الاقتصادية والوضع الاقتصادي السيّئ، وارتفاع معدلات التضخم، فنسبة التضخم تجاوزت ثمانية وستين في المئة وتفاقمت ظاهرة البطالة، بالإضافة إلى انهيار الليرة التركية بشكل غير مسبوق، فضلاً عن ارتفاع القوة الشرائية في السوق التركية، كل هذه المعطيات دفعت الناخب التركي لتوجيه ضربة لأردوغان وحزبه في هذه الانتخابات، إضافة إلى عوامل أخرى، ساهمت في تقزيم أردوغان وحزبه العدالة والتنمية أمام الرأي العام التركي.
نعم النظام التركي الذي يقوده أردوغان في تركيا دخل مرحلة الشيخوخة السياسية، وأصبحت قبضة أردوغان على نظام الحكم ضعيفة، الأمر الذي صعّد من حدوث هشاشة في نظامه وخاصة بعد أن حصلت انشقاقات في صفوفه، وانشق بعض السياسيين المقربين منه وشكلوا أحزباً سياسية، كحزب الرفاه الجديد الذي يتزعمه فاتح أربكان، الذي كان أحد الحلفاء الرئيسيين لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية والرئاسية الماضية، وحزب المستقبل الذي أسسه رئيس وزراء تركيا السابق أحمد داود أوغلو، وحزب الديمقراطية والتقدم الذي أسسه علي باباجان، وكل هذه الأحزاب التي ترتدي عباءة التيار الإسلامي، كان لها أثر كبير جداً مما حدث في الانتخابات المحلية، رغم الفترة الطويلة التي قضاها في السلطة؟
استغل رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان سلطاته في تعيين أفراد من عائلته وأقاربه في مناصب ومواقع مهمة وحساسة في الحكومة، وعين أصهاره في مناصب سياسية كبيرة، سواء في أجهزة الأمن أم في المناصب الاقتصادية الرسمية، ونجل أردوغان بنفسه شغل دوراً كبيراً فيما يخص عقد صفقات سياسية مع الدول الأخرى مغلفة بصفقات اقتصادية.
نعم بفقدانه أكبر خمس مدن رئيسة في تركيا، خسر أردوغان جزءاً كبيراً من اقتصاد البلاد، التي تعاني أساساً من أزمة اقتصادية كبيرة، كانت سبباً رئيساً لتعرض حزب العدلة والتنمية لهذا الزلزال الانتخابي وبالتالي خسارة ما يقارب نصف تركيا.
تذهب آراء جميع المحللين والمختصين في الشؤون الإقليمية، إلى أن النظام التركي بات في وضع صعب، ويعيش مراحله الأخيرة، وهذا ما أظهرته نتائج الانتخابات الأخيرة في تركيا وشمال كردستان بشكل واضح وصريح، وتراجع شعبية أردوغان بشكل كبير، وبالتالي فشل مشروعه الذي يقوده في المنطقة لتنتهي صلاحيته، بعد أن ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية تحت عباءة الدين ومارس أعمال عصابات ضد الشعب، هذا النظام الديكتاتوري الشمولي المبني على الشخص الواحد وفصّله أردوغان على مقاسه، واستخدم كافة الألاعيب والأوراق السياسية لإطالة عمر نظامه، بات كل شيء فيه مكشوفاً للجميع؛ فلم يعد بإمكانه إطالة عمره أكثر؛ لأنه خسر كافة الأوراق التي كان يستخدمها، إلا إذا حاول التلاعب بالدستور من أجل منح نفسه صلاحيات وسلطات جديدة في الفترة القادمة.
تعامل أردوغان منذ استلامه السلطة مع الشعب الكردي بالكثير من العنف السياسي، وبقبضة أمنية كبيرة، وهذا ما ظهر جلياً في الأحداث التي شهدتها مدينة وان الكردية بعد يوم واحد فقط من الانتخابات، وحاول إقصاء الرئيس المشترك لبلدية وان عبد الله زيدان الذي فاز بإرادة شعبه وأصواتهم التي حققت النصر على فاشية أردوغان، إلا أن الشعب الكردي انتفض ضد سياسات أردوغان هذه حتى استعادوا حقهم مرة أخرى. لم يرق لأردوغان الفوز الساحق الذي حققه الشعب الكردي بحصولهم على 75 بلدية في شمال كردستان، لذا حاول النيل منهم إلا أنه تلقى صفعة أخرى ولم يستطع تحقيق سياسته العنصرية الفاشية.
أثبت الشعب الكردي في شمال كردستان بالإرادة التي أبدها في العملية الانتخابية، أن الشعب المنظّم يستطيع كسر جميع حواجز الخوف والرعب والترهيب التي يصنعها عدوه، وعبّر مرة أخرى بعزيمةٍ لا تلين عن سخطه من السياسات والمؤامرات والألاعيب التي حاول أردوغان من خلالها استعادة سيطرته وهيبته التي فقدها دون رجعة، نعم ثبت للجميع أن أردوغان بانتهاكاته غير القانونية وممارساته المنافية للأخلاق الإنسانية، لا يستطيع القضاء على شعبٍ له تاريخ طويل من النضال والمقاومة، بسهولة كما يزعم في جميع المناسبات.[1]