لماذا هاجم داعش مراسم استذكار سليماني؟
صلاح الدين أردم
إنّنا ندخل ال 12 لمجزرة باريس التي وقعت في ال #09-01-2013# والتي دبّرها ونفّذها هاكان فيدان بإشراف وإدارة رجب طيب أردوغان، ولا تزال المجازر والاستفزازات مستمرّة بسبب نفس الأشخاص، وآخر مثال على هذا، وقع في مدينة كرمان الإيرانية في ال 3 من كانون الثاني الجاري؛ عندما ارتكب مجزرة بحق حشود الأهالي القاصدين زيارة قبر الجنرال قاسم سليماني، باسم داعش، إذ تقوم بعض الأجهزة الاستخباراتيّة بأعمالها القذرة والسريّة تحت اسم داعش.
يمكن أن يكون شعوراً لافتاً، فعندما وقعت المجزرتان بحق الناس الذين كانوا يزورون قبر قاسم سليماني حوالي الساعة الخامسة من يوم ال 3 من كانون الثاني الجاري، خطرت على بالي على الفور مجزرة غار التي وقعت في أنقرة في ال #10-10-2015#، وقلت لمن كانوا برفقتي فعلتها داعش ولم يكن قد صدر أي بيان أو تصريح بهذا الشأن عندما قلت ذلك، ولم يكن هناك أي بيان صادر عن الدولة الإيرانيّة أيضاً، وكان الإعلام التركي الرسمي والذي يبثّ بلغة واحدة وحده من يحاول بكلّ وسعه أن يشير إلى أنّ إسرائيل هي التي تقف وراء المجزرة.
لا شكّ أنّ العملية السياسية في الشرق الأوسط معقّدة جدّاً، فكان من المقرّر أن يتوجّه الرئيس الإيراني رئيسي إلى تركيا في زيارة رسميّة بعد يومين من يوم وقوع المجزرة، ولم يتمكّن من القيام بهذه الزيارة قبل لأسباب معينة، فتأجلت، وكانت وسائل الإعلام الموالية لحزب العدالة والتنمية تركّز على الحديث عن محاولات عرقلة العلاقات بين إيران وتركيا، لكنّ الهدف الرئيس كان إشعال الحرب بين إيران وإسرائيل، وإشراك إيران في الحرب في غزة، فقد أرادوا بهذه الطريقة، إيصال الحرب إلى كامل الشرق الأوسط وبالتالي إنقاذ حماس بناءً على ذلك، لذا كانوا يحرّضون على الحرب ويشجّعونه بكلّ قوتهم.
وحتّى لو كنت متأثّراً بهذا الأمر، لكنّ تركيزي كان منصبّاً في المقام الأوّل على طريقة تنفيذ المجزرة، ولأنّ الهجوم استهدف المدنيين، وقع الانفجاران واحداً تلو الآخر، فتذكّرت مباشرة مجزرة غار في أنقرة، ومن تابع الصحافة فقد قالوا: حقيبتين مفخختين، وليس تفجيراً انتحاريّاً ومع ذلك لم تتغيّر مشاعري. ولأنّ عدد القتلى والجرحى كان قريباً من مجزرة غار في أنقرة. فقلت بإصرار مجدّداً: في النهاية داعش هو من سيتبنى هذا الهجوم. لأنّه لم يكن يتماشى مع مزاعم إعلام حزب العدالة والتنمية لأسباب عديدة مختلفة. وبموافقة بعض المصالح، جعلوا داعش يتصرّف. وفي الوضع الراهن، ربّما تكون المصالح قد تقاربت على هذا النحو، وفي نهاية المطاف، تبنّى داعش هذا الهجوم بالفعل. ومع ذلك، حاولت بعض الجهات تضليل الحدث، ولا تزال تفعل ذلك.
وبطبيعة الحال، أُعلن أنّ داعش هي من تقف وراء مجازر؛ برسوس، آمد وغار التي وقعت في عام 2015، لكنّنا نعلم جيّداً أنّ أجهزة الاستخبارات التركية التي كان يرأسها هاكان فيدان هي التي كانت تقف وراء هذه المجازر، فقد نظّم هاكان فيدان أذرع جهازه الاستخباراتي داخل داعش لارتكاب مثل هذه المجازر، وكان يستخدم أذرعه هذه أكثر في حربه في إبادة الكرد، فمجزرة باريس التي وقعت في ال 9 من كانون الثاني عام 2013 تُعدّ حادثة مشابهة، ثمّ دبّر مجزرة مماثلة في باريس في ال #23-01-2013#، ففي المجزرة الأولى (#09-01-2013#) اغتيلت المناضلات الكرديات الثلاث؛ سارا، روجبين وروناهي، أمّا في المجزرة الثانية (#09-01-2013#) اغتيلت أفين كوي، مير برور وعبد الرحمن كزل.
هذه الحوادث، تمثّل المجازر التي ارتكبها حزب العدالة والتنمية في الخارج، ولا شكّ أنّ مجازر حزب العدالة والتنمية داخل البلاد هي أكثر من ذلك؛ ففي ال #28-01-2011# وقعت مجزرة روبوسكي، وفي كانون الثاني عام 2016 ارتُكبت عشرات المجازر في كلّ من سلوبي، جزير وسور، وأُحرق الناس في الأقبية، ففي سلوبي قتلت المناضلات الكرديات الثلاث؛ سيفه، فاطمة وباكيزة، ولو أُضيفت إليها المجازر التي ارتكبوها في مناطق الدفاع مديا، فإنّ كلّ شيء يبلغ ذروته، من الواضح، أنّ الدولة التركية قد وصلت في عهد حكومة حزب العدالة والتنمية إلى أعلى مستويات ارتكاب المجازر. لأنّ آليات الانقلاب هي التي أصبحت تحدّد السياسات التي يجب انتهاجها.
لكنّ حقيقة ارتكاب الدولة التركية للمجازر لا يقتصر على حزب العدالة والتنمية وحده بالطبع، فمنذ تأسيسها وحتّى الآن، وهي تنتهج سياسة قائمة على تدبير المؤامرات وارتكاب المجازر. إنّ تاريخ الجمهورية التركية حافل بالمجازر ومبنيّ عليها، فمن جركز إثيم إلى تصفية الباشوات الذين قادوا حرب التحرير، ومن آمد إلى ديرسم وزيلان، ولا شكّ أنّ السبب الأساسيّ لهذا الأمر هو سياسة الاستبداد وعقلية القمع، فهذه المرحلة التاريخية التي بدأت بإبادة الأرمن، السريان والروم، تستمرّ منذ أكثر من قرن بإبادة الكرد، ولن تنتهي المؤامرات والاستفزازات والمجازر التركية حتّى تتغيّر عقلية القمع والاستبداد وسياسة الإبادة هذه. لأنّ الديمقراطية لن تتحقّق في تركيا ما لم تتحرّر من عقلية الاستبداد وسياسة الإبادة هذه، فهذه السياسة وهذه العقلية لا تخلقان سوى المؤامرات والاستفزازات والمجازر. وبسبب هذه العقلية والسياسة المعادية للكرد، ربط إعلام حزب العدالة والتنمية هجوم داعش في كهرمان بإسرائيل، فقد سعى إلى جرّ إيران وإشراكها في الحرب مع إسرائيل والقوى المماثلة لها، وتشكيل تحالفات جديدة مع إيران ضدّ الكرد بقيادة حزب العمال الكردستاني.
السبب الآخر المتعلّق بهذا يكمن بأنّ حكومة طيّب أردوغان تحاول التخلص من حالة الجمود التي وصلت إليها في غزة، فقد كان طيب أردوغان يأمل في عرقلة مشروع طريق جديد للتجارة والطاقة من الهند إلى أوروبا من خلال هجوم حماس، لكنّ بعد مواجهته لتهديد فقدان حماس التي تتحكّم بها، أُصيب بالذعر ووصل إلى حالة من الجمود والانسداد، لذا فهو يستغلّ جميع إمكانياته ويفعل كل ما بوسعه لتغيير هذا الوضع، وبالطبع يلجأ في هذا السياق إلى كافة أشكال المؤامرات والاستفزازات والألاعيب.
إنّ أكبر مساعي حكومة طيّب أردوغان حاليّاً هو جرّ وإشراك إيران في الحرب الدائرة في غزّة، ويمكن القول إنّها لجأت إلى كلّ الطرق والأساليب لتحقيق هذا، إنّها تأخذ بالحسبان، أنّها إذا تمكّنت من فعل ذلك، فإنّ الجبهة ضدّ إسرائيل ستتوسّع وتتعزّز، وهذا ما سينقذ حماس ويمكّنها من تخريب طريق الطاقة، وفي الأساس ارتكزت محاولة إعلام العدالة والتنمية المتعلّقة بمجزرة ال 3 من كانون الثاني في كرمان على هذا الأساس، وهنا يمكن القول: إنّ استغلال حدث ما والاستفادة منه أمر طبيعي لكن إذا كان حدثاً كهذا، حادثةً فقد خلالها أكثر من مئة شخص حياتهم وأُصيب المئات، فإنّ هذا المعيار لا يظلّ سارياً ولا يمكن تطبيقه. علاوة على ذلك، يتساءل المرء عمّا إذا كنتم ارتكبتم هذه المجزرة للاستفادة منها.
من حقّنا أن نطرح مثل هذا السؤال على تركيا التي يقودها طيب أردوغان وهاكان فيدان، لا سيما عندما يكون المهاجِم داعش، حينها نملك الحقّ الكامل في طرح هذا السؤال، لأنّنا لدينا أمثلة مشابهة كمجزرتي غار وبرسوس، فأكبر دعم لداعش هو من حكومة حزب العدالة والتنمية، فأبو بكر البغدادي كان مختبئاً في منطقة على الحدود التركية وخاضعة لسيطرتها، لذا لربّما أرادت حكومة طيب أردوغان تخويف إيران بمثل هذا الهجوم، وإضعافها، وإشراكها في الحرب النشطة مع إسرائيل من جهة، وتعزيز التعاون مع إيران ضدّ حزب العمال الكردستاني من جهة أخرى، وتقييم زيارة الرئيس الإيراني رئيسي لتركيا على هذا الأساس. عدا عن ذلك، ربّما أرادت تلقين إيران التي تغلق ممر زانجيزور أمام تركيا، درساً بالاتفاق مع أرمينيا.
ومن التفاصيل الأخرى المثيرة للاهتمام، هي أنّ مثل هذه المجزرة قد وقعت قرب قبر قائد الحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، يمكن القول إنّ تجمّع الحشود هناك سهّل مثل هذا الهجوم، صحيح، ربّما يكون أحد جوانب الموضوع على هذا النحو، لكنّ الجميع يعلم دور ومكانة قاسم سليماني المهمة في سياسة إيران في الشرق الأوسط، لذا يمكن اعتبار الهجوم على الحشود التي تتوجّه لزيارة قبر سليماني بمثابة هجوم مباشر على قاسم سليماني شخصياً. وعلى أي حال هذا يعني: نشر الحرب في جميع أنحاء الشرق الأوسط، والقتال في الشرق الأوسط مثل قاسم سليماني لذا فإنّ سياسة حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية الساعية إلى نشر الحرب في جميع أنحاء الشرق الأوسط والهجوم المذكور متوافقان.
وكأنها تقول لإيران بمثل هذا الهجوم: تخلّي عن الاتفاقيات الحالية، وقاتلي في الشرق الأوسط بأكمله، لكنّنا لا نعلم ردّ الحكومة الإيرانية على هذه الرسائل، فهل ستوافق على محاولات حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية في الاتفاق ضدّ الكرد أم لا، هذا هو ما سنكتشفه في الفترة القادمة.
المصدر: Yenî Ozgur Polîtîka
[1]