في ذكراها ال 11.. ثورة 19 تموز - 5
مركز الأخبار – يحيى الحبيب
تُعدّ الإدارة الذاتية إحدى ثمار ثورة شمال وشرق سوريا لقمة انتُزعت من أفواه الأسود التي سعت ولا تزال تسعى لالتهامها، لكنها تمكّنت بفضل الكثير من التضحيات، أن تصبح واقعاً تضطر الكثير من القوى المناوئة لها للتعامل معها.
في #19-07-2012#، بدأ أهالي شمال وشرق سوريا بثورتهم انطلاقاً من كوباني، عبر طرد السلطات البعثية والمؤسسات التابعة لها. لحقتها فيما بعد كل من الحسكة وقامشلو وعفرين، ثم سارت على خطاها منبج والرقة والطبقة ودير الزور.
لم يطل الزمن حتى بدأت الكثير من الجهات المعادية للثورة ولرياح التغيير، بالهجوم عليها بطرقٍ وأشكالٍ مختلفة.
في الفترة الممتدة بين عامي 2012 وحتى مطلع عام 2018، تعرضت معظم مناطق الإدارة الذاتية لهجمات من قبل المجموعات المرتزقة التابعة لدولة الاحتلال التركي، من عفرين غرباً وحتى ديرك شرقاً.
ترافقت هذه الهجمات مع حرب اقتصادية، تبلورت على شكل حصار تركي مشدد على مناطق الإدارة الذاتية. عمدت دولة الاحتلال إلى إغلاق كافة المعابر الحدودية مع روج آفا بُعيد تحريرها من المجموعات المرتزقة.
في عام 2014، هاجم مرتزقة داعش بدعم تركي مباشر، مقاطعة كوباني في 15 أيلول، أي بعد إعلان الإدارة الذاتية بنحو 8 أشهر فقط. هذا الهجوم كان الأعنف منذ إعلان الثورة في شمال وشرق سوريا. وكان يُراد به توجيه ضربة في الخاصرة الجغرافية للإدارة الذاتية والقضاء على الثورة في المكان الذي انطلقت منه.
هذا الهجوم فشل وهُزم داعش ومن خلفه القوى الإقليمية والدولية الداعمة له.
في عام 2017، بدأت مرحلة جديدة من الهجمات عبر أول هجوم جوي نفذته طائرات حربية تابعة لجيش الاحتلال التركي على مقر لوحدات حماية الشعب في 25 نيسان.
في عام 2018 هاجمت دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها مقاطعة عفرين واحتلوها بعد 58 يوماً من المقاومة. في ذكرى المؤامرة الدولية على القائد عبد الله أوجلان، أي في #09-10-2019# ، هاجم جيش الاحتلال التركي ومرتزقته مقاطعة كري سبي ومنطقة سري كانيه واحتلوهما بعد مقاومة كبيرة من قِبل قوات سوريا الديمقراطية.
الهجوم التركي على عفرين عام 2018، لم يكن ليحدث لولا التواطؤ الروسي العلني مع دولة الاحتلال التركي، فقد حدث الهجوم التركي بالتزامن مع انسحاب القوات الروسية التي كانت متمركزة في عفرين حينها، وفتحت روسيا المجال الجوي أمام آلة القتل التركية.
ولا توفر روسيا حتى اليوم فرصة لكيل الاتهامات للإدارة الذاتية ووصمها ب الانفصالية.
في سيناريو مشابه لما جرى في عفرين، انسحبت القوات الأمريكية بأمر مباشر من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، من كري سبي وتل أبيض في تشرين الأول عام 2019، وأفسحت المجال أمام دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها لارتكاب المجازر واحتلال المنطقتين.
منذ عام 2017 لم تتوقف المسيّرات التركية عن استهداف شعب شمال وشرق سوريا. علماً أن أجواء المنطقة تخضع لمراقبة التحالف الدولي لمحاربة داعش وروسيا.
من الناحية الاقتصادية، تتعرض الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا لحرب شرسة، إلى جانب المعابر المغلقة من قبل دولة الاحتلال التركي، أغلق معبر تل كوجر الحدودي بين سوريا والعراق، وهو المنفذ الوحيد الذي كان متاحاً من الخارج عام 2020 بفيتو روسي-صيني.
في الداخل، لم يختلف نهج حكومة دمشق كثيراً عن نهج القوى التي تعادي الإدارة الذاتية بشكل علني؛ فحكومة دمشق لا تعترف حتى الوقت الراهن بالإدارة الذاتية، وترفض بشكل متواصل الحوار معها، إلى جانب فرضها حصار مشدداً على الشيخ مقصود والأشرفية بمدينة حلب ومقاطعة الشهباء.
في ذات السياق، لا يزال الحزب الديمقراطي الكردستاني يستخدم معبر سيمالكا الحدودي كورقة ابتزاز ضد الإدارة الذاتية، وهو الذي اختطف ممثل الإدارة الذاتية في باشور لمدة تزيد عن مائة يوم.
كما لا يتوانى المجلس الوطني الكردي، امتداد الحزب الديمقراطي الكردستاني في روج آفا، عن التشهير بالإدارة الذاتية وتشويه صورتها، إلى جانب تبعيته المباشرة لدولة الاحتلال التركي، وهو ما ظهر أكثر من مرة عندما وصف المسؤولون في المجلس الوطني الكردي المناطق التي تحتلها تركيا في سوريا ب المناطق المحررة.
إلى جانب ذلك، تتعرض الإدارة الذاتية لهجمات تهدف لتفكيكها من الداخل، وذلك عبر نشر المواد المخدرة والدعارة بين صفوف المجتمع، ولا يمضي عام إلا وتلقي فيه قوى الأمن الداخلي القبض على العشرات من مروّجي المخدرات ومتعاطيها.
في هذه الظروف، نشأت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا التي لا تعترف بها القوى الدولية، وغياب الاعتراف الرسمي بالإدارة الذاتية لا يعني أنها لم تحقق انفتاحاً في الداخل والخارج.
الإدارة الذاتية أُعلنت في منطقة بسوريا، غُيّبت فيها كل أشكال التعددية عقب الحقبة الناصرية، وتكرست فيها المركزية والقبضة الأمنية بعد عام 1960، وفي الجوار تحكمه أنظمة مركزية قوموية وملكيات لا تقبل الحديث عن أي شكل من أشكال اللا مركزية والتعددية.
أُعلنت الإدارة الذاتية غير مسنودة الظهر إلا إلى شعبها، في وقت كانت لا تتخطى فيه آمال أشد المتفائلين أن تكون هذه الإدارة قادرة على الصمود أكثر من أشهر، بسبب تعدد الجهات المعادية لها على الصعيد الداخلي والإقليمي والدولي.
الإدارة الذاتية التي توقّع البعض أن تكون تجربة مكررة عن جمهورية مهاباد لتسقط بعد 11 شهراً، خلّفت وراءها 11 عاماً، وافتتحت لها ممثليات في السليمانية بجنوب كردستان وفي عدد من العواصم الأوروبية منها برلين.
وكأول اعتراف رسمي، اعترف البرلمان الكتالوني بتاريخ تشرين الأول 2021 بالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وجاء في القرار أن البرلمان الكتالوني يعترف بوجود الإدارة الذاتية، ودعا المؤسسات الكتالونية إلى إقامة علاقات مؤسساتية مع الإدارة الذاتية.
إلى جانب هذا الانفتاح على الخارج، استُقبل ممثلو الإدارة في عدد كبير من العواصم العربية والعواصم الأوروبية، ولعل فرنسا التي استقبل رئيسها السابق فرنسوا هولاند والحالي إيمانويل ماكرون وفوداً من الإدارة الذاتية في القصر الرئاسي أبرز مثال على هذا الانفتاح.
كما لم تتوقف زيارات الوفود الأوروبية إلى شمال وشرق سوريا، وزارها أكثر من مسؤول أمريكي وقيادات رفيعة في البنتاغون.
في الداخل السوري وخاصة في الجنوب، لا يزال تطبيق نموذج الإدارة الذاتية مطلباً في السويداء ودرعا.
في ليبيا، تتجدد الدعوات بين الحين والآخر لتطبيق النظام الفيدرالي فيها، حيث كانت ليبيا في السابق مقسمة إلى ثلاث ولايات؛ طرابلس وبرقة وفزان، وطالب 32 نائباً من شرقي البلاد رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، في تشرين الأول 2022، بعرض دستور 1951 غير المعدل، للتداول في جلسة خاصة لمجلس النواب، تذاع على الهواء مباشرة، من أجل النظر في العودة إلى النظام الاتحادي.
[1]